لم ينتظر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي غادر القاهرة أمس الأول، ليصل إلى واشنطن أمس الثلاثاء، لكي يعود إلى مداره وقناعاته، ليعلن مجددًا ومؤكدًا عن مساره وأولوياته بأهمية أمن ومستقبل الكيان الصهيوني أولًا وثانيًا وعاشرًا..
فلم تكد تمر سوى ساعات معدودة على توقيع ترامب مع 3 رؤساء دول أمام العالم، بشرم الشيخ، على التزامه بالسلام الدائم، موقعًا على نص يقول: "نلتزم لأنفسنا وللعالم بمستقبل يسوده السلام الدائم.. دونالد ترامب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر العربية، الأمير تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر، والرئيس رجب طيب أردوغان رئيس جمهورية تركيا.
هذا الرئيس واضح ومحدد، فقد قال خلال كلمته أمام الكنيست الإسرائيلي: "إسرائيل أولًا، وأمنها لا يقل أهمية عن أمن الولايات المتحدة، بايدن وأوباما أسوأ رؤساء مروا على البيت الأبيض، الهدف الأهم مستقبلًا هو التطبيع وإعادة الاهتمام بالاتفاقيات الإبراهيمية".
في السياق نفسه، نشر البيت الأبيض نص ما تم التوقيع عليه من 4 رؤساء يوم الإثنين الماضي، فهي مجرد "مذكرة رئاسية - presidential memorandum"، وهي نوع من التوجيهات التي يصدرها رئيس الولايات المتحدة لإدارة وحُكم تصرفات وممارسات وسياسات الإدارات والوكالات المختلفة الواقعة تحت السلطة التنفيذية لحكومة الولايات المتحدة.
وبالرغم من أن المذكرة الرئاسية تقع تحت مظلة الإدارة الأمريكية داخل الولايات المتحدة، فإنها لا تتضمن أي تعهدات أو حقوق أو حريات للفلسطينيين أو ضمانات أمنية بعدم تجدد الحرب والإبادة بعد تسليم الرهائن، ولم تذكر الانسحاب الإسرائيلي، الكامل أو الجزئي، وجدوله الزمني من قطاع غزة، أو مصير المقاومة.
ولعل نشر نص ترجمة "موقع البيت الأبيض" لنص المذكرة، يزيد الأمر توضيحًا، فقد جاء بالموقع:
"إعلان ترامب من أجل السلام والازدهار الدائم، مذكرة رئاسية 13 أكتوبر 2025..
نحن، الموقّعون أدناه، نرحّب بالالتزام التاريخي الحقيقي وتنفيذ جميع الأطراف لاتفاقية ترامب للسلام، التي أنهت أكثر من عامين من المعاناة العميقة والخسائر الفادحة — لتفتح فصلًا جديدًا للمنطقة عنوانه الأمل والأمن والرؤية المشتركة للسلام والازدهار..
نحن نؤيد ونقف خلف الجهود الصادقة التي بذلها الرئيس ترامب لإنهاء الحرب في غزة وتحقيق سلام دائم في الشرق الأوسط. وسنعمل معًا على تنفيذ هذه الاتفاقية بطريقة تضمن السلام والأمن والاستقرار والفرص لجميع شعوب المنطقة، بمن فيهم الفلسطينيون والإسرائيليون..
نُدرك أن السلام الدائم هو ذلك الذي يتمكّن فيه الفلسطينيون والإسرائيليون من الازدهار مع حماية حقوقهم الإنسانية الأساسية، وضمان أمنهم، وصون كرامتهم.
نؤكّد أن التقدّم الحقيقي يتحقق من خلال التعاون والحوار المستمر، وأن تعزيز الروابط بين الدول والشعوب يخدم المصالح الدائمة للسلام والاستقرار الإقليمي والعالمي..
نُقرّ بالأهمية التاريخية والروحية العميقة لهذه المنطقة بالنسبة للطوائف الدينية التي تمتد جذورها فيها — من بينها المسيحية والإسلام واليهودية. وسيبقى احترام هذه الروابط المقدسة وحماية مواقعها التراثية أمرًا أساسيًا في التزامنا بالتعايش السلمي..
نحن متّحدون في عزمنا على تفكيك التطرف والتشدد بجميع أشكالهما. فلا يمكن لأي مجتمع أن يزدهر حين يُطبّع العنف والعنصرية، أو حين تهدّد الأيديولوجيات المتطرفة نسيجه المدني. ونتعهّد بمعالجة الظروف التي تتيح انتشار التطرف، وتعزيز التعليم والفرص والاحترام المتبادل كأساس لتحقيق سلام دائم.
ونلتزم بحل النزاعات المستقبلية من خلال الانخراط الدبلوماسي والتفاوض بدلًا من اللجوء إلى القوة أو الصراع الطويل الأمد.. ويجب أن تكون المآسي التي شاهدناها خلال العامين الماضيين تذكيرًا عاجلًا بأن الأجيال القادمة تستحق أفضل من إخفاقات الماضي..
نطمح إلى تحقيق التسامح والكرامة وتكافؤ الفرص لكل إنسان، لضمان أن تكون هذه المنطقة مكانًا يستطيع فيه الجميع السعي نحو تحقيق طموحاتهم في سلام وأمن وازدهار اقتصادي، بغضّ النظر عن العرق أو الدين أو الأصل..
نواصل سعينا نحو رؤية شاملة للسلام والأمن والازدهار المشترك في المنطقة، تقوم على مبادئ الاحترام المتبادل والمصير المشترك..
وبهذه الروح، نُرحّب بالتقدّم الذي أُحرز في إرساء ترتيبات سلام شاملة ومستدامة في قطاع غزة، وكذلك بالعلاقات الودية والمثمرة بين إسرائيل وجيرانها الإقليميين. ونتعهّد بالعمل الجماعي لتنفيذ هذا الإرث والحفاظ عليه، وبناء المؤسسات التي ستشكّل الأساس الذي يمكن للأجيال القادمة أن تزدهر عليه معًا في سلام".
نعم، هي ليست وثيقة، وليست اتفاقًا ملزمًا لأي طرف، بل إن هذه المذكرة لم تذكر حل الدولتين.. ويتضح أن كل أهداف الكيان الصهيوني، ومعه الولايات المتحدة من لقاء شرم الشيخ الأخير هو تهدئة الرأي العام العالمي المعارض للكيان الصهيوني والمتعاطف مع القضية الفلسطينية، وأيضًا لكي يُعيد جيش الاحتلال الصهيوني ترتيب صفوفه، وإعادة تسليح وتنظيم قواته استعدادًا للجولة القادمة، فهل نحن مستعدون..!؟
[email protected]