أستاذ علم الاجتماع يؤكد: أعداد جرائم الشباب تراجعت لكنها أصبحت أكثر وحشية
موضوعات مقترحة
63.5% يؤيدون التعارف والزواج "الأونلاين
مهما تغيرت الظروف والأحوال.. تظل هناك منظومة واضحة للقيم والأخلاق يمكن قياس القضايا المجتمعية من خلالها، وتتزايد أهميتها مع تسارع التحولات التكنولوجية وتغير أفكار الشباب عما كانت عليه منذ سنوات، خاصة مع ضرورة أن ترتبط قراءة "قاموس القيم" لدى الجيل الجديد بأسلوب علمي وواقعي مدعم بالبيانات، وفي هذا الحوار، يفتح لنا الدكتور وليد رشاد- أستاذ علم الاجتماع ومدير البرنامج الدائم لبحوث الشباب بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية- صفحات من دراساته ومشاهداته الميدانية، في محاولة لفك طلاسم تحولات أنماط التفكير والسلوك لدى شباب 2025.
إذا أردنا تعريف "قاموس القيم" لدى الشباب اليوم، ما المفاهيم التى ستحتل الصفحة الأولى منه؟
لا يمكننا وضع قيم الشباب جميعها في سلة واحدة، لكن هناك بعض الثقافات التي أصبحت مرتبطة بقاموس الشباب اليوم، أبرزها الاتجاه نحو "ثقافة الاستهلاك" والبحث عن المظهرية والرغبة في الكسب السريع بأقل مجهود؛ ساعد فى ذلك انتشار وسائل التواصل الاجتماعي التى أصلت لفكرة التقليد بين الشباب فالتكنولوجيا بطبيعتها تعنى الاستهلاك.
أيضاً أصبحت "ثقافة الديليفرى" وثقافة "التيك أواى" أسلوب حياة للشباب، لذلك يتميز الجيل الحالى بالسرعة وقلة الدقة فيما يتعلق بالمهام الموكلة إليه. على الجانب الآخر هناك بعض القيم الإيجابية التى ظهرت، منها ثقافة ريادة الأعمال، ورغبة الشباب فى تأسيس المشروعات الخاصة بهم بعيداً عن الاعتماد على الجهات الحكومية أو حتى المؤسسات الخاصة.
هل تغير مفهوم النجاح لدى الشباب عن جيل الآباء؟
هذا المفهوم أصبح مرتبطاً اليوم بـ "الترند" وبكونه محط أنظار الآخرين، فكلما نجح فى الحصول على نسبة إعجابات ومشاركات أكثر على صفحات "السوشيال ميديا" ارتفعت نسبة الرضا عن ذاته، أيضاً بات النجاح له بعد مادى أكثر من كونه روحى أو معنوى، فلم يعد النجاح مرتبط بالحصول على شهادة معينة ولكن أصبح يعنى كم أملك من الأموال؟!
أما من ناحية العلاقات، فأصبح الشاب يقيس نجاحه اجتماعيا بقوة علاقاته الافتراضية وليس بقوة علاقاته الواقعية، فقدرة الشاب على الانغماس والتشابك الاجتماعى أصبحت أقوى خلال العالم الرقمى.
الحرية كلمة مركزية فى قاموس الجيل الحالى، هل يشعر جيل الشباب حاليا باستقلالية أعلى؟
الحرية أمر نسبى، لكن انتشار التكنولوجيا أعطى الشباب مساحة من الاستقلالية أعلى بدءاً من كون له جهاز خاص و"باسوورد" خاص و"أكونت" خاص، كل هذا أدى بشكل غير مباشر للابتعاد عما يسمى بالسلطة الوالدية، لذا يجد بعض الآباء صعوبة فى التوجيه أو السيطرة المباشرة على الأبناء، والعلاقة الناجحة بين الأب والابن الآن أصبحت تأخذ شكل الصداقة بعيداً عن الرقابة الوالدية المتعارف عليها. وبالمناسبة بعض الشباب يحسن استخدام تلك الحرية التى تتيحها التكنولوجيات الحديثة، سواء بتحقيق تريندات إيجابية أو التسويق للذات أو تحقيق مكاسب ترويجية لمنتجات وخدمات يستطيع من خلالها الشاب الانتشار والوصول لقاعدة جماهيرية عريضة.
وماذا عن مفهوم الأسرة نفسه لدى الشباب حاليا؟
تغير كذلك، واتجه بعض الشباب إلى التعارف والزواج "الأونلاين" من خلال صفحات وتطبيقات الزواج، وقام مركز البحوث الاجتماعية والجنائية بإجراء دراسة موسعة لاستطلاع آراء عينة من المجتمع المصرى تجاه فكرة الزواج الأونلاين، وكانت أعلى الاستجابات تتجه إلى اختيار تلك الطريقة فقط لإعجابهم بهذا الأسلوب من التعارف (63.5 %)، وأشار البعض الآخر إلى أن تلك الطريقة توفر شريكا للحياة تتوافر فيه الطموحات الخاصة المرغوبة(20 %)، بينما أشار(10 %) من عينة البحث إلى أن ارتفاع السن دفعهم إلى اللجوء لتلك الطريقة لإيجاد شريك الحياة. الغريب أن معظم الحالات أشارت إلى إخفاء هذه الطريقة- للتعارف- عن الأهل.
لماذا تتقدم مصر ترتيب الدول الأعلى فى نسب الطلاق؟
قمنا بدراسة ظاهرة الطلاق المبكر، ووجدنا أن الأسباب الرئيسية وراء تلك الظاهرة يمكن تصنيفها إلى ثلاثة محاور رئيسية، عوامل ثقافية مرتبطة بسوء الاختيار أو عدم الدقة فى اختيار الشريك المناسب. وعوامل اجتماعية مرتبطة بعدم قبول الأهل لفكرة ارتباط الابن أو الابنة بالطرف الآخر، مما أدى لزيادة الصراعات وعدم دعم الأهل لفكرة استمرارية زواج الطرفين. وعوامل أخرى اقتصادية مرتبطة بالضغوط الاقتصادية وعدم القدرة على الإنفاق وارتفاع مصاريف المعيشة.
هل تغير شكل الجريمة التى ترتكب من وضد الشباب فى 2025؟
قمت بالإشراف مؤخراً على بحث تم تنفيذه على مجتمع الضحايا بعنوان "الجرائم البارزة فى المجتمع المصرى"، توصلنا خلال نتائجه إلى الانخفاض الكمى لنسبة الجرائم التى ترتكب من جانب الشباب بمعنى انخفاض أعداد الجرائم المرتكبة، لكن فى المقابل ارتفعت درجة بشاعة أسلوب وكيفية تلك الجرائم لتصل الكثير منها لحد جرائم الرأى العام. وبعد دراسة عدد كبير من الجرائم المرتكبة توصلنا إلى أن دوافع الشباب نحو تنفيذ مثل تلك الجرائم العنيفة تتلخص فيما يلى: أولاً: وهن العلاقات الاجتماعية، حيث أثرت الحياة الافتراضية على قوة العلاقات الإنسانية، ثانياً: ضعف البنية النفسية للشباب، أو ما يعرف بـ"الهشاشة النفسية" وهى إحدى آثار الانشغال بالعالم الافتراضى، ثالثاً: بعض جرائم القتل تم ارتكابها دون وعى بسبب تعاطى المخدرات.
وهنا نحذر من الأنشطة الرقمية الروتينية اليومية التى يمكن أن تقود الشباب إلى العنف والجريمة، فكثير من الشباب يبدأ فى عالم "الدارك ويب" من باب الفضول والتعرف على عالم مجهول ملىء بالأشياء المثيرة، لكنه سرعان ما ينزلق إلى ساحة الجريمة والعنف والتجارة غير المشروعة بأشكالها المختلفة.
وكيف ترى ظاهرة "ترند العنف" التى يفتعلها البعض من أجل المكسب عبر وسائل التواصل الاجتماعى؟
نعم هذا ما يمكن أن نسميه "الاستثمار فى العنف" وهو عنف مفتعل من أجل المكسب والشهرة وتحقيق الترند، مثل ضرب زوج لزوجته وهو فى الواقع مشهد تمثيلى، أو افتعال مشكلة فى مكان عام وغيرها، وصنفناه ضمن أشكال العنف المستحدثة، لذا يجب أن نعى جيداً أنه ليس كل ما نشاهده هو حقيقى فى الواقع.
وماذا عن التداعيات الاجتماعية للانتشار السريع لأدوات الذكاء الاصطناعى واستخدام الشباب له فى مختلف أنشطته اليومية؟
من ناحية خَلَق الذكاء الاصطناعى فرصاً جديدة للعمل والمعرفة، لكنه فى ذات الوقت خلق مخاطر تتعلق باستسهال الحصول على المعلومات والثقة المجردة فى تلك المعلومات، والأخطر أنه أثر سلباً على "المؤانسة الاجتماعية"، بعد إتاحته التواصل والحديث مع البشر فى كل شىء وهذا يمثل خطراً اجتماعياً أكثر تأثيراً من التفاعلات الافتراضية التى تتم عبر وسائل التواصل بل ويعتبر أخطر تأثيرات الذكاء الاصطناعى من الناحية الاجتماعية.
د.وليد رشاد مع الدكتورة إيناس يس
أخيراً، ما الدور الذى يقوم به المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية تجاه قضايا الشباب؟ وكيف يمكن تفعيل توصيات أبحاثه؟
لدينا داخل المركز برنامج كامل لدراسة قضايا الشباب أقوم بالإشراف عليه، ونقوم حالياً بإعداد خريطة متكاملة لشباب مصر بمختلف فئاتهم النوعية ورصد لأوضاعهم على مختلف الأصعدة على مستوى جمهورية مصر العربية، كذلك لدينا كراسات بحوث الشباب لدراسة الخصائص الجيلية لكل فئة من فئات الشباب، وتسليط الضوء على النماذج الملهمة. هذا بالإضافة للندوات التثقيفية التى ينظمها المركز بهدف فهم قضايا الشباب فى ضوء الأحوال المجتمعية وفى ضوء الحالة النفسية للشباب؛ من أجل تقديم سياسات واقعية لمواجهة تحديات الشباب فى مصر. ونحرص على عقد بروتوكولات مع الجهات التنفيذية لرسم بوصلة للاستفادة من نتائج بحوث المركز وتطبيقها على أرض الواقع.