ما شهده العالم من انطلاق مسيرة السلام من مدينة شرم الشيخ بإعلان إيقاف الحرب في غزة وبدء استكمال خطة ترامب للسلام لم يكن حصيلة أيام معدودة بدأت مع إعلان الخطة الأمريكية. على مدار عامين كاملين، استمرت معارك غير معلنة. تصادمات في الأفكار والرؤى.. حملات تخوين وتشويه.. أهداف متعارضة.. هجوم ودفاع. كل فريق يجاهد لفرض رؤيته.
الصراع والصدامات لم تكن بين أفراد، ولكنها كانت بين إرادات دول. كل أنواع الضغوط واستعراض القوة تم استخدامها. الأغلبية كانت تراهن على أن الكنانة سوف تستكين، وأنها لن تصمد طويلًا، لأنها تواجه المخاطر على كل حدودها مع دول الجوار. وعلى الرغم من أنها كانت أكثر دولة تعاني وتكتوي بالنيران سواء من الخصوم أو الأصدقاء، إلا أنها تحلَّت بصبر، وجَلد، وإصرار صلد. لم تتحرك مصر في معركتها لنصرة فلسطين من دائرة رد الفعل، وإنما كان خيارها واضحًا ومحددًا أعلنه الرئيس السيسي: "التهجير خط أحمر".
بعيدًا عن الأضواء، عمل رجال مخلصون في المخابرات العامة، ووزارة الخارجية، والقوات المسلحة، وغيرها من الأجهزة. جميع الاحتمالات تم وضع سيناريوهات دقيقة للتعامل معها. المهمة لم تكن سهلة، أو يسيرة، بل كانت أقرب إلى المستحيل. أبطال الأجهزة والمؤسسات المصرية لم يكن لديهم إلا خيار وحيد هو إنجاز المهمة بنجاح.
قمة شرم الشيخ للسلام هي بداية الحصاد لعمل مُضنٍ، ويخطئ من يظن أنها نهاية المشوار. ما تحقق خطوة لا يُستهان بها تليها خطوات أخرى على الطريق قطعتها مصر بالتوازي استباقًا، واستعدادًا لتنفيذها في الوقت المستهدف. نتائج القمة يمكن تلخيص أهمها في اعتراف على أرض الواقع لا يقبل التشكيك بأن الدولة المصرية أقوى مما يظن البعض، وأن قيادتها وأجهزتها لها على الأرض بالمنطقة ما لا يستطيع أحد بلوغه، أو القفز عليه. الرؤية المصرية الأمينة أقرَّ بها الجميع، واتفقت الأطراف عليها.
خطة إعمار غزة التي تُقدَّر تكلفتها بأكثر من خمسين مليار دولار، وأعلن الرئيس السيسي انطلاقها بمؤتمر إعادة الإعمار الذي سوف تنظمه وتستضيفه مصر الشهر المقبل خطوة أخرى، وهدف ضمن الرؤية المصرية لإعادة الحياة الطبيعية إلى أهالي غزة. كذلك التجهيز لحفظ الأمن بواسطة قوات شرطة فلسطينية بدأت مصر في إعدادهم وتأهيلهم منذ شهور. كل ما يحدث يُبرهن على أن التعامل المصري مع هذا الملف الشائك بدأ مبكرًا، ومن ثم فإن الأيام القادمة بما تحمله من مصاعب وتحديات لن يكون في أغلب الظن مفاجئًا للدولة المصرية.
الآن ومع تواري وانزواء بوم الخراب ودعاة التخوين، يحق لكل مصري أن يفخر بقيمة وطنه العزيز وبدوره المحوري الذي يمثل إكسير الحياة لمنطقة الشرق الأوسط. عظمة مصر ليست وليدة الصدفة أو هبة من أحد، هي منحة من الله وأمانة يقوم عليها شرفاء مخلصون.