الخلافات الزوجية جزء من أي زواج في كل زمان ومكان؛ فلا وجود في الواقع لحياة وردية تمتلئ بالتفاهم والتوافق في كل شيء طوال الوقت.
فلا بد أن يختلف الزوجان أحيانًا على بعض الأمور، فلا يوجد اثنان مهما تشابه تفكيرهما يتطابقان في كل الآراء.
المهم: كيف يتعاملان مع الخلافات؟ هل يتشبثان بالاحترام المتبادل وهو "أوكسجين الزواج الناجح"، أم لا؟ هل يبحثان عن اتفاق يرضي الطرفين؟ أم يسعى كل منهما لفرض وجهة نظره بالقوة أو بالتهديد أو بالخصام؟ هل يحوِّلان الخلاف إلى صراع؟
والأسوأ: هل يتحدثان عن الخلاف للأبناء؟ ويحاول كل طرف استمالتهم إلى رأيه، ويتحدث عنه بالسوء ويسفّه تفكيره، وهو ما نراه كثيرًا -مع الأسف- ويلقي بظلاله السيئة على الأسرة كلها. فيتحول خلاف "يمكن" احتواؤه ببعض من المرونة المتبادلة.
ونقول مرونة "متبادلة"، ولم نقل تنازلًا من طرف أو من الطرفين، فالتنازل يتوقع من يقدمه من الطرف الآخر التقدير، والأهم أنه "ينتظر" المقابل ولو في صورة امتنان وربما تجاوز عن أخطاء يفعلها.
وغالبًا لا يحصل عليه، ليس لأن الطرف الآخر سيئ؛ ولكن لأنه يرى أن الزواج الناجح يتطلب مرونة، والتي يجب أن تكون متبادلة حتى لا يراها طرف وكأنها "حق" له يجب على شريكه في الزواج أن يفعله كواجب، وإن لم يفعله يكن مخطئًا ويجب اتخاذ موقف منه لردعه.
بعد أي خلاف زوجي يشعر الطرفان بالاستياء الطبيعي، ومن الخطأ "السماح" بتحوُّله إلى غضب وكأن الخلاف مساس بالكرامة أو تقليل من الاحترام.
والأسوأ ما نراه من تحريض الأبناء على عدم احترام الطرف الآخر وتسفيه تفكيره والتقليل من شأنه، وذكر تفاصيل خاصة لا يجوز أن يعرفها الأبناء والبنات دون ذكر ما يقابلها من أخطاء من الطرف الذي يحكي في حق شريكه في الزواج، وتصوير نفسه "بالرائع الذكي المضحي" لإنجاح الزواج وللحفاظ على الأسرة، والطرف الآخر وكأنه "الشرير" وربما الأحمق.
مما يقلل من احترام الأبناء له، ويجعلهم يسيئون التعامل معه، ويرتكبون "خطيئة" العقوق دون أن يدروا، ويرون نصائحه خاطئة دون التفكير فيها.
وسيفعلون ذلك مع الطرف الذي يحرض ولو بعد حين.
لا بد من إظهار الاحترام للطرف الآخر أمام الأبناء والبنات مهما اشتدت الخلافات بين الزوجين، والحرص ألّا يعرف الأبناء التفاصيل، والتأكيد أن الخلافات الزوجية أمر طبيعي وأنها "مؤقتة" وستتم معالجتها بالمودة والرحمة وبالهدوء وبالتوافق، وليس بمحاولة كسر الطرف الآخر والانتصار عليه، فالزواج ليس ساحة مصارعة ينتصر فيها الأقوى أو من يتمكن من مهاجمة الطرف الآخر في مكامن ضعفه.
المؤسف أن تحريض الأبناء على شريك الحياة قد يجعلهم يتصرفون بلؤم وأحيانًا يتسببون في اشتعال الخلافات ومضاعفتها بالانحياز لطرف ضد الآخر؛ ليس لأنه على حق، ولكن لأنه الطرف الذي يلبي لهم رغباتهم أو لا يعاقبهم عند الخطأ، فيتم تمزيق علاقة الأبناء بالطرف الآخر مما يضر بتماسك الأسرة ويهدد بالتفكك الأسري وعواقبه المؤلمة، وقد تنقسم الأسرة إلى "معسكرين" كل معسكر يتبنى وجهة نظر أحد الزوجين ويدافع عنها، وتسوء علاقة الأبناء ببعضهم البعض أيضًا.
كما يلجأ بعض الأبناء والبنات إلى اختيار النفاق للتعامل مع الطرف المخطئ من الوالدين إن كان هو صاحب القرار في البيت لتسهيل الحصول على موافقته في أمورهم.
ويحدث أحيانًا الشعور بالتمزق بين محاولة إرضاء الوالدين في نفس الوقت، وقد يلجأ الأبناء والبنات أكثر إلى الحديث عن مشاكل الوالدين للأصدقاء، وتكثر النصائح الخاطئة والضارة لقلة الخبرة وأحيانًا للمجاملة وكثيرًا "للتحيز" ضد الجنس الآخر، ويصبحون مادة للقيل والقال.
كما يحدث تشويه لمفهوم الزواج ولأهمية الاحترام المتبادل بين الزوجين وطرد العناد والتحفُّز، فلا شيء يفسد الزواج مثلهما بينما "اختيار" الود والصداقة يسهل إنهاء الخلافات بلا خسائر.
المؤسف أن الأبناء قد يصبحون من ضعاف الشخصية بعد الزواج ويقررون التنازل عن حقوقهم منعًا للمشاكل!!
وأن البنات قد تلجأن إلى العنف مع الأزواج من قبيل أن "الهجوم أحسن وسيلة للدفاع"!!
وتحدث خسائر بالجملة لجميع الأطراف؛ فتحويل الخلافات الزوجية إلى صراعات يضر بكل تفاصيل العلاقات بين الزوجين، ويؤدي إلى "تآكُل" الرغبة في التفاهم وتزيد القابلية لتصعيد أي خلاف عابر.
وقد يهرب الأبناء والبنات من توابع خلافات الوالدين إلى البحث عن الحب خارج البيت، "ويتورطون" في علاقات عاطفية مبكرة توقعهم في مشاكل قاسية تفقدهم الثقة في أنفسهم وفي الجنس الآخر.
وبالإمكان منع كل ذلك بالتزام الزوجين الهدوء -ولو بتمثيله- عند الخلافات الزوجية، وتذكير النفس بخلافات سابقة تم حلها، وبأن الطرف الآخر لا يقصد الإساءة أو مضايقته وأن كل الأمور يمكن حلها مع توافر النية الطيبة.
والتحكم في اللسان عند الخلاف "ومنعِه" من قول كلمات مسيئة، والحفاظ على الخصوصية فلا يخبران الأهل ولا الأصدقاء لإغلاق أبواب التحريض مع الحرص على "حماية" الأبناء والبنات في كل الأعمار وعدم تصدير الشحنات السلبية عن الشريك في الحياة لهم؛ للحفاظ على صحتهم النفسية والعاطفية.