صناعة الانتصار.. من دخان الرماد

15-10-2025 | 14:48

عندما يصنع الوطن مجده، ينحني الكون الذي لا يتآمر لأحد، ولا يجامل أحدًا، لكنه ينحني أحيانًا تقديرًا لأمة قررت أن تعمل، أن تصبر. تعددت الانتصارات والاسم واحد (مصر).

بلد يصنع المعجزات بصبر أبنائه، ويدهش العالم حين يظن أنه انتهى. الكون ينتصر لمصر، ليس سحرًا، بل لأنها لم تنحنِ يومًا، لم تستسلم للصعاب أو المستحيل، حتى في أصعب السباقات والضغوط والتحديات الداخلية والخارجية كانت قوية وشجاعة، شامخة مثل الأجداد الفراعنة. لا يهزها ريح مثل الجبال، نراها تعانق "المستحيل" بالإرادة، ليكتب التاريخ من جديد، بلغة لا يقرأها إلا من آمن أن في حب الأوطان معجزات.

في أكتوبر السعيد، شهر الانتصارات الذي أبى أن يرحل في 2025 دون أن يكافئ ويهدي أرض الكنانة انتصارات جديدة تعيد لها حيويتها وجمالها ومكانتها الدولية أمام العالم، كقوة تفرض احترامها بعقلانية وحكمة. رغم التحديات، استطاعت مصر أن تفرض وجودها وسيادتها كـ "أم الدنيا" الحاضنة للأوطان والراعية للسلام، وقف إطلاق النار في غزة العزة. تدخلت بوساطتها التاريخية، عبر حكمة ودبلوماسية جهاز المخابرات العامة القوي الذي تفاوض على إنجاح بنود الاتفاقية بسلام ومن أجل السلام، ونجحت في وقف إطلاق النار الذي جَنَّب المنطقة حربًا شاملة. كان الموقف المصري بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي واضحًا: لا للتهجير، أو التنازل عن أي شبر بأراضينا. كان ينادي بحماية المدنيين، واستعادة أراضيهم مسئولية تاريخية. لم تكن وساطة عابرة، بل امتدادًا لدور عميق، جعل من القاهرة بوابة للحلول، لا ساحة للاضطراب.

وفي الأزقة الضيقة لغزة، لم تكن الفرحة فقط بخبر الهدنة، بل بنبرة مصرية قديمة يعرفها الناس هناك:
(لما مصر بتتكلم، إحنا بنحس بالأمان) جملة بليغة أتت على لسان أم فلسطينية.
وكأن النداء التاريخي القديم: «مصر أم الدنيا» لم يكن وصفًا، بل وعدًا يتحقق.

مصر التي شهد لها الرئيس الأمريكي ترامب ولقائدها أمام شاشات العالم أجمع، أنه من أعظم الرؤساء؛ لأنه استطاع أن يبني ويحافظ على أركان ومفاصل واستقرار الدولة أمنيًا واقتصاديًا، بفضل تماسك مؤسساتها وجيشها، من منطلق إرادة سياسية راسخة، تجاوزت مرحلة الانهيار، وحافظت على وحدة الأرض والقرار. إنه نوع من الانتصار لا أستطيع وصفه، لا يكتب بالعناوين الكبرى، بل في التفاصيل اليومية للبقاء. لا أنسى حين قال له ترامب بشرم الشيخ كانت هناك دول كثيرة تريد أن ترعى هذا السلام ولكننا اخترنا مصر؛ لأنها دولة آمنة، تَقِلُّ فيها الجريمة، ويوجد بها قائد قوي وشجاع. استطاع، في سنوات قليلة من الغياب، استعادة مصر لمكانتها في القارة السمراء، عبر ملفات كبرى كأزمة سد النهضة، والمشاركة الفاعلة في تهدئة النزاعات في السودان وليبيا. هذا الحضور لا ينبع فقط من الجغرافيا، بل من الفهم العميق لطبيعة الدور المصري، الذي يجمع بين القوة والحكمة والدبلوماسية.

والانتصار الثاني في أكتوبر السعيد، حين كرمت الحضارة: مصر لتقود لأول مرة في التاريخ، رئاسة منظمة اليونسكو، بيت الحضارة والعلوم والثقافة العالمي، عبر انتخاب الدكتور خالد العناني رئيسًا لها لفترة ولاية أربع سنوات. لم يكن ذلك مجاملة، بل اعتراف بمكانة أمة علَّمت العالم معنى الحضارة منذ آلاف السنين.

أن تقود مصر هذه المنظمة اليوم، فهو امتداد طبيعي لأهراماتها، علمائها، كتابها وكتبها القديمة، لفنانيها، مثقفيها ولكل من صنع شيئًا يُدرَّس اليوم في العالم بأسره، وكأن الحضارة نفسها قررت أن تعود إلى بيتها الأول، مصر الحضارة اسمًا ومعنى ورمزًا وحقيقة.

ثم جاء انتصار آخر، يحمل طعم الفرح الشعبي النادر، حين تأهل منتخب مصر إلى كأس العالم بعد غياب طويل.

كانت لحظة لا تُنسى، حين اهتزت الملاعب والبيوت بصيحة واحدة: "مصر وصلت!".

لم تكن مجرد مباراة، بل عودة الروح، إثبات أننا قادرون على الفرح، تمامًا كما نحن قادرون على الصمود. وفي تلك الليلة بدأ وكأن الكرة الأرضية بأكملها تدور فقط وتعمل من أجل المصريين.

لا يغيب عن ذهني ذلك الطفل الصغير الذي أمسك بعلم مصر يهتف بكل براءة وحب: 'إحنا عملناها يا ماما'.

لم يكن يعرف شيئًا عن المفاوضات، ولا اليونسكو، ولا قمم السياسة.

كل ما عرفه أن مصر بتفرح، وأنه رغم صغر سنه يشعر بأنه ينتمي لشيء عظيم.

وطن يصنع المعجزات بصبر أبنائه، ويدهش العالم حين يظن أنه انتهى.

فلتسألوا التاريخ سيخبركم: أن في كل مرة تراهنوا فيها ضد هذا الوطن، كان الرد قاسيًا، وبصوت عالٍ: (مصر لا تسقط.. تحيا مصر).

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة