قام الملك فيليب، ملك الإغريق باستدعاء الفيلسوف "أرسطو" الذائع الصيت إلى بلاطه لتربية وتعليم ابنه الإسكندر وهو دون الثالثة عشر من عمره، ومكث يُلقنه العلم حتى سن الخامسة عشر، وكان ذلك من الأمور الهامة جدا؛ لأن "الإسكندر" أخذ يميل إلى العلوم البحتة على يد أرسطو، وبخاصة الطب وعلوم الطبيعة، كما شُغف كذلك بالأدب الإغريقي، ويُقال؛ أن "الإسكندر" كان ينام وملحمة "الإلياذه" وخنجر تحت وسادته، وكان إعجابه بها يفوق كل شئ.
فى صباه روّض الإسكندر جوادَا لم يكن فى مقدور والده وأتباعه أن يكبحوا جماحه، إذ أنه عندما لاحظ أن الحصان خاف وانغمس فى ظل نفسه هدأه، وبعد أن أداره قفز على ظهره وأرخى له العنان ليجرى بمنتهى السرعة، وهذا هو الجواد الشهير المُسمى "بوسفالوس" الذى كان يمتطيه فى حملاته.
الإسكندر الأكبر
عندما بلغ الإسكندر السادسة عشر من عمره، كان والده غائبًا بسبب الحرب، فجعله والده يقوم بأعباء مملكته، وفى تلك الفترة شن "الإسكندر" حربًا صغيرة على قبيلة ثائرة، وكان رائده فيها النصر.
وعندما تولى العرش وهو فى العشرين من عمره، رأى القوم أن رجلاً عظيمًا كان يدخل فى مسرح تاريخ العالم ليلعب دور منقطع النظير.
أمضى الإسكندر السنتين الأوليين بعد موت والده فى تحصين بلاده وجعلها فى مأمن من أى غارة مفاجئة، ثم جعل كل الحكومات الإغريقية تعترف وتقبل قيادته لها.
عندما أصبح فى سن الثانية والعشرين قام بتنفيذ خطة ومحط آماله غزو بلاد الفرس، ثم قام الإسكندر بحملة على آسيا الصغرى، ثم دخول سوريا وفلسطين، وبعد ذلك دخل الإسكندر مصر التى كانت وقتئذ جزءا من أملاك الفرس فسُلمت له قيادها.
وفى إحدى سفراته داخل البلاد المصرية مر بقرية لصيد أسماك على دلتا النيل، وهنا أسس مدينة أسماها "الإسكندرية" وهى إحدى المدن العديدة التى منحها اسمه، ولكنها تفوق بكثير سائر المدن التى لُقبت بهذا الاسم من حيث العظمة، والشهرة، وحسن الموقع، وبعد ذلك وصل الإسكندر إلى واحة سيوة المشهورة بعيون مآئها، وينابيعها، ونخليها، فاستقبله الكهنة ورحبوا به.
معبد التنبؤات بسيوة
معبد الوحى و سر الاسكندر
لقد بدأ صراع السيطرة علي الواحة منذ عهد الدولة القديمة، في العام 2900 ق.م دأب قوم من ليبيا يعرفون بـ ( أهل التحنو) مهاجمة مصر فزحفوا إليها، واتخذوا من واحة سيوة مركزاً لهم، فقام الملك سنفرو بمهاجمة الواحة و طرد الليبيين.
وفي العام 1970 ق.م عادت القبائل الليبية مرة أخرى لاتخاذ الواحة مركزًا لهم؛ للهجوم على مصر، فقاتلهم الملك "سيزوستريس" و طردهم من البلاد مهزومين.
وهاجم الليبيون مصر في العام 1547 ق.م مرة ثالثة مستغلين انشغال مصر بالحرب في بلاد النوبة، إلا أن الملك "أمنحتب الأول" أنزل بهم خسائر فادحة، وفي عام 1205 ق.م، وفي عهد الملك "مرنبتاح" صد هجوم الليبيين براً وبحراً للمرة الرابعة.
وبدءا من الأسرة الثانية والعشرين حكم مصر ما يُسمى بالأسرة الليبية، وكان حكامها كالآتي:
ملوك الأمازيغ المصريين الأسرة ٢٢ هم:(شيشينق الأول - أوسركن الأول - تاكلوت الأول - أوسركن الثاني - شيشينق الثاني - تاكلوت الثاني - شيشينق الثالث -با ماي - شيشينق الرابع).
الأسرة الـ ٢٣، هم:(بادي باست - شيشينق الخامس - أوسركن الثالث - تاكلوت الثالث - أمنرود - أوسركن الرابع).
الاسرة الـ ٢٤ هم:(تافت نخت - باك آن رن نف) والنهاية أنهزمت الأسرة علي يد الملك بعنخي وسقط الحكم الأمازيغى لمصر.
معبد التنبؤات بسيوة
بعد دخول الإسكندر الأكبر مصر وإنشاء مدينة الإسكندرية قرر زيارة معبد آمون بسيوة، الذي نال شهرة واسعة بعد حادثة جيش قمبيز و في شتاء عام 331 ق.م وصل الإسكندر إلى معبد آمون بسيوة و اصطحبه الكاهن الأكبر إلى "قدس الأقداس"، وهو حجرة مُظلمة لا يدخلها إلا الكاهن الأكبر والملك، ولم يُسمح لأي من مساعديه بمرافقته، وحين خرج الإسكندر من المعبد بدا عليه الارتياح، ورفض الإفصاح عما حدث بالداخل، وكان كل ما قاله لأصدقاؤه "سمعت ما يحبه قلبي"، ترى ماذا سمع الإسكندر وما حكايات معبد آمون؟
سر زيارة الاسكندر الأكبر لواحة سيوة ولماذا لقب بذو القرنين؟
دخل الإسكندر الأكبر مصر من الفرما بوابة مصر الشرقية، وتوجه إلى منف، ثم صار حيث بني مدينته الاسكندرية، ولكن الشئ العجيب هو لماذا توجه الي سيوة؟، وهي منطقة نائية وبعيدة، وفي قلب الصحراء؟
كان حلم الاسكندر الأكبر أن يسقط الأمبراطورية الفارسية ويحكم العالم كله، ولم يستطع أحد أن يتنبأ بمستقبله، وقد نصحه كهنة آمون في المعابد المصرية أن يذهب إلى معبد آمون في سيوة، حيث كان آمون هو المعبود الرسمي في مصر، وكان يُطلق على المعبد اسم"معبد التنبؤات"، وأحيانا "معبد الوحي"، ففي هذا المعبد تستطيع أن ترى وتعرف مستقبلك، ذهب الأسكندر وفي عقله عدة أسئلة واستفسارات، فاستقبله كهنة آمون بالترحيب ونصبوه حاكماً لمصر، ثم دخل مع الكاهن الأكبر في غرفة الوحي، وجاءته الإجابة عن تساؤلاته.. (سيسقط إمبراطورية الفرس، وسيحكم العالم كله، ولكن لفترة قصيرة من الزمان).
معبد التنبؤات بسيوة
آمن الاسكندر بالإله آمون، ونصب نفسه ابنُا لآمون كبير الآلهة المصرية، وألبسه رهبان المعبد تاجًا شكله كرأس كبش ذو قرنين، فلُقب بذلك الاسم «الإسكندر ذو القرنين»، ثم تنبأ عراف معبد آمون بأن الأسكندر سيموت مسموماً في العقد الثالث من عمره، والأغرب من ذلك قال له كاهن آمون:(سوف ترجع الى حضن أبيك آمون)، حيث تُدفن في أرضه.
وفى الطريق إلى مقدونيا، تعرض لهم بطليموس الثاني وقطع عليهم الطريق فبعد موت الأسكندر الأكبر فى صيف عام 323 ق .م وهو لم يكمل عامه الـ 32 ومات مسموماً فى الغالب، فجهزوا جنازه كبيرة له، وسارت بعرشه من بابل، فهل صدقت نبوءة العراف وحُوّل المسير إلى منف عاصمة مصر، حيث حُنط الجثمان ووري الثرى.
لقد زار الأسكندر الأكبر مصر وعشق أرضها وآمن بألهتها، فهل دفن فيها؟، ذلك ما لم تسفر عنه الاكتشافات الأثرية حتى الآن.
معبد التنبؤات بسيوة
معبد التنبؤات
هنا معبد التنبؤات بواحة سيوة، حيث تُوج الإسكندر الأكبر ابنًا لآمون، واكتسب شهرة كبيرة قديماً؛ كونه مقصداً لاستطلاع المستقبل،
كان الناس يتوجهون إلى معبد التنبؤات لاستشارة الإله آمون في أمورهم، يعد معبد التنبؤات من أشهر الأماكن الأثرية والسياحية في واحة سيوة التابعة لمحافظة مطروح غرب القاهرة.
يقع المعبد فوق هضبة أغورمي التي ترتفع 30 متراً عن سطح الأرض، حيث يمكن للزائر مشاهدة مشهد كامل للواحة بجبالها ومنازلها ومزارع النخيل التي تحيطها من الطابق العلوي للمعبد، ويقع على بعد 3 كم شرق سيوة.
يتكون المكان من ثلاثة أجزاء، عبارة عن المعبد الرئيس وقصر الحاكم وجناح الحراس، وبه ملحقات كالبئر المقدسة التي كان يتم فيها الاغتسال والتطهر وترجع أهمية المعبد إلى كونه مهبط وحي الإله آمون بحسب المعتقدات المصرية القديمة؛ لهذا أصبح مقصداً مهما للناس في ذلك العصر للاستشارة في الأمور التي يرغبون التنبؤ بها.
دعونا نتعرف على تاريخ هذا المعبد وأهم ما يميزه وسبب تسميته بهذا الاسم، معبد آمون أو معبد الوحي سُمي أيضاً بـ"معبد التنبؤات"، وهو أحد أهم المعابد الشهيرة للإله آمون ويقع في واحة سيوة، ويرجع تاريخه إلى عصر الأسرة الـ 26، ويُطلق على هذا العصر اسم "عصر النهضة" أو "العصر الصاوي" الممتد من 646 وحتى 526 ق.م.
معبد التنبؤات بسيوة
وتشير النقوش في منطقة قدس الأقداس داخل المعبد إلى أن من أنشأه هو الملك "أحمس الثاني" أو "أمازيس" أحد أهم ملوك تلك الأسرة.
والإله آمون في المعتقد المصري القديم له علاقة بالوحي بشكل عام، وسُمي هذا المعبد بمعبد التنبؤات؛ لأن الناس في ذاك الوقت كانوا يتوجهون للمعبد لاستشارة الإله آمون في الأمور التي يرغبون التنبؤ حولها، فيذهبون للمعبد ويطلبون من الكهنة استشارة آمون في الأمر الذي يحيرهم، ومن هنا جاء الاسم الذي عرف به المعبد حتى الآن.
معبد التنبؤات بسيوة
تتويج الإسكندر الأكبر
من الأحداث المهمة المرتبطة بهذا المعبد هو أنه شهد تتويج الإسكندر الأكبر ابناً للإله آمون، كوسيلة اتخذها الإسكندر للتقرب إلى المصريين؛ لما عُرف عنهم من ارتباطهم بمعبوداتهم في ذلك الوقت، وكان من أشهرها الإله آمون، وشهد هذا المعبد زيارة الإسكندر الأكبر عام 331 ق.م بعد وصوله إلى مصر، وتم تتويجه ابناً للإله آمون قبل أن ينصب حاكماً على مصر، فالإسكندر الأكبر
حاول أن يظهر التقدير والاحترام لآلهة المصريين لما عرفه من أهمية كبيرة لهذا الأمر لديهم".
وطلب الإسكندر وقتها من الكهنة أن يتنبأوا بمصير حملاته العسكرية المقبلة؛ لما عرفه من شهرة هذا المعبد في هذا الأمر، وأن الناس يقصدونه لهذا الغرض، فطلب أن يتم التنبؤ له هل سيحكم العالم أم لا؟ لتكون الإجابة: نعم، ولكن ليس لفترة طويلة.
معبد التنبؤات بسيوة
معبد آمون
ويقول المؤرخون أن القائد المقدوني قد سأل عراف المعبد عما إذا كان سيحكم العالم"، وكانت إجابة الكاهن "نعم، لكن ليس لفترة طويلة" وبالفعل تم تتويج الإسكندر حاكم لمصر عقب حصوله على نبوءة الكاهن.
ويشهد المعبد ظاهرة فلكية تسمى الاعتدال الربيعي، حيث تتعامد الشمس على المعبد مرتين كل عام، في الاعتدال الربيعي و الاعتدال الخريفي، حيث يتساوى الليل والنهار بعد 90 يوماً من أقصر نهار فى العام، وبعده بتسعين يوماً آخرين يقع أطول نهار في العام.
شهد المعبد تغيرات كثيرة ووضعت فيه بصمات عديدة، بدءً من العصر المصرى القديم واليوناني والروماني حتى الإسلامى، وفيه مسجد ومئذنة وغرف للكهنة وممرات وبهو شٌيد لاستقبال الإسكندر وتتويجه.
معبد التنبؤات بسيوة
اختفاء جيش قمبيز وعلاقته بالمعبد
ومن الأساطير والقصص المرتبطة بمعبد التنبؤات، تلك القصة المرتبطة باختفاء جيش الملك الفارسي قمبيز، فعقب احتلال الفرس لمصر في عام 525 ق. م، أرسل قائدهم قمبيز جيشه لاحتلال سيوة التي كان كهنة الإله آمون في معبدها قد تنبأوا له بنهاية مٌهلكة، فجهز جيشاً قوامه 50 ألف جندي لهدم معبد آمون واحتلال الواحة، إلا أن هذا الجيش ضل طريقة وهلك في الصحراء، ولم يصل إلى سيوة، وبعد تلك الحادثة تحققت نبوءة الكهنة في قمبيز فمرض ومات.
ويرتبط بمعبد التنبؤات قصص كثيرة يتناقلها الناس حتى وقتنا هذا، وتظل مثيرة للدهشة والتعجب، ومن أشهرها قصة جيش قمبيز المفقود الذي فقد في الصحراء ولم يعثر عليه، وذلك عندما توجه لهدم هذا المعبد، وقصة جيش قمبيز المفقود واقعة حقيقية وثابتة تاريخياً وليست أسطورة متعلقة بالمعبد.
ويعتقد أن فقدان جيش قمبيز كان بسبب أحد العوامل الطبيعية، حيث يستنتج بعضهم أن هذا الجيش طُمر تحت رمال الصحراء؛ بسبب عواصف ورياح شديدة، وظل هذا الأمر أحد الألغاز المرتبطة بمعبد آمون، وأحد القصص التي يتناقلها الناس على مر العصور عن هذا المعبد.
الأثري عبد الله إبراهيم موسى
مدير منطقة آثار مرسى مطروح للآثار الإسلامية والقبطية
معبد التنبؤات بسيوة
معبد التنبؤات بسيوة
صورة البئر المقدسة بمعبد التنبؤات
صورة البئر المقدسة بمعبد التنبؤات