«الشباب» تجيب عن السؤال: من يقف وراء مافيا بلوجرز التيك توك؟

16-10-2025 | 14:03
;الشباب; تجيب عن السؤال من يقف وراء مافيا بلوجرز التيك توك؟صورة تعبيرية
أروى سامح
الشباب نقلاً عن

"شبكة مصالح"، تستغل ثغرات الفضاء الرقمى من أجل تمرير أموال مشبوهة وإفساد القيم وتزييف الوعى

موضوعات مقترحة
اللواء أحمد طاهر: البلوجر مجرد مؤدى وواجهة.. بينما يدير المشهد صاحب المال والوكالات والسمسار

تحولت منصات التواصل الاجتماعي في مصر إلى ساحة مفتوحة يختلط فيها الإبداع بالفوضى، والشهرة السريعة بالاتهامات الثقيلة التي تصل لجرائم غسل الأموال والاتجار بالبشر ونشر محتوى خادش للحياء، ولم يعد الأمر مقتصرًا على "ترند" لحظي أو مقطع عابر، بل باتت بعض الحسابات واجهة لمنظمات مالية مشبوهة تستغل ثغرات هذه المنصات الرقمية.

فوضى السوشيال ميديا
شكلت قضايا البلوجرز نقطة التحول الحقيقية في تعامل الدولة مع الفوضى الرقمية فمع كل حالة ضبط، كانت تتكشف أبعاد جديدة لظاهرة استغلت ثغرات المنصات، وهددت بشكل مباشر قيم المجتمع وأمنه الأخلاقي، مثلاً "أم سجدة" ألقي القبض عليها بعد نشرها مقاطع مرئية خادشة للحياء، واستمرت النيابة في حبسها 15 يومًا على ذمة التحقيقات، والقضية لم تكن مجرد تجاوز لفظي، بل نموذج على كيف يمكن أن يُستغل المحتوى الرخيص لتحقيق أرباح سريعة عبر المشاهدات، بينما "ليلى الشبح" جاءت واقعتها أكثر خطورة، إذ ظهرت في بث مباشر تتهم شخصيات عامة باتهامات غير موثقة، ما دفع الأجهزة الأمنية للتدخل الفوري، والقضية سلطت الضوء على خطورة تحويل المنصات إلى ساحات للتشهير والإساءة، بعيدًا عن أي ضوابط مهنية أو قانونية، وتم القبض علي "علياء قمرون" بعد نشرها مقاطع وصفت بـ"الإباحية"، لم تجنِ من ورائها سوى زيادة المشاهدات على حساب القيم والتقاليد.. اعترافها خلال التحقيق بأنها كانت تسعى وراء الانتشار والربح السريع، وهذه القضايا وغيرها لم تمر مرور الكرام، بل خلقت جدلًا واسعًا على السوشيال ميديا. فبينما اعتبرها البعض تضييقًا على حرية التعبير، رأى أغلب المتابعين أنها خطوة ضرورية لحماية المجتمع من الانحدار الأخلاقي وهو ما أكده النائب أحمد بدوي، مشددًا على أن ما يُبث عبر هذه الحسابات يهدد الأسرة المصرية ويقوض قيمها الأساسية.


شبكة مصالح تدير اللعبة
اللواء أحمد طاهر، الخبير الأمني المتخصص في التحليل الجنائي والقضايا الإلكترونية، أوضح أن ما يحدث على منصات التواصل الاجتماعي لا يمكن النظر إليه باعتباره محاولات فردية معزولة، بل هو انعكاس لوجود منظومة متكاملة، أشبه بـ"شبكة مصالح"، تستغل ثغرات الفضاء الرقمي من أجل تمرير أموال مشبوهة أو مموّهة، بما يؤدي في النهاية إلى إفساد القيم المجتمعية وتزييف وعي الشباب.
وكشف طاهر أن هذه المنظومة لا تعمل بشكل عشوائي، بل تُدار عبر أربعة أطراف مترابطة، لكل منها دور محدد، الطرف الأول هو صاحب المال، وهو الممول الذي يسعى إما لغسل أموال ناتجة عن أنشطة غير مشروعة، أو لضخ "أموال مشوّهة" تستهدف بشكل مباشر تدمير الوعي العام، والطرف الثاني يتمثل في الوكالات، التي تضفي شرعية شكلية على المؤثرين وتمنحهم زخمًا مصطنعًا، من خلال تضخيم أرقام المشاهدات والمتابعات، وخلق صورة وهمية عن جماهيرية هؤلاء الأشخاص، أما الطرف الثالث فهو السمسار الإلكتروني، الوسيط الذي يشرف على تدفق الأموال بين الممول والوكالات والبلوجرز، ويراقب عمليات الدفع والتحويلات لضمان استمرار المنظومة، والطرف الرابع هو المؤدي أو البلوجر، الذي يظهر أمام الجمهور باستعراضات وثراء سريع، بينما يظل مجرد أداة داخل المخطط، بلا سيطرة حقيقية على ما يحدث.


المنصات الرقمية.. الشريك الصامت
يضيف اللواء أحمد طاهر أن هذه المنظومة لا تكتمل إلا بوجود المنصات نفسها، مثل "تيك توك"، التي تحقق أرباحًا ضخمة من العمولات والهدايا الرقمية، بغض النظر عن مصادر الأموال وبذلك تصبح المنصة شريكًا غير مباشر في تمرير الأموال المشبوهة، مكتفية بالمكاسب المالية دون النظر إلى التداعيات الاجتماعية والثقافية، وهو ما يجعل العملية برمتها أقرب إلى غسل أموال بالمعنى التقليدي.
وبحسب طاهر، فإن خطورة هذه الظاهرة أنها ليست جريمة واحدة، بل حزمة من الجرائم المتشابكة، فهي جريمة مالية تتعلق بغسل الأموال عبر قنوات وهمية يصعب تتبعها، وجريمة اجتماعية مرتبطة بتزييف وعي الشباب وإيهامهم بأن النجاح يقترن بالمظاهر السطحية، وجريمة ثقافية خطيرة تتمثل في هدم منظومة القيم وإحلال بدائل هشة قائمة على الاستعراض الفارغ مكان قيم العمل والاجتهاد.
ويؤكد طاهر أن مواجهة هذه الشبكات تتطلب تعاونًا شاملاً بين الأجهزة الأمنية، والجهات التشريعية، والمؤسسات الإعلامية، من أجل حماية المجتمع من هذا النوع الجديد من الجرائم المركبة، التي تتخفى وراء ستار "المحتوى الرقمي" و"الترفيه الافتراضي".


سيناريوهات القانون
وقد سبق أن أوضح النائب أحمد بدوي، رئيس لجنة الاتصالات بمجلس النواب، أنه "منذ ثلاث سنوات ونحن نحذر من هذه الظاهرة، الهدف الأساسي هو استغلال المنصات في غسل أموال بطريقة ممنهجة ومخطط لها، والتحقيقات مستمرة وقد تكشف عن مفاجآت جديدة فالقضية تتجاوز مجرد "فيديوهات مسيئة" إلى كونها جريمة مالية واجتماعية مركبة وأضاف أن أجهزة الدولة نجحت في ضبط متهمين بحوزتهم مواد مخدرة وأجهزة اتصالات مخالفة، ما يثبت أن هذه الحسابات ليست مجرد تسلية بل جزء من شبكات أكبر، والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام يدعم حرية التعبير والإبداع، لكن عندما يتحول المحتوى إلى مخالفات تهدد المجتمع، فالقانون هو الفيصل".
وأشار إلى أن دولا عدة أغلقت تطبيقات بسبب المحتوى المسيئ، وأن مصر لن تسمح باستمرار هذا العبث على أراضيها ومنها جاء الطرح لنفتح النقاش حول معادلة دقيقة: كيف نوازن بين الإبداع والحرية من جهة، وحماية قيم المجتمع من جهة أخرى؟
وأوضح بدوي أن حملات التطهير أسفرت عن حذف أكثر من 2.8 مليون فيديو مخالف على "تيك توك"، وأن الفترة المقبلة ستشهد تشديدًا للرقابة حماية للأسرة المصرية، خاصة النساء والأطفال وأضاف أن هناك تعاونًا بين الدولة والشركات المالكة للتطبيقات، بهدف فرض ضوابط واضحة على المحتوى، مشيراً إلى أن البلوجرز مسئولون عن نشاطهم المالي، وأن هناك رقابة دقيقة على حركة الأموال لضمان عدم استغلالها في غسل الأموال أو تمويل أنشطة غير قانونية فالقانون المصري، كما شدد، صارم في هذا الشأن، وأي تجاوز سيقود إلى المساءلة القانونية إلى جانب الرقابة، تسعى الدولة إلى دمج الاقتصاد الرقمي في المنظومة الرسمية عبر فرض الضرائب على أرباح صناع المحتوى. وهو ما يمثل خطوة مزدوجة: تضييق الخناق على الأموال المشبوهة، وضمان عدالة ضريبية مع باقي الأنشطة الاقتصادية 


بوابة الأمل
وسط هذا المشهد القاتم، يظل هناك جانب مضيء يمثله المئات من أصحاب المحتوي الهادف المحترم، منهم مثلاً البلوجر الفلسطيني أنس مطر الذي يقدم نموذجًا إيجابيًا لكيفية توظيف المنصات الرقمية في خدمة القضايا العادلة عبر فيديوهاته، فهو يوثق أحداث فلسطين، ويستخدم منصاته للتوعية بالقضية الفلسطينية، مثبتًا أن السوشيال ميديا يمكن أن تكون سلاحًا للوعي لا للفوضى.
قصة أنس مطر تؤكد أن البلوجرز ليسوا جميعًا جزءًا من المشكلة بل يمكن أن يكونوا جزءًا من الحل إذا استخدموا منصاتهم بوعي ومسئولية.. هذا النموذج يفتح الباب للتفكير في كيفية دعم صناع المحتوى الهادف، بدلًا من ترك الساحة للمحتوى الهابط أو المشبوه.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة