في تاريخ مصر رجال قلوبهم لا تعرف الخوف، رجال اختاروا طريق الشرف حتى لو كان الثمن هو حياتهم، بطلنا اليوم هو الشهيد اللواء شفيق مترى سدراك، اسم تذكره العسكرية المصرية بكل فخر واعتزاز.
موضوعات مقترحة
"الصعيدى الجدع" هو لقبه بين قادته وزملائه، كان بطلاً حقيقيًا وقائدًا من طراز نادر، كان دائمًا في الصفوف الأولى مع جنوده فى الميدان يرفع معنوياتهم يزرع القوة في قلوبهم، لا يعرف التراجع ولا الاستسلام، يتقدم قواته حتى يطمئنهم ويبث في نفوسهم الشجاعة والإقدام ويرفع من روحهم المعنوية، وهكذا هو القائد "أول من يبادر وآخر من يغادر".
وُلد سنة 1921 بمحافظة أسيوط، التحق بكلية التجارة لمدة عامين، لكنه اختار فى النهاية الالتحاق بالكلية الحربية، وتخرج منها 1948م، مقاتلاً فى سلاح المُشاة، وخدم في السودان مرتين خلال حياته العسكرية.
أظهر شفيق مترى سدراك تفوقًا ملحوظًا لدرجة أنه كان من أوائل الضباط الذين حصلوا على شهادة أركان حرب وهو برتبة رائد، وكان أصغر الخريجين، وحصل على شهادة أكاديمية ناصر العليا بتفوق، وبسبب نبوغه وتفوقه تم تعيينه ضمن هيئة التدريس بالكلية الحربية لتدريس مادة التكتيك وفن القتال، وعُرف عنه اجادته لفن القتال بالدبابات.
شارك شفيق مترى في حرب السويس وقت العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م، كما شارك فى حرب الاستنزاف 1967م، وعبر مع جنوده لسيناء عدة مرات ونفذ بنجاح عدد من العمليات العسكرية وصنع بطولات سجلها التاريخ في بورسعيد والدفرسوار والفردان وجنوب البلاح، ومن اشهر المعارك معركة "أبو عجيلة" التى حارب فيها ضاربًا أروع الأمثلة في الشجاعة والبطولة والجسارة، وكبّد العدو خسائر كبيرة، وتقديرًا لجهوده حصل على ترقية استثنائية من الرئيس جمال عبد الناصر تكريمًا له.
وفى معركة التحرير يوم 6 أكتوبر1973، كان البطل اللواء شفيق متري سدراك على رأس اول من عبروا لشرق القناة مع أول موجة للعبور كقائد للواء الثالث المشاة الميكانيكي.
وكانت كلماته إلى أفراد وضباط لوائه "إن أبناء مصر من عهد مينا إلى الآن ينظرون إليكم بقلوب مؤمنة وأمل باسم، وآن الأوان أن ترفرف أعلام مصر على أرض سيناء وأنا أعدكم أن كل علم سيرفع فوق إحدى مواقع القوات الإسرائيلية في سيناء سيكون موضع إعزاز وتقدير من أبناء مصر وقادتها ولكل من ساهم في رفع هذه الأعلام، وختامًا أذكركم بقوله تعالى {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ}.. هكذا خاطب القائد المسيحي جنوده بآيات من القرآن الكريم.
بعدما انتهى اللواء شفيق مترى سدراك من كلمته سلم عليهم فرد فرد وربت على أكتافهم، وأكد لهم قدرتهم على الثبات والقتال بقوة الإيمان بالحق ولتحقيق النصر، وما أن أتت شارة البدء حتى تقدم البطل رجاله وتمركز على أرض سيناء الحبيبة بعد ما أدى هو وكتيبته أداء أذهل العدو وحطم أسطورة الجيش الذى لا يقهر وتوغل جيشنا 12 كيلومتر في الضفة الشرقية، وكان العدو يحاول كل يوم اختراق قواتنا بشن هجمات مضادة أخطرها كان يوم 8 أكتوبر قام به لواء مدرع إسرائيلي علي الفرقة 16 مشاة، لكنها تمكنت من صده وأرغمته علي الانسحاب.
وفي يوم 9 أكتوبر شن العدو أربع هجمات مضادة خلال أربع ساعات نجح البطل شفيق مترى سدراك ورجاله من صدهم والحقوا بالعدو خسائر لم يكن يتوقعها، وأصدر اللواء شفيق مترى سدراك أوامره بتطوير الهجوم شرقًا وتوغل هو ورجاله لعمق 14 كيلو مترا يقتلون ويأسرون جنود العدو، وكان يتقدمهم البطل شفيق مترى سدراك بمسافة كيلومتر ليبث في نفوسهم الشجاعة والإقدام ويحمسهم للقتال.
وفجأة أصابت سيارته دانة مدفع إسرائيلي لترتقي روح الشهيد المسيحى الصائم مثل جنوده ليلقى ربه، فهو أول شهيد من الضباط حسب إشارات التبليغ من الوحدات الفرعية ويوميات القتال، وأيضا هو أول بطل يقوم بتكريمه الرئيس أنور السادات في الجلسة التاريخية لمجلس الشعب، ومنحه وسام نجمة سيناء من الطبقة الأولى تقديرًا لتضحيته وشجاعته في ميدان القتال وهو أعلى وسام عسكري مصري.
رحل البطل وترك لنا ميراث من العزة والشرف وعلمنا أن مصر لن تبنى غير بعرق ودم ابنائها الاوفياء وأن بطولات أكتوبر ستظل شاهدة إن الوطن غالى يستحق كل تضحية وأن مصر باقية رغم كيد الحاقدين.