ولادة متعثرة لأول امرأة تحكم اليابان

19-10-2025 | 14:00

لأول مرة في تاريخ اليابان تسود حالة غير مطمئنة من عدم اليقين السياسي، كما يظلل الغموض أركان المحادثات بين القوى السياسية، بشأن تشكيل حكومة ائتلافية جديدة. 

وقد مر يوم 15 أكتوبر -كما كان محددًا- ولم يجتمع مجلس النواب لانتخاب رئيس جديد للحكومة، وأيضا، قد يمر يوم بعد غد -الثلاثاء- بدون إجراء التصويت.

جرت العادة بأن ينظر إلى سقوط حكومات وصعود أخرى في اليابان باعتباره أمرًا عاديًا ومألوفًا، ولا تشغل هذه المسألة بال الرأي العام في الداخل ولا حتى اهتمامات المراقبين في الخارج، إلا بدرجات متفاوتة، وتكفي نظرة سريعة على قائمة طويلة-عريضة من التشكيلات الحكومية اليابانية على مدار العقود الأخيرة لإثبات كل ذلك.

إذن، ما هو الجديد الذي جعل اليابان تدخل نفقًا مظلمًا من الأزمات السياسية غير محمودة العواقب؟ وهل سينجح أكبر الأحزاب وأكثرها تمثيلًا في البرلمان (الليبرالي الديمقراطي) في تشكيل حكومة ائتلافية، تقودها -لأول مرة- امرأة يمينية محافظة؟
قبل الإجابة على هذين السؤالين، وغيرهما، أود الإشارة إلى أني كتبت مرتين عن ظروف سياسية مماثلة، نسبيًا وربما مع الفارق، مرت بها اليابان في السابق.

المرة الأولى بتاريخ 4 سبتمبر عام 2008: وتحت عنوان "11 في 15" بعامود سياسة خارجية في الأهرام اليومي، عندما جرى انتخاب البرلماني المخضرم تارو آسو رئيسًا لحكومة اليابان (رقم 92) خلفا لفوكودا ياسو رقم (91). وقتها، احتل أسو رقم 11 من بين 15 رئيسا للحكومة، انتخبهم البرلمان على مدار 15 عامًا.

المرة الثانية بتاريخ 17 يونيو عام 2010 في المكان ذاته: وتحت عنوان "اليابان.. خمس في ثلاثة"، كتبت نصا: "على مدى ثلاث سنوات، شاءت الظروف أن أزور اليابان في مهمات متتالية، رأيت فيها خمسة رؤساء حكومات مختلفين.. فهل ما تشهده اليابان من تداول للسلطة، وتبديل سريع في رئاسة الحكومة، قد يصل إلى مرة ومرتين في العام الواحد (!!)، هل هو ظاهرة صحية تدل على حيوية سياسية، أم أنه دلالة على عدم الاستقرار الداخلي، وانعدام ثقة الشعب الياباني في قيادته"؟!

ما أشبه الليلة بالبارحة، ففي السنوات الخمس الأخيرة، 2020-2025، شهدت اليابان-وتشهد-خمسة رؤساء حكومة مختلفين، بدءا من أبي شينزو (2012-سبتمبر 2020) وذلك حتى الأشهر الأخيرة من مدة ولايته القياسية، وغير المسبوقة في تاريخ اليابان الحديث، ومرورا بكل من: سوجا يوشيهيدي (سبتمبر 2020-أكتوبر 2021)، كيشيدا فوميو (أكتوبر 2021-أكتوبر 2024)، إيشيبا شيجيرو(أكتوبر 2024-سبتمبر 2025)، تاكايتشي ساناي، الزعيمة المنتخبة الجديدة للحزب الليبرالي الديمقراطي، وربما غيرها بعد التصويت لحكومة جديدة.

أزمة تشكيل حكومة يابانية ائتلافية جديدة تحظى بمباركة البرلمان، ربما تكمن أولا في حالة الوهن التي أصابت الحزب الليبرالي الديمقراطي الحاكم منذ 1955، وكذلك تشرذم أحزاب المعارضة من ناحية، ولأسباب تتعلق بمواقف وتوجهات الزعيمة المنتخبة الجديدة لأكبر الأحزاب تمثيلا في البرلمان، تاكايتشي ساناي، نفسها.

هل شاخ الحزب الليبرالي الديمقراطي وفقد حيويته؟ تحت هذا العنوان قدم الأستاذ الزائر في جامعة توكاي اليابانية، سيريكاوايوئيتشي، وصفًا دقيقًا لحالة الوهن التي يمر بها أكبر الأحزاب اليابانية تمثيلا في البرلمان، بغرفتيه، وكتب، نصًا:   
"إذا شبهنا الحزب الليبرالي الديمقراطي بإنسان، فيمكن القول إنه تعثر في عامه الـ 38، وتعلم أنه لا يستطيع المضي وحده، ثم اتحد مع شريكه حزب كوميه في عامه الرابع والأربعين. وفي عامه الرابع والخمسين، اضطر إلى التوقف لأسباب صحية، لكنه استعاد حيويته عند بلوغه السابعة والخمسين. غير أنه الآن –وقد أتم عامه السبعين– بدأت علامات الوهن تظهر عليه بوضوح، فهو يحتاج إلى شريك جديد يساعده على تجاوز هذه السنوات، فهل باتت الشيخوخة تنال من حيويته"؟!

الحزب الليبرالي الديمقراطي اختار -في 4 أكتوبر الحالي - تاكايتشي ساناي، لتصبح أول امرأة تتولى قيادة الحزب في تاريخه الممتد على مدى 70 عامًا، وبعد أقل من أسبوع، أعلن حزب كوميه -الشريك في الائتلاف الحكومي منذ 26 عاما-انسحابه من الائتلاف، ورفض دعم ترشيح تاكايتشي لمنصب رئيس الحكومة، وبرر موقفه بأن الحزب الحاكم لم يتعامل بجدية كافية مع فضيحة تمويل سياسي، ساهمت في خسائر الائتلاف في انتخابات مجلسي النواب والشيوخ الأخيرتين.

في الآونة الأخيرة، ظهرت احتمالات متعددة لتشكيل ائتلافات حكومية جديدة ومختلفة في اليابان، من بينها، مثلا، المحادثات التي أجراها الحزب الليبرالي الديمقراطي مع حزب تجديد اليابان المعارض، وإعلان الحزبين عن الاتفاق على السياسات الأساسية كالدستور والشئون الخارجية والأمن القومي، والاختلاف حول قضايا أخرى مثل: الإلغاء المؤقت لضريبة الاستهلاك، وحظر التبرعات السياسية.

اللافت أن الحزب المعارض نفسه، تجديد اليابان، عقد محادثات مماثلة مع أكبر أحزاب المعارضة اليابانية، الدستوري الديمقراطي، الذي توعد زعيمه، نودا يوشيهيكو، بضرورة طرد الحزب الليبرالي الديمقراطي، وإخراجه من السلطة.

كل هذه التطورات، تشير إلى أن طريق تاكايتشي، كأول امرأة تحكم اليابان، بات يشبه الولادة المتعثرة، واحتمالاته غير مؤكدة، علما بأنها -شخصيًا- تمتلك سجلًا حافلًا بالمواقف المتشددة، تحديد اتجاه الأجانب، فضلا عن رؤيتها لتاريخ اليابان الاستعماري، التي تقلل فيه من دورها كدولة معتدية، إضافة إلى زياراتها المتكررة لضريح ياسوكوني المثير للجدل، مما أثار-ويثير-المخاوف داخل اليابان وخارجها.

في الوقت نفسه، تواجه اليابان تحديات جيوسياسية واقتصادية واجتماعية خطيرة، مما دفع برئيس الحكومة المنتهية ولايته، ايشيبا، إلى توجيه رسالة يدعو فيها السياسيين للتحلي بالشجاعة اللازمة وعدم الاستسلام "للشعبوية" غير المسئولة!

[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة