في قلب الساحة الأمامية للمتحف المصري الكبير، وعلى مرمى البصر من أعظم كنوز الحضارة الإنسانية، تتجلى المسلة المُعلقة للملك رمسيس الثاني كتحفة معمارية وأثرية فريدة تُعيد تعريف مفهوم العرض المتحفي في مصر والعالم، وليست مجرد بقايا فرعونية استُخرجت من باطن الأرض، بل هي قصة تُروى بحروف الجرانيت الوردي، تحكي عن عظمة ملك، وعبقرية معمار، ورؤية حديثة تعيد للحضارة المصرية مكانتها اللائقة على مسرح الإبداع العالمي.
وفي مشهد بانورامي غير مسبوق، تقف المسلة، المُكتشفة في منطقة صان الحجر، مُعلّقة في الهواء، لتتيح للزوار لأول مرة في التاريخ مشاهدة خرطوش رمسيس الثاني من أسفل، في تجربة بصرية وتاريخية تنبض بالحياة والدهشة.
وعبر الفقرات التالية نستعرض تفاصيل هذا الإنجاز المميز، وكيف تحولت المسلة من أطلال منسية إلى رمز حديث يربط الماضي بالحاضر، ويُجسد فلسفة المتحف المصري الكبير في تقديم التراث برؤية مستقبلية.
تحفة معمارية أمام واجهة المتحف الكبير
في عرض بصري غير مسبوق، تقف المسلة المُعلقة للملك رمسيس الثاني أمام واجهة المتحف المصري الكبير، لتُشكّل نقطة جذب استثنائية تمزج بين عراقة التاريخ وروح الابتكار المعماري الحديث، المسلة، المصنوعة من الجرانيت الوردي، تم اكتشافها في منطقة صان الحجر بمحافظة الشرقية وكانت مقسّمة إلى أجزاء نتيجة لعوامل الطبيعة، قبل أن يتم ترميمها وتجميعها بعناية فائقة ضمن مشروع ضخم لإحياء التراث المصري.
أول عرض أفقي لمسلة في التاريخ
ما يميز هذه المسلة عن نظيراتها من المسلات المصرية القديمة هو طريقة عرضها الفريدة. فقد تم تعليقها أفقيًا في الهواء باستخدام تكنولوجيا متقدمة، لتكون أول مسلة في العالم تُعرض بهذا الشكل. هذا الترتيب غير التقليدي يتيح للزائرين فرصة نادرة لرؤية خرطوش الملك رمسيس الثاني، المنقوش في أسفل المسلة، وهو أمر لم يكن ممكنًا عند عرض المسلات بالطريقة الرأسية المعتادة.
رؤية جديدة لتجربة المتحف
طريقة العرض المبتكرة تعكس رؤية المتحف المصري الكبير في تقديم تجربة تفاعلية للزوار، تتجاوز حدود العرض التقليدي، وتُحفّز التفاعل مع القطع الأثرية. فالمسلة المعلقة لا تكتفي بأن تكون مجرد قطعة أثرية ضخمة، بل تفتح نافذة على فكر المصريين القدماء، وتهدي الزائر لحظة تأمل مباشرة في تفاصيل النقوش الملكية والرمزية السياسية والدينية التي حملتها المسلات الفرعونية.
جهود ترميم دقيقة وتقنيات تكنولوجية
أعمال الترميم والتجميع استغرقت وقتًا طويلًا من الدراسة والتخطيط، حيث تم استخدام هياكل دعم معدنية خفية وتقنيات توازن معقدة للحفاظ على سلامة المسلة، وضمان ثباتها دون التأثير على أصالتها. وقد تعاون في هذا المشروع نخبة من خبراء الترميم، والمهندسين المعماريين، والمتخصصين في التكنولوجيا الهيكلية من مصر وخارجها.
صان الحجر.. موطن الاكتشاف
تعود أصول المسلة إلى منطقة صان الحجر (تانيس)، وهي واحدة من أقدم المدن المصرية القديمة التي كانت عاصمة للوجه البحري خلال العصور المتأخرة. وتعتبر صان الحجر موقعًا أثريًا غنيًا بكنوز ملكية ومعابد ومسلات، تم اكتشاف العديد منها خلال العقود الأخيرة، مما يبرز أهميتها كواحدة من الحواضر الفرعونية البارزة.
دلالة رمزية وحضارية
تحمل المسلة المُعلقة رمزية مزدوجة؛ فهي لا تمثل فقط إنجازًا أثريًا، بل تُعبّر عن فلسفة جديدة في التعامل مع التراث، تقوم على إحياء التاريخ دون تجميده، وتحويله إلى جزء من المستقبل عبر أساليب عرض مبتكرة، كما تُعيد المسلة تسليط الضوء على شخصية رمسيس الثاني، أحد أعظم ملوك مصر القديمة، والذي ترك بصمة واضحة في المعمار والسياسة والدين.
تجربة فريدة تعيد تشكيل العلاقة مع التراث
هذه التجربة البصرية والتاريخية الفريدة تُعيد تشكيل العلاقة بين الزائر والتراث، فبدلاً من الاكتفاء بالمشاهدة من الخارج، يصبح الزائر جزءًا من القصة، يشاهد تفاصيل دقيقة منقوشة منذ آلاف السنين، ويكتشف زوايا لم يكن الوصول إليها ممكنًا من قبل. بهذا المعنى، تتحول المسلة إلى بوابة زمنية، لا مجرد نصب فرعوني.
مَعْلمٌ يليق بعظمة المتحف المصري الكبير
وجود المسلة المُعلقة في ساحة العرض الخارجية للمتحف المصري الكبير لا يأتي مصادفة، بل يكمّل فلسفة تصميم المتحف الذي يهدف لأن يكون معلمًا عالميًا يجمع بين عراقة الحضارة المصرية وتطور العرض المتحفي العالمي، وتُعد المسلة بوابة بصرية ووجدانية تُهيئ الزائر لخوض تجربة ثقافية وإنسانية متكاملة تبدأ من لحظة دخوله.
المسلة المُعلقة أمام المتحف الكبير
المسلة المُعلقة أمام المتحف الكبير