مئوية «اليوناني واللاتيني» بكلية الآداب.. ترجمة جديدة لتاريخ جامعة القاهرة| صور

17-10-2025 | 13:15
مئوية ;اليوناني واللاتيني; بكلية الآداب ترجمة جديدة لتاريخ جامعة القاهرة| صور جامعة القاهرة
د. محمد عدلي الحديدي

على طول خط التاريخ الجامعي، انقسمت مراحل التكوين للصرح التعليمي الأبرز والقاهر لصبغة الذل والاحتلال، إلى محطات زمانية ومكانية وقف عليها قسم الدراسات اليونانية واللاتينية، احتفالًا بمئوية جامعة للقسم ولكلية الآداب ولجامعة القاهرة، راصدًا تاريخ النشأة وإبداع الرواد. وفي كتيب قائم على البحث الدقيق والوثائق الرسمية الصادرة عن وحدة الذاكرة الإلكترونية لكلية الآداب، عكف لفيف من أساتذة قسم "اليوناني واللاتيني" على إصدار ترجمة جديدة لتاريخ جامعة القاهرة، تفاصيله تبدأ من احتفال كلية الآداب بمرور مائة عام على إنشائها.

موضوعات مقترحة

ويرجع تاريخ نشأة كلية الآداب إلى عام ١٩٠٨ حين تأسست الجامعة الأهلية، ونتيجة لما حققته الجامعة الناشئة من آمال عظيمة عبرت عن تطلعات المصريين، فكرت الحكومة فى عام ۱۹۱۷ بإنشاء جامعة حكومية، وتم الإتفاق بين الحكومة وإدارة الجامعة الأهلية على الاندماج في الصرح الجديد على أن تكون كلية الآداب نواة لهذه الجامعة. إلى أن صدر مرسوم بقانون في 11 مارس عام ١٩٢٥ بإنشاء الجامعة الحكومية باسم الجامعة المصرية وكانت مكونة من كليات أربع هي: الآداب والعلوم والطب والحقوق، وفى العام نفسه ضمت مدرسة الصيدلة لكلية الطب، كما ضمت مدرسة الآثار لكلية الآداب.

وكانت كلية الآداب عند افتتاحها عام ١٩٢٥ تتكون من ستة أقسام هي: اللغة العربية واللغات السامية وآدابها، والفلسفة، واللغات الحية أو اللغات الأوروبية (وقد بدأ بقسم اللغة الإنجليزية ثم تلاه قسم اللغة الفرنسية بعد بقليل)، والدراسات القديمة "قسم الدراسات اليونانية واللاتينية حاليًا"، والتاريخ والجغرافيا، والآثار - الذي كان يهتم بدراسة الآثار المصرية القديمة ثم اتسعت الدراسة بعد ذلك لتشمل الآثار الإسلامية. واطرد نمو الكلية بعد ذلك فاستقل قسم التاريخ عن قسم الجغرافيا واتخذ له مبنى خاصًا به يشرف على النيل، وفي عام ١٩٣٧ تم إنشاء ملحق للكلية تم تخصيصه لقسمي اللغة الإنجليزية والتاريخ.


الرواد الأوائل لقسم الدراسات اليونانية واللاتينية

ولم يجد الملك فؤاد غضاضة في الاعتماد على الأساتذة الأوربيين في التدريس بها ففتح الباب لتعيينهم، وكان البلجيكي هنري جريجوار هو أول عميد لكلية الآداب في الفترة من ۱۹۲٥-۱۹۲۷. وفي عام ۱۹۲۸ خلفه الدكتور جوستاف ميشو أستاذ الأدب الفرنسي في عمادة الكلية، واستمر في منصبه حتى عام ١٩٣٠، وكان ميشو يجيد اللغة اللاتينية إجادة تامة؛ حيث نال الدكتوراه من السوربون برسالة كتبها بالكامل باللغة اللاتينية. وفي عام ١٩٣٠ تم انتخاب الدكتور طه حسين عميدًا لكلية الآداب، ليكون أول عميد مصري.

وفي عام ۱۹۲۸، بدأت الجامعة في إنشاء مقار دائمة لها في موقعها الحالي الذي حصلت عليه من الحكومة تعويضًا عن الأرض التي تبرعت بها الأميرة فاطمة إسماعيل بنت الخديوِ إسماعيل للجامعة.

ومن ثم تبدأ قصة قسم الدراسات القديمة "الدراسات اليونانية واللاتينية حاليًا" والمرجح اختيار الدكتور هنري جريجوار - كونه أستاذًا للدراسات اليونانية والبيزنطية - قائما بأعمال رئيس القسم آنذاك. ثم في عام ۱۹۲۹ قرر مجلس كلية الآداب التعاقد مع أستاذ إيطالي بارز في مجال الدراسات الكلاسيكية خلفا لجريجوار، إلا أن اللورد جورج لويد "المندوب السامي في مصر" قرر تعيين الاسكتلندي وليم واديل، رئيسًا لقسم الدراسات القديمة.

ويشير وليم واديل في مذكراته إلى تعدد جنسيات الأساتذة الأجانب بقسم الدراسات القديمة، والتي كانت تتنوع بين المصريين والبريطانيين والفرنسيين والبلجيكيين والإيطاليين والألمان والأستراليين والروس، إلا أن الغلبة كانت - بطبيعة الحال - للأساتذة الإنجليز أمثال السير توماس أرنولد وروبرت جريفز وبونامی دوبری وجون جورج كراوفورد، وغيرهم. ولم يكن هناك من المصريين من هو مؤهل في ذلك الوقت للتدريس فيه.

ويتحدث دكتور واديل عن الحياة الجامعية في مصر بمقال بعنوان "مدرس كلاسيكيات في مصر" تم نشره في مجلة The Classical Journal عام ۱۹۳۳، واصفًا طبيعة الدراسة في القسم في ذلك الوقت، بأن "الطلاب المصريين الذين لم يدرسوا اليونانية واللاتينية في المراحل قبل الجامعية، على خلاف الحال في أوروبا، كان عليهم أن يقضوا السنة الأولى يدرسون قواعد اللغتين، وحينما يصلون إلى السنة الرابعة كان لزامًا عليهم دراسة نصوص هوميروس ومن الأساطير ومن مسرحيات ويوربيديس، ومن أشعار فرجيليوس وكتابات ليفيوس - حتى يحصلوا على بكالوريوس الآداب".


د. فاطمة سالم بجوار د.نعيمة الأيوبي، ومن خلفهما د.سهير القلماوي

ويستطرد واديل في مقاله عن حفاوة الاستقبال التي يحظى بها الأساتذة الزائرون، وكرم الحكومة المصرية، ووعي وزارة المعارف، كما يتحدث عن البعثات للخارج التى كانت تنفق عليها الحكومة دون تقصير، حتى وصل عدد المبعوثين للخارج إلى 500 طالب، مشيرًا إلى المزايا التي يتمتع بها الطالب في قسم الدراسات الكلاسيكية في مصر، والتي من أهمها إمكانية مشاركة الطالب في مهمات التنقيب التي تمولها الحكومة المصرية.

وكان الدكتور طه حسين معروفا بميوله للدراسات الكلاسيكية، وكان النصير الأول والداعم لها، وذلك على الرغم من تعيينه في الجامعة المصرية الأهلية بوصفه مدرسًا للتاريخ القديم، ثم فى الجامعة المصرية الحكومية في كلية الآداب بوصفه أستاذًا للغة العربية عام ۱۹۲٥، وبالرغم من أن تخصصه الدقيق لم يكن في الدراسات الكلاسيكية؛ فإنه كان أول مصري عربي يقوم بتدريس مقرر التاريخ اليوناني - الروماني ومقرر الأساطير باللغة العربية؛ بل كان أول من قدم كتابًا في عام ۱٩٢٠ يهتم بالأدب اليوناني بعنوان "صحف مختارة من الشعر التمثيلي عند اليونان".

وقد عبر عميد الأدب العربي في كتابه الأشهر "مستقبل الثقافة في مصر" عن أهمية دراسة اللغتين اللاتينية واليونانية للدارسين والمثقفين بقوله: "إن اللاتينية واليونانية بالنسبة للدرس الأدبي كالرياضة بالنسبة للدرس العلمي.. وهما "أساس من أسس العلم والتخصص"، ويقول "إن التعليم العالي الصحيح لا يستقيم في بلد من البلاد الراقية إلا إذا اعتمد على اللاتينية واليونانية على أنهما من الوسائل التي لا يمكن إهمالها والاستغناء عنها".

 وفي عام ۱۹۳۰، عندما أصبح الدكتور طه حسين أول عميد مصرى لكلية الآداب، أبقى على دراسة اللغتين اللاتينية واليونانية من بين المواد الأساسية في أقسام كلية الآداب المختلفة، على أن يتم تدريسهما طوال السنوات الأربع في قسمي التاريخ والفلسفة. وعندما أبعدته حكومة القصر برئاسة إسماعيل صدقي في عام ۱۹۳۲ استقال الدكتور لطفي السيد - رئيس الجامعة - من منصبه اعتراضًا على استبعاد طه حسين. عندئذ خفض إسماعيل صدقى دراسة اللغتين اللاتينية واليونانية في كلية الآداب من مواد أساسية لتصبح مواد مساعدة. وفي عام ١٩٣٤ قامت المظاهرات الشعبية مطالبة بإسقاط حكومة القصر التي يرأسها صدقي، وفاز حزب الوفد بالوزارة وعاد كل من طه حسين ولطفي السيد إلى موقعيهما، وعادت اللغتان اللاتينية واليونانية إلى سابق عهدهما مواد أساسية في أقسام كلية الآداب.


احتفال قسم الدراسات اليونانية واللاتينية جامعة القاهرة بمئويتها

وكان من بين المصريين في هيئة التدريس والهيئة المعاونة: محمد سليم سالم عُيِّن مدرسًا عام ۱۹۳۸، ومحمد محمود السلاموني عُيِّن مدرسًا ١٩٤٤، ومحمد صقر خفاجة عُيِّن مدرسًا ١٩٤٩، ووهيب كامل الذي عُيِّن مدرسًا ۱۹۵۰، ومحمد مندور عُيِّن مدرسًا مساعدًا لتدريس اللغة اليونانية عام ۱۹۳۹، ولبيب ديميترى عُيِّن مدرسًا مساعدًا ١٩٤٤، وجاك يوسف كوهين عُيِّن معيدًا في عام ١٩٤٣.

ويسترجع الأستاذ الدكتور محمد سليم سالم (أول خريج من القسم عام ١٩٢٩) أجواء المحاضرة الأولى في اللغة اليونانية القديمة التي كان يلقيها هنري جريجوار فيقول: أخذنا ملاحظات لساعتين بينما كان جريجوار يلقي محاضرة عن حرف (a) في كل اللهجات المعروفة. لم نعرف كلمة واحدة في اليونانية. وغادرنا وقد عقدنا العزم على ألا نعود أبدا. لا أزال أحتفظ بالملاحظات، ولا أزال لا أفهم المحاضرة.. عندئذ سارع المساعد البلجيكي الدكتور جريندور لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في ذلك اليوم فقام بشرح بدايات اللغة اليونانية من الخربشات النقشية الأولى للحروف. ولم يتخرج من هذه الدفعة سوى محمد سليم سالم في ۱۹۲۹.

وتعد الدكتوره فاطمة سالم سيف أول فتاة تلتحق بقسم الدراسات القديمة عام ۱۹۲۹، وكانت من المتفوقات في الدراسة، حتى تخرجت عام ١٩٣٣ وحصلت على ليسانس الآداب من قسم الدراسات القديمة، ثم درجة الماجستير عام ١٩٤٢ وعينت مدرسًا بكلية الآداب، وفي عام ١٩٥٥ حصلت على درجة الدكتوراه في اللغة اللاتينية من جامعة لندن. ومن أشهر خريجات القسم أيضًا أمينة طه حسين ابنة عميد الأدب العربي التي تخرجت عام ١٩٤١، ثم سافرت بعد ذلك لاستكمال دراستها بفرنسا.


احتفال قسم الدراسات اليونانية واللاتينية جامعة القاهرة بمئويتها

وفي عام ١٩٥١ تم إلغاء المعاهد البريطانية - المصرية المعروفة بمعاهدة ١٩٣٦ وتم إبعاد الأساتذة الإنجليز من الجامعة وبالتالي من قسم الدراسات القديمة، وعقب ثورة يوليو ١٩٥٢ أصبحت الأولوية في التدريس بالقسم للأساتذة المصريين، وأصبح الدكتور زكي علي مشرفًا على قسم الدراسات الأوروبية القديمة بجامعة فؤاد الأول التي استبدل اسمها باسم "جامعة القاهرة "، ثم ترأس الدكتور محمد صقر خفاجة مجلس القسم عام ١٩٥٢.

وفي عام ١٩٥٧ - وبعد تدخل عميد الأدب العربي - تراجعت الحكومة عن قرار تجميد قسم الدراسات الأوروبية القديمة - الذي تم اتخاذه بناء على توصية من مجلس جامعة القاهرة، لتبدأ بعد ذلك حقبة جديدة بزغ فيها أجيال من الأساتذة المصريين أمثال: د. عبد المعطي شعراوي، د.فاروق فريد، د. محمد حمدي براهيم، د. أحمد عثمان، د. يحيى عبد الله، د. محمود صقر، ثم جيل: د. هانم فوزي، د. أوفليا رياض، د. منیره کروان د. سيد صادق، وجيل: د. عادل النحاس، د. علاء صابر، د. علي عبد التواب، د. السيد البراوي، د. فاطمة الزهراء هاشم... وتتوالي الأجيال جيلًا بعد جيل، لتداول حمل مشعل التنوير، وبناء جسور التواصل بين الثقافات والحضارات، محافظين على إرث قسم الدراسات اليونانية واللاتينية العتيق.


احتفال قسم الدراسات اليونانية واللاتينية جامعة القاهرة بمئويتها
 

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة