كيف تكتب خاتمة لمقالك على طريقة كبار الكتاب الإنجليز؟

14-10-2025 | 09:30
كيف تكتب خاتمة لمقالك على طريقة كبار الكتاب الإنجليز؟ صورة تعبيرية

كما أن للمقال افتتاحية تُمهد له، فإن خاتمته ينبغي أن تتناسب مع طول النص ومستوى تعقيده. فقد تكون الخاتمة بضع فقرات، أو فقرة واحدة، أو حتى جملة موجزة. غير أنّ الأهم، مهما كان حجمها، أن تقوم الخاتمة بأداء وظائفها الأساسية.

موضوعات مقترحة

الخاتمة (termination)

أبسط وظيفة للخاتمة هي الإشارة إلى أن النص قد انتهى، وهناك أساليب متعددة لتحقيق ذلك.

الكلمات الختامية

من أبسط الوسائل لاختتام النصوص استخدام كلمات أو عبارات مثل: "في الختام" (in conclusion)، "أخيرًا " (finally)، "في التحليل الأخير" (in the last analysis)، "للإغلاق" (to close)، "عند الإنهاء" (in closing)، وغيرها. كما يمكن الاستعانة بالظروف التي توحي بعلاقة غير مباشرة بين التبعية والنتيجة مثل: "حينئذ" (then) و"وهكذا" (and so) وحقا/بالفعل" .(indeed) ومن الأفضل عادةً أن تظل هذه العبارات الختامية بسيطة وغير لافتة للانتباه؛ فالتقنيات الأسلوبية الأكثر فاعلية هي تلك التي تعمل في الخلفية دون أن تفرض نفسها على القارئ.

الخاتمة الدائرية

تشبه هذه الطريقة شكل الدائرة التي تعود في نهايتها إلى نقطة البداية. ففي الفقرة الختامية يُعاد استخدام كلمة أو عبارة بارزة وردت في المقدمة، بحيث تبقى راسخة في ذهن القارئ. ولتحقيق ذلك بفاعلية، ينبغي أن يتعرف القارئ على هذا المصطلح الأساسي دون الحاجة إلى لافتة مباشرة تقول: "تذكر هذا". لذلك يُفضل إبراز الفكرة بأسلوب أكثر دقة، إما عبر موضعها في النص أو من خلال توظيف كلمة لافتة وسهلة الحفظ. وفي أي مقال، مهما كان طوله، قد يكون من المفيد إعادة تكرار هذه العبارة بين الحين والآخر، وغالبًا ما يؤكد الكُتّاب اكتمال الدائرة بقولهم مثلاً: "نعود، إذن، إلى..."

في رسم تخطيطي لأرستقراطية بارزة، السيدة هيستر ستانوب، يفتتح ليتون ستراتشي فقرة من سيرتها على النحو الآتي: (يحمل أنف أسرة بيت [الليدي ستانوب منحدرة من هذه العائلة الشهيرة Pitt] تاريخًا لافتًا للنظر، يمكن تتبعه عبر ثلاثة أجيال. فقد كان هناك أولًا الأنف المعقوف الضخم للورد شاتام، الذي نشأت تحت ظله إمبراطوريات، ثم تلاه أنف ويليام بيت الأصغر، المحدودب إلى أعلى بصرامة كئيبة، وكأنه تجسيد للكبرياء الذي لا يُقهر. ومع الليدي هيستر ستانوب جاءت المرحلة الأخيرة: فقد الأنف المرفوع بعضًا من صلابته الذكورية، وتلاشت فيه ملامح العم والجد القاسية. صار أنفها جامحًا، متطلعًا، متغطرسًا، يزدري الأرض ويندفع، كما لو كان يتجه إلى فردوس أبدي غريب الأطوار. لقد كان، في الحقيقة، أنفًا معلقًا تمامًا في الهواء).

في ختام مخطط ستراتشي جاءت الجمل الأخيرة على النحو الآتي: "كانت النهاية في يونيو عام 1839. تولّى خدمها على الفور السيطرة على كل ما يمكن تحريكه في البيت. أما الليدي هيستر فلم يعد يعنيها شيء؛ إذ كانت ترقد على فراشها ـ غامضة، متعالية، عبثية، وأنفها مرفوع في الهواء."

إن جملة ستراتشي لا تقتصر على وصل الخاتمة بالمقدمة فحسب، بل تكشف أيضًا عن نظرته إلى الليدي هيستر ستانوب. فالعبارة التي تُغلق الدائرة ينبغي أن تظل حاضرة في ذهن القارئ، وأن تحمل قيمة ومعنى حقيقيين.

التنوع الإيقاعي

إيقاع النثر مسألة معقدة، لكن يكفي أن ندرك أنه، أيًّا كان الأسلوب، يظل عنصرًا أساسيًا لا غنى عنه. وبما أنه كذلك، يمكن توظيفه للإيحاء بالخاتمة عبر تغيير نغمة الجملة أو الجمل الأخيرة.

غالبًا ما يتمثل هذا التغيير في إبطاء إيقاع الجملة وجعل نغمتها أكثر هدوءًا وانتظامًا. ومن أبلغ الأمثلة على ذلك خاتمة رواية "أليس في بلاد العجائب" للويس كارول:(وأخيرًا، تصورتْ كيف ستغدو أختها الصغيرة، مع مرور الزمن، امرأة ناضجة؛ وكيف ستحمل في قلبها، رغم سنوات الكبر، روح طفولتها البريئة المحبة؛ وكيف ستحتضن أطفالها الصغار من حولها، وتُشعل أعينهم بلمعان الحكايات العجيبة، وربما بحلمها القديم عن بلاد العجائب؛ وكيف ستشاطرهم أحزانهم الصغيرة، وتفرح معهم بأفراحهم البسيطة، وهي تسترجع طفولتها وأيام صيفها المشرقة).

وهكذا يتم إبطاء المقطع عبر إدخال تراكيب اعتراضية (مثل: "فيما بعد")، بينما يتحقق انتظامه من خلال تكرار الصيغ المتماثلة (على سبيل المثال: "وكيف")، مما يخلق إيقاعًا أقرب إلى الشعر. (إذ يُرمز بـ X  إلى المقاطع غير المشددة، وبـ  / إلى المقاطع المشددة):

X X / X / X / وأيامُ الصيفِ السعيدةُ.

وأحيانًا يختار الكُتّاب نهجًا مغايرًا، فينهون نصوصهم بجملة قصيرة حادة بدلًا من جملة مطوّلة بطيئة الإيقاع ومنتظمة. وتبدو هذه النهاية أكثر وقعًا إذا جاءت عقب جملة طويلة، كما في ختام مقالة جوان ديديون "عن الأخلاق":

إذ عندما نبدأ بخداع أنفسنا بالاعتقاد ـ لا بأننا نرغب في شيء أو نحتاجه، ولا بأن الحصول عليه ضرورة عملية ـ بل بأنه واجب أخلاقي، نكون قد انضممنا إلى زمرة المجانين العصريين؛ وهناك يبدأ همس الهستيريا يعلو في أرجاء البلاد؛ وهناك أيضًا نقع في مأزق خطير. وأظن أننا قد بلغنا تلك المرحلة فعلًا.

إن إغفال استخدام جملة قصيرة كخاتمة قد يُفوّت أحيانًا نهاية أكثر قوة للنص: "أخيرًا، جلست ربة البيت المجتهدة لتتابع برنامجها التلفزيوني المفضل، لكن لم يمضِ ربع ساعة حتى غفت على مقعدها، وما إن استوعبت ما يحدث حتى دوّى جرس المنبّه في السادسة والنصف معلنًا بدء يوم جديد". الصياغة الأجود تكون هكذا: "ما إن استوعبت الأمر حتى دوّى جرس المنبّه في السادسة والنصف. يوم جديد".

الموضع الطبيعي للتوقف

وهناك وسيلة أخرى للدلالة على النهاية، وهي التوقف عند نقطة طبيعية مضمّنة في الموضوع نفسه. فمثلًا، في السيرة الذاتية لشخص رحل عن الدنيا، من البديهي أن تنتهي القصة عند مشهد وفاته، كما رأينا في مقطع ليتون ستراتشي عن الليدي هيستر ستانوب. ومن الأمثلة الموازية الفقرة الختامية لمقال ليولين بوويز عن ميشيل دي مونتين:"في 13 سبتمبر 1592، وبعد أن وزّع مونتين بعض الوصايا على خدمه، استدعى كاهن رعيته إلى سريره. وهناك، في حجرته الغريبة حيث تجمّعت طيور السنونو على المزاريب الرصاصية في الخارج، شارك للمرة الأخيرة في القداس مع بعض جيرانه. رُفع القربان المقدّس بكل وقار، وفي اللحظة نفسها، حين مدّ هذا الكاثوليكي الحرّ ـ أو هذا الزنديق الكاثوليكي (الذي لم يشغل نفسه هذه المرة بعذاراه التسع المثقفات) ـ ذراعيه بإخلاص نحو السرّ الإلهي الذي قد يحتوي أو لا يحتوي، في جوهره، على معنى خفي ماكر، سقط ميتًا".

تتضاعف قوة الخاتمة هنا بفضل مشهد الموت، إذ صيغت الجملة الأخيرة بعناية بحيث لا تكتمل فكرتها المحورية إلا عند الكلمة الختامية. فكلمة "ميت" تأتي في موضعها تمامًا، كأنها القطعة الأخيرة التي تُغلق أحجية.

لا تنحصر الخواتيم الطبيعية في مشاهد الاحتضار وحدها. فعند الكتابة مثلًا عن الروتين اليومي، يمكن أن تُختتم بعبارة شبيهة بما اشتهر به كاتب المذكرات صموئيل بيبس: "وهكذا إلى السرير." وحتى إن خلا الموضوع من خاتمة مضمَّنة بطبيعته، فإن التشبيه أو المجاز قد يمنح النص نهاية مناسبة.

إذن، فهذه بعض الوسائل التي تُشير بوضوح إلى أن النص قد انتهى. وغالبًا ما تتداخل هذه الأساليب بدلًا من أن تُقصي إحداها الأخرى. وبالطبع، ليست هذه الطرق الوحيدة للاختتام؛ إذ يبتكر الكُتّاب المبدعون نهايات تتماشى مع موضوعهم وغاياتهم. على سبيل المثال، يختم الشاعر ديلان توماس مقالته كيف تبدأ قصة بلمسة بارعة، عبر فعل ما يُحذَّر منه عادةً الكتّاب المبتدئون: التوقف فجأة في منتصف الجملة، فيقول: "أرى أن الوقت لم يعد كافيًا، أو لم يعد موجودًا، لأواصل مقالي الإرشادي حول كيف تبدأ قصة. أما كيف تُنهي قصة، فذلك، بلا شك، أمر مختلف… إحدى طرق إنهاء قصة هي ..."

وتُنهي فرجينيا وولف مقالتها المعنونة القراءة بهذه العبارة: "علينا أن نُقدّم بعض التضحيات، وأن نكرّس بعض الجهود، ولو لمجرد عبور الغرفة وتقليب الوردة في المزهرية، تلك التي، بالمناسبة، كانت قد أسقطت بتلاتها".

يصعب أحيانًا تفسير سر نجاح هذا الأسلوب؛ فالإيقاع له دوره، وكذلك الصورة. ولعل الزهرة التي تساقطت بتلاتها تعمل كاستعارة للنهاية. كما أن بساطة الجملة الأخيرة وعدم أهميتها الظاهرة يضفيان عليها طابع الختام الرشيق، أشبه بما تختم به محادثة ودّية. وفي جميع الأحوال، تُغلق الفقرة المقال بمهارة ووضوح، وهذا هو الجوهر.

التلخيص والخاتمة

ترتبط الخاتمة على الدوام بالفقرة أو الجملة الأخيرة. وفي بعض الأحيان، تبعًا للموضوع والغاية، قد يكون من الضروري أن تتضمن تلخيصًا أو استخلاصًا لنتيجة، أي حكمًا أو استنتاجًا نهائيًا.

تُستخدم الخلاصات غالبًا في الأبحاث الطويلة والمعقدة، ويُمهَّد لها عادةً بعبارات مثل: "باختصار"، "إجمالًا"، أو "إعادة صياغة". وقد تُقدَّم بصيغة أكثر تحديدًا، كأن يُقال: "لقد تبيّن لنا إذًا أن ...". وغالبًا ما تكون هذه الدقة محمودة في مثل هذا السياق.

قد تكون الخلاصات أو الأحكام النهائية ضرورية حتى في المقالات القصيرة، فبعض الموضوعات تفرض وجودها فرضًا. ومثال ذلك ما كتبه الصحفي صموئيل هوبكنز آدامز في ختام مقال عن الرئيس الأمريكي التاسع والعشرين، وارن هاردينغ   :(1921–1923) 

تكمن فرادة مسيرة وارن غامالييل هاردينغ في أنه، من غير قصد أو وعي أو حتى سعي إلى التميز، غدا رمزًا لأكثر الإدارات فسادًا في تاريخ البلاد. ولم يكن الذنب ذنبه وحده بقدر ما كان ذنب الأمة جمعاء. فبفضل ألاعيب الساسة، اختار الأمريكيون لتمثيلهم رجلاً رأوه عاديًا. غير أن المنصب الذي أوكلوه إليه لم يكن منصبًا عاديًا. وحين عجز عن الارتقاء إلى مستوى متطلباته، حمّلوه المسؤولية بدلًا من أن يحاسبوا أنفسهم. تلك كانت مأساة هاردينغ.

في بعض الأحيان لا يكون إنهاء المقال بحكم قاطع هو الخيار الأمثل، أو قد لا يكون ممكنًا أصلًا. فقد أشار الروائي جوزيف كونراد إلى أن دور الراوي يتمثل في طرح الأسئلة لا في تقديم الإجابات. وينطبق ذلك أحيانًا على كاتب المقال، الذي قد يفضّل التلميح إلى الحكم بدلاً من التصريح به. وتُعرف هذه الطريقة باسم "الخاتمة الاستدلالية "، حيث يتوقف الكاتب فجأة، تاركًا للقارئ مهمة استنتاج الخاتمة بنفسه. فالجملة الأخيرة هنا تفتح أفقًا بدلًا من أن تغلقه. مثال ذلك خاتمة مقال يصف مكانًا يقصده المراهقون للراحة: "تقول السيدة العجوز المقيمة في البيت المقابل إن أكثر ما يثير الانتباه هو لحظات الصمت العابرة، تلك التي تخترق بين الحين والآخر ضجيج الضحكات العالية."

الكاتب: توماس س. كين
ترجمة الأستاذ الدكتور: أشرف إبراهيم زيدان
أستاذ الأدب الإنجليزي المساعد
رئيس قسم اللغة الإنجليزية ـ كلية الآداب ـ جامعة بور سعيد


د. أشرف زيداند. أشرف زيدان
كلمات البحث
اقرأ أيضًا: