أثار اكتشاف الكبسولة الرصاصية في الإسكندرية التي تحوى عملات نادرة تعود إلى عصري السلطنة والملكية في مصر خلال عصر أسرة محمد علي باشا، التساؤل عن أهمية وضع النقود والذهب فى أساسات المنزل وقبله المعبد وبعده الكنيسة والمسجد، حيث صارت هذه العادة مصرية بامتياز وانتقلت بعدها للعالم أجمع.
بدوره يقول المؤرخ الأثري فرنسيس أمين لـ"بوابة الأهرام"، إن ودائع الأساس هى الذاكرة والكنز الخفي، مؤكدًا أن خلال عصر الأسرة الحادية عشر تم اكتشاف الكثير من الودائع، أما الأسرة الثانية عشر وفى دهشور فقد تم اكتشاف ودائع ذهبية عبارة عن حبات متناهية اصغر من اللازورد والمرجان ما طرح التساؤل عن كيفية وصول المصريين لهذه البراعة المتناهية التى تفشل الآلات الحديثة عن الإتيان بها.
وفى اكتشافات عصر الدولة الوسطى أصبح هناك نوع من الشك يحيط بأغلب المجوهرات، فأغلب الأثريين لم يذكروا أين عثروا عليها، مضيفا أن من أشهر الودائع كنز "أميرات تحتمس الثالث"؛ ذلك لأن هوارد كارتر باعها ولم يذكر هل وجدها داخل المقابر، أم كانت إحدى الودائع؟، كذلك وُجدت "ودائع الأساس" لحتشبسوت تحت مسلتها فى الكرنك، وودائع أساس أمنحتب الثاني.
الألياذة
ما يؤكد مدى كثرة الودائع والكنوز المصرية، هو ما قاله هوميروس فى "الألياذة" مُخاطبُا الإغريق:(ليتنا لو عندنا جزءًا بسيطًا من كنوز طيبة المخفية)، ما يدل على أن الكنوز المخفية أكثر من الظاهرة، ويضيف فرنسيس أمين أنه عُثر في دير التل الأبيض على ودائع من عصر هيلانة فى العصر الروماني، وقد استمرت مصر فى العادة من العصر القديم حتى العصر المسيحي وكذلك الإسلامي، وانتقلت العادة للعالم أجمع، حيث تحفظ الأموال والذهب والفضة في أوعية وصحائف أو كتب.
ويوضح أمين، أن هوارد كارتر، مكتشف مقبرة توت عنخ آمون، بنى منزله فى القرنة، وقد رمى قوالب طوب من لندن في أساسات المنزل، حيث جرت العادة، مضيفا أن ودائع الأساس تحولت إلى حيلة فهناك تمثال مرنبتاح الذي تم اكتشافه وجدوا تحته اسم رمسيس الثاني ليؤكد بأنه حتى لو تم مسح اسمه فإن ذاكرته المخفية حتما ستظهر للعلن، أما عند نقل معابد فيلة، فقد قام الوفد المصري والإيطالي برمي ميداليات تخلد الذكرى فى ودائع الأساس حين تم النقل.
بيان وزارة السياحة والآثار
وأعلن المجلس الأعلى للآثار في حي وسط الإسكندرية، على العثور على كبسولة رصاصية أودعت ضمن أساسات إحدى الفيلات، عثر بداخلها على مجموعة نادرة ومتنوعة من العملات المصرية التي تعود إلى عهدي السلطان حسين كامل والملك فؤاد الأول.
كما عثر بداخلها على ثلاث عشرة قطعة نقدية من فئات مختلفة، تراوحت ما بين المليمات والعملات الذهبية من فئة 100 قرش.
كما تضم المجموعة عملات صغيرة من عهد الملك فؤاد الأول، وعملة نادرة من فئة قرشان للسلطان حسين كامل، بالإضافة إلى عملات فضية من فئات 5، 10، 20 قرش وثلاث عملات ذهبية من فئات 20، 50، 100 قرش للملك فؤاد الأول، والتي تعد من أندر الإصدارات في تاريخ المسكوكات المصرية الحديثة.
وأشار شريف فتحي وزير السياحة والآثار إلى أن هذا الاكتشاف يمثل حلقة مهمة في تاريخ الإسكندرية، إذ يعكس غنى تراثها الحضاري وتنوع مكوناته، بما في ذلك إسهامات الجاليات الأجنبية التي ساهمت في صياغة هوية المدينة الكوزموبوليتانية.
وأكد الدكتور محمد إسماعيل خالد الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، على أن هذا الكشف يمثل حلقة وصل مهمة بين الطبقات التاريخية لمدينة الإسكندرية منذ العصر الهلينستي والروماني حتى الوجود الحديث للجاليات الأجنبية.
وأضاف أن هذا الكشف يعكس مكانة الجالية اليونانية وإسهاماتها في النسيج الحضاري للمدينة، بما في ذلك الحفاظ على طقوسها وموروثاتها الثقافية التي امتزجت بالبيئة المصرية.
كما يشير إلى عادة تاريخية شائعة في وضع ودائع تأسيس داخل المباني الجديدة لضمان البركة والرخاء، والتي لها جذور عميقة في التراثين اليوناني والمصري القديم.
وأوضح محمد عبد البديع رئيس قطاع الآثار المصرية، أن الفيلا التي وُجدت بها الكبسولة تقع ضمن ممتلكات عائلة سلفاغو، إحدى أبرز العائلات اليونانية في الإسكندرية، والتي لعبت دورًا محوريًا في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالمدينة في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين.
كما احتوت الكبسولة على وثيقة مكتوبة باللغة اليونانية على الآلة الكاتبة، ملحقة بتوقيعات يدوية ودعوات، تشير إلى وضع حجر الأساس للفيلا في الأول من مايو 1937 على يد قسطنطين م. سلفاغو، بدعم من والدته جوليا ك. سلفاغو، وتحت إشراف المعماري الفرنسي جان والتر، في إشارة إلى الطقوس الثقافية والدينية للجالية اليونانية في توثيق لحظات تأسيس منازلهم.
ويأتي هذا الكشف في إطار حرص الوزارة على تسجيل وتوثيق كافة عناصر التراث المادي بمختلف فتراته، وإبراز إسهامات جميع مكونات المجتمع المصري تاريخيًا، بما فيها الجاليات التي أسهمت في تشكيل هوية الإسكندرية كمدينة كوزموبوليتانية.
ومن المقرر أن يتم عرض العملات المكتشفة ضمن معرض خاص في المتحف اليوناني الروماني بالإسكندرية، لتكون شاهدًا حيًا على هذا الفصل الفريد من تاريخ المدينة.