قالت بيتيا كويفا بروكس، نائبة مدير إدارة البحوث في صندوق النقد الدولي، إن الاقتصاد العالمي يُظهر أداءً أفضل من المتوقع رغم التحديات، لكن الآفاق المستقبلية ما تزال يكتنفها الغموض نتيجة المخاطر الهيكلية والتوترات الجيوسياسية المتصاعدة.
موضوعات مقترحة
جاء ذلك في حوار خاص أجرته «بوابة الأهرام الإنجليزية – Ahram Online» مع المسؤولة الدولية، على هامش اجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين المنعقدة حاليًا في واشنطن بمشاركة مصرية، ومن المنتظر أن تختتم أعمالها السبت 18 أكتوبر.
وأضافت بروكس أن الصندوق رفع توقعاته للنمو العالمي لعام 2025 إلى 3.2%، مدفوعًا بالاستثمار المتزايد في الذكاء الاصطناعي والسياسات المالية المرنة التي تبنتها عدة اقتصادات رئيسية، لكنها حذّرت من أن تراجع قطاع العقارات في الصين والتحولات الجارية في مسارات التجارة العالمية قد تخلق رياحًا معاكسة أمام الاقتصاد العالمي.
النمو العالمي وتوقعات صندوق النقد
بوابة الأهرام الإنجليزية: كيف عدّل صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو العالمي لعام 2025 في ظل استمرار التضخم وتشديد الأوضاع المالية والانقسام الجيوسياسي؟
بروكس: قمنا بمراجعة توقعاتنا مؤخرًا، ونتوقع أن يصل معدل النمو العالمي إلى 3.2% خلال عام 2025، وهو تباطؤ طفيف مقارنة بالعام الماضي. أما في عام 2026 فمن المرجح أن يتراجع النمو إلى 3.1%.
ورغم أن الرقم الجديد أعلى بنحو 0.2 نقطة مئوية من تقديرات يوليو الماضي، فإنه لا يزال أدنى قليلًا من توقعاتنا قبل عام، أي قبل أن تظهر الصدمة الجمركية التي أثّرت على حركة التجارة.
الصورة معقدة، فالعوامل المؤثرة متعددة، من بينها التسريع في عمليات الاستيراد تحسّبًا للرسوم الجمركية، والأوضاع المالية التي لا تزال معتدلة نسبيًا، والسياسات المالية الداعمة، إضافة إلى الزخم القوي في الاستثمارات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي. كل هذه العناصر مجتمعة تشكّل المشهد الاقتصادي الحالي.
ضعف قطاع العقارات في الصين
بوابة الأهرام الإنجليزية: ما حجم المخاطر التي يشكلها تباطؤ قطاع العقارات في الصين على الأسواق الناشئة والتجارة العالمية؟
بروكس: توقعاتنا للنمو في الصين لم تتغير منذ يوليو الماضي، إذ نتوقع نموًا بنسبة 4.8% هذا العام و4.2% العام المقبل.
شهدنا أداءً قويًا خلال النصف الأول من العام، تلاه تباطؤ في النصف الثاني. وقد برزت مجددًا مؤشرات الضعف في سوق العقارات، ورغم أن السلطات الصينية اتخذت بعض الإجراءات، فإننا نرى أن السيطرة على الوضع تتطلب حزمة سياسات أكثر شمولًا،
تشمل تسهيل خروج الشركات غير القادرة على الاستمرار، وتقديم دعم مباشر للمشترين والمستثمرين في القطاع.
وبالنظر إلى ثقل الصين في الاقتصاد العالمي، فإن أي تباطؤ في نموها ستكون له انعكاسات واسعة. ومع ذلك، نحن على ثقة بأن السلطات الصينية تمتلك الأدوات اللازمة للتعامل مع هذه التحديات.
تحولات في مسارات التجارة العالمية
بوابة الأهرام الإنجليزية: كيف انعكس هذا التباطؤ على حركة التجارة العالمية؟
بروكس: شهدنا تحولات واضحة في اتجاهات التجارة. فعلى الرغم من ثبات حجم التجارة كنسبة من الناتج العالمي، فإن السبب يعود جزئيًا إلى تسريع الشركات عمليات الاستيراد قبل فرض الرسوم الجمركية الجديدة، وهو ما كان أثرًا مؤقتًا.
نلاحظ حاليًا إعادة توجيه لمسارات التجارة؛ فالصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة تراجعت، بينما ارتفعت إلى منطقة اليورو ودول رابطة آسيان. الصورة لم تتضح بالكامل بعد، ونحن نتابع هذه التحولات عن كثب.
الآثار المحتملة لإغلاق الحكومة الأمريكية
بوابة الأهرام الإنجليزية: ما التأثير المحتمل لإغلاق الحكومة الأمريكية على الاستقرار المالي العالمي وثقة المستثمرين والتنسيق الدولي؟
بروكس: نتابع هذا التطور عن كثب. الاحتمال لم يُدرج بعد في السيناريو الأساسي لتقرير آفاق الاقتصاد العالمي. من المبكر تقدير الآثار المحتملة بدقة، لكننا نأمل في التوصل إلى تسوية سياسية تضمن استمرار تمويل الحكومة الفيدرالية بالكامل.
التداعيات ستعتمد على مدة الإغلاق وطبيعته، وسنقوم بتحديث تقييمنا بمجرد اتضاح الصورة.
مخاطر الديون في الاقتصادات النامية
بوابة الأهرام الإنجليزية: ما توصيات الصندوق لمعالجة هشاشة الديون في الدول النامية في ظل ارتفاع تكلفة الاقتراض الخارجي؟
بروكس: تراكمت مخاطر الديون ليس فقط في الاقتصادات النامية، بل حتى في بعض الدول المتقدمة.
وفي حالة الاقتصادات النامية، التي تتعرض بشدة للصدمات الخارجية، فإن توصيتنا الأساسية هي تحقيق التوازن المالي من خلال تعبئة أكبر للإيرادات المحلية.
ندرك أن الحيز المالي محدود، لكن زيادة الإيرادات أمر حاسم، مع ضرورة حماية الفئات الأكثر ضعفًا خلال تنفيذ الإصلاحات.
في النهاية، النمو هو الركيزة الأساسية لتحقيق الاستدامة، ولهذا فإن الإصلاحات الهيكلية وتعزيز الحوكمة ضروريان، على أن تكون السياسات مصممة وفق ظروف كل دولة، إذ لا توجد وصفة واحدة تصلح للجميع.
آفاق المنطقة والمخاطر المستقبلية
بوابة الأهرام الإنجليزية: ما أبرز الفرص والمخاطر التي تواجه المنطقة في ظل التوترات الجيوسياسية وتقلبات أسواق الطاقة؟
بروكس: هناك عوامل إيجابية محتملة، من بينها تسارع جهود تسوية النزاعات وتطبيق الإصلاحات الهيكلية طويلة الأمد بشكل أكثر جرأة، وهو ما يمكن أن يعزز النمو بشكل كبير.
لكن على الجانب الآخر، فإن تزايد عدم اليقين في السياسات العالمية يمثل خطرًا كبيرًا، إذ يمكن أن يضعف الطلب المحلي ويقيّد تدفقات التمويل الخارجي، مما يؤثر سلبًا في النمو الإقليمي.
كما أن احتمال عودة الضغوط التضخمية عالميًا قد يرفع تكلفة التمويل، ويزيد من تعقيد المشهد الاقتصادي أمام العديد من الدول في المنطقة.
* نقلًا عن بوابة الأهرام الإنجليزية