غزة.. ما بعد قمة شرم الشيخ

19-10-2025 | 14:18

تَصَرُّفَاتُ إسرائيل منذ التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار في شرم الشيخ بحضور دولي غير مسبوق لا تعكس نيةً طيبةً في السلام، ولا تُشير إلى أن هذا الكيان المحتل سينخرط في تنفيذ استحقاقات هذا الاتفاق بنوايا حسنة أو بروح مخلصة تُوقِفُ حمامات الدم التي يرتكبها منذ عامين ضد الشعب الفلسطيني في غزة، بل وفي الضفة الغربية أيضًا. 

وفي ضوء أدلة دامغة تؤكد نيته إجهاض كل مساعي السلام ووأد كل محاولة لدعم الاستقرار في هذه المنطقة، واصل الاحتلال الدفع بذرائع واهية وأسباب زائفة بغية وضع المنطقة في حالة حرب، في تحدٍّ سافر لرغبة المجتمع الدولي وشعوب العالم أجمع التي رحَّبَتْ باتفاق شرم الشيخ لوقف هذه الحرب، وثمَّنَتِ الدور التاريخي الذي اضطلعت به مصر لوقف هذه الحرب الوحشية التي تُمَارِسُهَا إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني منذ عامين، قتلت خلالها أكثر من 70 ألفًا بالإضافة إلى ما يزيد على 200 ألف مصاب ودمرت أكثر من 95% من مساكن المُواطِنين بالقطاع.

فقبل أن يجف حبر اتفاق السلام دَأَبَتْ إسرائيل على اختلاق الذرائع لمنع تنفيذ كامل بنود هذا الاتفاق، وواصلت عرقلة إدخال المساعدات والمعدات اللازمة لقطاع غزة الذي بات مُدَمَّرًا بفعل هذه الحرب، فلا مرافق تصلح ولا مستشفيات تعمل، ودخل ما تبقى من المُواطِنين في أزمات مُمِيتة لا تقل خطرًا عن الحرب، فلا ماء ولا دواء ولا غذاء، وفوق كل ذلك لا مأوى.

فقد اتخذ الاحتلال من قضية استعادة جثث أسراه الذين قتلهم خلال عدوانه على غزة ذريعةً لاستمرار حصاره للقطاع وعرقلة دخول المساعدات والمعدات. 

ورغم تفهم الشريك الأمريكي لوجود معوقات لوجستية لاستخراج هذه الجثث من تحت الأنقاض وأعماق الأنفاق المدمرة، وهو الأمر الذي يحتاج وقتًا بل ومعدات متطورة، إلا أن الاحتلال يرفض دخول هذه المعدات ويُعَرْقِلُ أي محاولات تُساعِدُ على استخراج هذه الجثث، لا لشيء سوى استمرار حالة الحصار ومَنْعِ الإعمار في القطاع.

ووفق حسابات داخلية في إسرائيل، فإن هناك مصلحة لليمين المتطرف الحاكم لمنع تنفيذ أي اتفاقات سلام مع الفلسطينيين، بل سيسعى المتطرفون إلى إشعال الأزمة من جديد حتى وإن لم تصل إلى حَدِّ عودة الحرب مرة أخرى، وإن كان هذا السيناريو ليس ببعيد. فإذا تم حَلُّ مشكلة استعادة جثث الأسرى سوف تَتَذَرَّعُ بنزع سلاح المقاومة، وإذا تم ذلك يمكن أن تتذرع بالإدارة الفلسطينية الحاكمة للقطاع، وهناك العديد من النقاط التي وردت في خطة ترامب التي تمنح إسرائيل فرصة المماطلة والمراوغة والتهرب من تنفيذ الاستحقاقات.

ولعل الانتخابات الداخلية في إسرائيل، والتي تَنْطَلِقُ الشهر المقبل على زعامة حزب الليكود استعدادًا للانتخابات القادمة العام المقبل، ستمثل عائقًا جديدًا أمام إقرار السلام مع الفلسطينيين. 

ففي تقديري أن نتنياهو سوف يستغل ملف غزة والتضييق على القطاع وحصاره كسلاحٍ في الانتخابات القادمة، سواء في معركته للفوز بزعامة حزب الليكود أو في الانتخابات العامة، فلا فوز له ولا نَيْلَ لثقة المتطرفين إلا بتعهدات باتت معروفة والتزامات لم تَعُدْ خافيةً تَتَمَثَّلُ في مُجْمَلِهَا في إجهاض حقوق الفلسطينيين والإمعان في قتلهم ووأد أحلامهم في دولة مستقلة.

هكذا تفكر إسرائيل التي تُحَرِّكُهَا دوافع تلمودية ونوازع استعمارية لا تُخْفِيهَا، وللأسف تُشَارِكُهَا هذه التطلعات وتتقاسم معها تلك الأطماع الولايات المتحدة، خصوصًا في ظل الإدارة الحالية التي تراجعت عن دعم حل الدولتين الذي ارتضاه العالم أجمع باعتباره الحل الأمثل والوحيد لحل القضية الفلسطينية.

المؤكد أنه رغم قَتَامَةِ هذا المشهد، إلا أن هناك إرادةً لا تَنْكَسِرُ في بقاء القضية الفلسطينية حَيَّةً وحقوق الشعب الفلسطيني حاضرةً وأحلامه في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس قائمةً، مهما حاول المحتل إجهاض هذه الأحلام ووأد تلك الحقوق. فقد أكد الشعب الفلسطيني بصموده الاستثنائي على مدار عامين من الحرب الوحشية أن القضية لن تضيع.

ويقينًا أن وجود مصر بدورها التاريخي تجاه القضية الفلسطينية على مدار العقود، والذي تَجَلَّى في أبهى صُوَرِهِ خلال القمة الدولية التاريخية التي عُقدت بدعوة من الرئيس السيسي بشرم الشيخ قبل أسبوع، هو خير ضامن على بقاء هذه القضية حاضرة في وجدان الضمير العربي والعالمي، إذ تأخذ مصر على عاتقها تنفيذ خطة ترامب للسلام وقطع الطريق على إسرائيل لإفشال هذه الخطة. 

ولعل دعوة مصر لمؤتمر إعمار غزة الشهر المقبل يُمَثِّلُ خطوةً مهمةً ومحوريةً على طريق السلام، كما أنها تُمَثِّلُ الاختبار الحقيقي لإسرائيل والولايات المتحدة على جدية التزامهما بتنفيذ خطة ترامب للسلام... ربما تصدقان.

[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: