تفكير ناقد.. أم تفكير نقدي؟!

15-10-2025 | 14:51

بداية، ما المقصود بالتفكير الناقد، ولماذا نقول: التفكير الناقد، ولا نقول: التفكير النقدي؟! وهل واقعنا العربي والإسلامي المعاصر يحتاج أن نقدم رؤية ناقدة لقضاياه، ولماذا نقدمها؟ هل نقدمها من أجل النقد أم من أجل الوصول إلى حلول لهذه القضايا؟ ومتى يتحول التفكير الناقد إلى فكر نقدي هدام؟!

وما المنهج الذي ينتهجه صاحب هذا التفكير؟ هل يستخدم المنهج التحليلي، أم يستخدم المنهج الوصفي، أم يستخدم المنهج المقارن، أم يستخدم هذه المناهج الثلاثة بغية الوصول إلى ما يمكننا أن نطلق عليه "التكاملية الثلاثية" التي تتوجه من خلال إقامة صرح منهجي نقدي بناء، تظهر خلاله شخصية الناقد الذي يريد أن يقول للمستمع أو القارئ: نحن هنا، وهذه رؤيتنا، وهذا توجهنا حيال الموضوع المطروح للمناقشة.

وهذا طرحنا لكم، لكم أن تقبلوه ولكم أن ترفضوه، لكن مع رفضكم ضرورة ملحة أن تقدموا لنا مبررات الرفض، وما البدائل التي تستعيضون بها عما طرحناه من تفكير ناقد؟!

لكن دعونا نتفق على أمر مهم، على الأقل من وجهة نظر الكاتب، هذا الأمر هو أن بغيتنا من طرح هذا الموضوع الوصول إلى الجادة من خلال محاولة إيجاد حلول لقضايانا ومشكلاتنا المعاصرة والتي أحسبها متجددة ومتغيرة، بل ولا أكون مبالغًا إذا ما قلت: إنها مشكلات متشعبة، ليس هذا وحسب، بل وتتغير مساراتها في لمح البصر أو أقرب، ومن هنا ضرورة ملحة أن يكون الذهن حاضرًا، والتفكير الناقد يقظًا، والقريحة متقدة.

ولنضرب مثالًا على ذلك قضية معاصرة، كخطة ترامب لوقف الحرب في غزة، ووضع خطوات لوقف إطلاق النار من الجانبين، هل مطلوب - لا أقول من جانب واحد، بل من الجانبين - قبول هذا المقترح دون رؤية ناقدة، حتى من الوسطاء.

رؤية ناقدة لهذه البنود حتى تخرج بالصورة المثالية أو أقرب التي ترضي جميع الأطراف - نحن لا نتحدث عن معتدٍ أو معتدًى عليه - فالمعتدي معروف والمعتدى عليه معروف أيضًا - وإنما نحن بصدد الحديث عن رؤية ناقدة من خلال عقل ناقد قارئ للموقف برمته، دون أدنى تحيز إلى فريق على حساب فريق آخر.

لكن السؤال الذي ينبغي أن نقدم له إجابة: ما المقصود بالتفكير الناقد، وما الفرق بينه وبين مصطلح التفكير النقدي؟! هذا يقودنا إلى تحليل المصطلحين، قد يبدوان في ظاهرهما أنهما متشابهان، فكلاهما يحمل معنى النقد، نعم نؤكد على ذلك.

لكن الفارق بينهما أن التفكير الناقد رؤية جمعية لقضية ما تكون محل التحليل والدراسة، تتعامل معها العقول الجمعية، كلٌّ يدلي بدلوه، أما التفكير النقدي، فهو رؤية نقدية فردية، كأن يرى شخص ما أن شخصًا ما ارتكب خطأً فادحًا مثلًا حيال مشكلة ما، كمن يرى مثلًا أن حماس ارتكبت خطأ فادحًا في هجومها على المستوطنات اليهودية في السابع من أكتوبر عام ألفين وثلاثة وعشرين، أو كمن يرى أنها على صواب.

أو كمن يطرح قضية فكرية في محاضرته ويستطلع رأي طلابه كلٌّ على حِدة. لكن السؤال الملح أيضًا: أي التفكيرين يبني الشخصانية؟! من وجهة نظري كلاهما يبني الذات المفكرة من خلال نقدهما للموضوع محل الإدراك.

وهذا يقودنا إلى جدلية لا تقل في الأهمية عن موضوعنا، وهي جدلية العلاقة بين الذات المدركة والموضوع محل الإدراك. وهنا ينتقل التفكير الناقد من الفردانية إلى العمومية فيتحول إلى تفكير نقدي وفقًا لطبيعة المعطيات التي يقدمها الموضوع محل الإدراك.

نأتي إلى السؤال الأهم: هل واقعنا العربي والإسلامي يحتاج إلى التفكير الناقد أم التفكير النقدي أم إلى كليهما؟!

قضايا أمتنا العربية والإسلامية كثيرة ومشكلاتها معقدة، تحتاج إلى تضافر كل جهود العقلاء الذين يتسمون بالرزانة ورجاحة العقل، فضلًا عن ذلك تكون العروبة متغلغلة فيه تجري في عروقه مجرى الدم. بمعنى آخر: الانتماء دونما مصلحة أو منفعة شخصية.

نعم، كثيرة هي قضايانا، وأهمها آليات تحقيق الوحدة ولملمة الشمل والعودة إلى فكرة الأمة الواحدة التي تؤمن برب واحد. ومن هذا المنطلق فمطلبنا واحد: إعمال التفكير الناقد على المستوى الفردي، وهنا لا أقصد أشخاصًا بأعينها، وإنما عبر المستوى المحلي من خلال طرح هذه الأفكار محليًا على متخصصين.

ثم بعد ذلك تعقد اجتماعات كالقمم العربية أو القمم الإسلامية لتدويل ما انتهى إليه التفكير الناقد من نتائج، وعرضها على التفكير النقدي إقليميًا ثم عالميًا لنرى هل ثمة توافق دولي على ما توصل إليه التفكير الناقد والتفكير النقدي أم لا.

أما المناهج، فنحن نحدد المنهج وفقًا لطبيعة القضية المطروحة للمناقشة، فنستخدم المنهج التحليلي، ثم نستخدم المنهج المقارن، وهذان المنهجان عليهما معول كبير في تكوين التفكير الناقد أو التفكير النقدي.

إن واقعنا العربي والإسلامي المعاصر يعج بالقضايا التي لا يمكن بحال من الأحوال أن نقف متفرجين أمامها، وإنما لا بد أن يكون للذات المدركة - نحن، سواء أصحاب تفكير ناقد أو تفكير نقدي - لا بد أن يكون لنا دور في معالجة هذه المشكلات محل الإدراك.

* أستاذ الفلسفة بآداب حلوان.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة