صنع مجده بالعلم.. أحمد عبد الغفار جلهوم قصة نجاح من جامعة مصرية إلى العالمية | حوار

15-10-2025 | 15:01
صنع مجده بالعلم أحمد عبد الغفار جلهوم قصة نجاح من جامعة مصرية إلى العالمية | حوارالدكتور أحمد عبد الغفار جلهوم
حوار أجرته - فاطمة الدسوقي

أدرجت جامعة ستانفورد الأمريكية اسم 1102 عالمًا مصريًا ضمن قائمتها العالمية لأكثر العلماء تميزًا وتأثيرًا في مجالات البحث العلمي لعام 2025. وسطع اسم العالم المصري الدكتور أحمد عبد الغفار جلهوم  بين الصفوة الذين كرسوا حياتهم للبحث في مجال الاستخدام الأمن للطاقة النووية وتوظيفها لخدمة التنمية. ليؤكد أن العقل المصري قادر على اقتحام أكثر المجالات العلمية تعقيدًا وتحقيق بصمة عالمية حقيقية.

موضوعات مقترحة

 نقترب في هذا الحوار من العالم المصري الذي وضع  اسم وطنه على قوائم التميز الدولي، لنتعرف على أسرار رحلته العلمية. 

كيف كانت رحلتك منذ الدراسة الجامعية حتى الوصول إلى هذه المكانة العلمية المرموقة؟

كانت رحلتي منذ أيام الدراسة الجامعية مليئة بالتحديات، فقد بدأت بخطوات صغيرة من الشغف وحب علم الفيزياء النووية. ومع مرور سنوات الدراسة، ازدادت رغبتي واهتمامي بهذا المجال خاصة بعد أن درست مقررات الفيزياء النووية على يد أستاذي الجليل الأستاذ الدكتور إبراهيم بشطر بكلية العلوم – جامعة الزقازيق، الذي كان دائم التشجيع لي، ورأى فيَّ القدرة على تحقيق مكانة مرموقة في هذا التخصص.

لم يكن الطريق سهلًا، بل كان مليئًا بالتحديات والصعوبات، غير أن كل عائق واجهته كان حافزًا لمواصلة السعي والعمل بإصرار. بعد تخرجي في كلية العلوم – جامعة الزقازيق، تم تعييني معيدًا بالمعهد التكنولوجي بالعاشر من رمضان (الشعبة الهندسية)، وكانت تلك هي نقطة الانطلاق في مسيرتي البحثية. تواصلت حينها مع أستاذي الجليل الدكتور إبراهيم بشطر لاستكمال دراساتي العليا، وقد رحّب بالفكرة وشجعني بشدة، ووجّهني للتعاون مع العالم الجليل الأستاذ الدكتور مصطفى عزيز بهيئة الطاقة الذرية، ليشرف على أبحاث الماجستير والدكتوراه، فكان لي شرف التتلمذ على يديه ونهلت من علمه وخبرته الكثير. ثم تكللت تلك الجهود بالحصول على درجة الماجستير، تلتها درجة الدكتوراه في الفيزياء النووية، لتبدأ بعدها مرحلة جديدة من البحث العلمى.

لم أكتفِ بهذا الحد من البحث والتعليم، بل واصلت تطوير نفسي بالمشاركة في أبحاث علمية وحضور مؤتمرات دولية، والمشاركة فى تحكيم أبحاث علمية فى جميع الدوريات العلمية العالمية حتى حصلت على درجة أستاذ دكتور في الهندسة النووية، بتميز علمي نظرا لنشر أبحاثي في أرقى الدوريات العلمية العالمية. ومع كل إنجاز صغير كان يزداد الأفق اتساعًا نحو أهداف أكبر.

أسهمت في الإشراف على مشاريع بحثية وتعليمية في الجامعة الوطنية للأبحاث النووية – MEPhI، وهي من أهم الجامعات الروسية المتخصصة في الفيزياء والهندسة النووية. كما شاركت في اجتماعات الوكالة الدولية للطاقة الذرية للمساهمة في وضع مفاهيم لمفاعلات الماء الخفيف المعتمدة على الثوريوم كوقود نووي بديل، بناءً على نتائج أبحاثي في هذا المجال. كذلك أشرفت على العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه في الجامعات المصرية والدولية.

ولم يقف الأمر عند ذلك، بل امتد إلى تكوين مدرسة بحثية في علم المفاعلات النووية تضم باحثين من مختلف دول العالم. وقد تُوجت هذه المسيرة هذا العام بإدراج اسمي ضمن قائمة 2% من العلماء الأكثر تأثيرًا على مستوى العالم التي تصدرها جامعة ستانفورد الأمريكية.

هل كان حلمك الالتحاق بكلية معينة ولم تتمكن من دخولها بسبب المجموع.. وكان اختيار الله هو الأفضل حتى وصلت إلى العالمية؟ 

في الحقيقة، نعم.. كنت في البداية أحلم بالالتحاق بكلية الهندسة، لكن لم يسمح لي المجموع بذلك، وكان الأمر في وقتها صعبًا نفسيًا عليّ. ومع مرور الأيام أدركت أن اختيار الله دائمًا هو الأفضل. فالتحاقي بكلية العلوم – جامعة الزقازيق فتح أمامي الباب لعالم الفيزياء النووية، وهو المجال الذي كنت أحلم به دومًا. لم تكن مجرد دراسة عابرة أو صدفة، بل كانت بداية رحلة ما زلت أسعى فيها يومًا بعد يوم لتحقيق المزيد من النجاح والإنجازات.

ما أهم التحديات التي واجهتك في مشوارك البحثي؟ وكيف تغلبت عليها؟

أهم التحديات التي واجهتني في مشواري البحثي كانت هى اقناع محررى الدوريات العلمية بنتائج أبحاثى وما توصلت اليه من تطوير وتحديث فى أنواع الوقود النووى المستخدم واقتراح نماذج هندسية مختلفة لخلايا الوقود النووي  كان هذا مدفوع بأننا من دول ليست لديه التكنولوجيا و لا العلم الكافى لعمل مثل هذه الابحاث. كان يتم التغلب على ذلك بمناقشة النتائج وتحليلها تحليل علميا موثق بالادلة و البراهين. هذا بالاضافة الى الحاجة دوما الى تحديث أجهزة الحاسب الالى و الحصول على رخصة للاكواد الدولية المستخدمة فى الحسابات التى تجرى للابحاث.

ما اللحظة الفارقة أو المحطة الأبرز في حياتك الأكاديمية؟

المحطة الأبرز كانت عند مشاركتى في مشاريع بحثية بــ الجامعة الوطنية للأبحاث النووية – MEPhI، وكذلك المشاركة في اجتماعات الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمناقشة مفاهيم مفاعلات الماء الخفيف المعتمدة على الثوريوم كوقود بديل. هذه اللحظات أكدت لي أن جهدي لم يذهب سدى، وأنني أسهمت بالفعل في تطوير العلم على مستوى عالمي.

كيف ترى مستوى البحث العلمي في مصر مقارنة بالعالم؟

مؤخرًا حققت مصر قفزات ملحوظة في عدد الأبحاث المنشورة دوليًا، وتقدمت في ترتيبها بين دول العالم، ويرجع ذلك إلى وجود إستراتيجيات وطنية لدعم البحث العلمي. ومع ذلك، ما زلنا بحاجة إلى تشجيع الباحثين بشكل أكبر ونشر ثقافة التقدم للحصول على مشاريع بحثية ممولة تتيح لهم تطوير أفكارهم وتنفيذها بفاعلية.

إلى جانب ذلك، فإن زيادة حجم الإنفاق على البحث العلمي وتوجيهه بالشكل الأمثل بحيث يستفيد منه جميع الباحثين في مختلف التخصصات، يمثل خطوة محورية للارتقاء بمستوى البحث العلمي في مصر، والوصول به إلى مستويات تنافسية عالمية.

ما أبرز الأبحاث أو المشروعات العلمية التي كان لك بصمة واضحة فيها؟

من أبرز الأبحاث التي كان لي بصمة واضحة فيها هي الأبحاث المتعلقة بـ استخدام الثوريوم كوقود نووي بديل للوقود التقليدي في العديد من أنواع المفاعلات النووية، ومن أهمها المفاعل الروسي الجاري إنشاؤه في محطة الضبعة النووية. كما شملت أبحاثي اقتراح أنواع من الوقود المقاوم للحوادث النووية ليُستخدم في مفاعلات الجيل الثالث المطور ومفاعلات الجيل الرابع المتقدمة.
كذلك تناولت أبحاثي تصميم أنواع من الوقود القادرة على المساهمة في التخلص من النفايات النووية، حيث اقترحت نماذج هندسية مختلفة لخلايا الوقود، وأجريت حسابات دقيقة أثبتت جدواها من النواحي الاقتصادية ومن حيث الأمان النووي.
إضافة إلى ذلك، شاركت في مشروعات بحثية مع الجامعة الوطنية للأبحاث النووية – MEPhI بروسيا في مجالات تصميم وتحليل المفاعلات، كما كان لي شرف المساهمة في اجتماعات الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA) لوضع بعض المفاهيم الخاصة بمفاعلات الماء الخفيف المعتمدة على الثوريوم كوقود نووي بديل.

كيف يمكن الاستفادة من نتائج أبحاثك في الواقع العملي وخدمة المجتمع؟

في ظل التغيرات المناخية الحادة الناتجة عن الاستخدام المفرط للوقود الأحفوري، أصبحت الطاقة النووية تمثل ملاذًا آمنًا وأكثر استدامة لتوليد الطاقة الكهربائية الصديقة للبيئة. وقد تناولت أبحاثنا دراسة وتطوير العديد من أنواع المفاعلات النووية الكبيرة والمفاعلات المعيارية الصغيرة (SMRs) بهدف تعزيز إنتاج الطاقة النظيفة والآمنة.

إن تطبيق نتائج هذه الأبحاث يحقق جدوى اقتصادية وأمنية كبيرة، ويمثل خطوة مهمة نحو مستقبل طاقة أكثر استقرارًا واستدامة. كما أن استخدام الثوريوم كوقود نووي بديل يمثل تحديًا علميًا مهمًا، خاصةً أن مصر تمتلك مخزونًا وفيرًا من هذا العنصر، مما يجعل من الممكن استثماره في تحقيق اكتفاء الطاقة وتنويع مصادر الوقود النووي في المستقبل.

برأيك، ما المجالات العلمية التي تحتاج مصر إلى التركيز عليها في المرحلة المقبلة؟

هناك عدة مجالات علمية يجب أن توليها مصر اهتمامًا خاصًا في المرحلة المقبلة، في مقدمتها مجال الطاقة النووية السلمية لما له من دور محوري في تحقيق أمن الطاقة وتقليل الانبعاثات الكربونية، خاصة في ظل التوجه العالمي نحو الطاقة النظيفة.
كما أرى ضرورة التركيز على مجالات الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته في الصناعة والطاقة، وأبحاث المواد المتقدمة المستخدمة في الوقود النووي ومكونات المفاعلات، إلى جانب إدارة النفايات النووية وتقنيات تحلية المياه باستخدام الطاقة النووية.

كيف يمكن ربط البحث العلمي بالصناعة والتنمية الاقتصادية؟

ربط البحث العلمي بالصناعة هو حجر الأساس لتحقيق تنمية اقتصادية حقيقية ومستدامة. ويمكن تحقيق ذلك من خلال إنشاء منظومة تكامل فعّالة بين الجامعات ومراكز البحوث من جهة، وقطاع الصناعة من جهة أخرى، بحيث تُوجَّه الأبحاث نحو احتياجات السوق الفعلية ومشكلات الإنتاج.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: