«دوني»: حضور ترامب يمنح الاتفاق ثقلًا دوليًا
موضوعات مقترحة
«زغبي»: مصر الطرف الوحيد القادر على جمع أطراف الصراع
«حميد»: قيادة السيسي حكيمة في إدارة المشهد
لم يكن ما حدث في القاهرة، مجرد عملية تفاوضية بين المسؤولين من إسرائيل وممثلين لحركة حماس لوقف الحرب الدائرة في قطاع غزة، إنما هي لحظة سياسية فارقة أعادت فيها مصر تعريف مفهوم كيفية تجميع الخيوط واستثمار نفوذها السياسي بشكل دبلوماسي في إعادة استقرار منطقة الشرق الأوسط.
فعلى طاولة واحدة جمعت القاهرة طرفي الصراع إلى جانب حضور رئيس الوزراء القطري ووزير خارجيتها، ورئيس المخابرات التركية، والمبعوثين الأمريكيين، ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر.
هذا المشهد لم يكن وليد الصدفة، بل ثمرة دبلوماسية مصرية عملت عليها القيادة السياسية على مدار الفترة الماضية، حيث استطاعت فيها القاهرة أن تتحرك بين التناقضات وبشكل دبلوماسي وكانت الرسالة المصرية واضحة: «السلام لا يُفرض بالقوة، بل يُصنع بالثقة، وبالقدرة على جمع الفرقاء»، وهكذا تحركت مصر في دوائر متداخلة مع واشنطن والدوحة وأنقرة وتل أبيب؛ لتنسج اتفاقًا بدا مستحيلًا حتى أيام قليلة مضت.
ولما له من بعد سياسي وإعطاء ضمان بشكل أكبر لتنفيذ الاتفاق، دعا الرئيس عبدالفتاح السيسي، نظيره الأمريكي دونالد ترامب، لحضور مراسم توقيع الاتفاق بشرم الشيخ.
ووصف السفير الأمريكي الأسبق في القاهرة ريتشارد دوني، هذا التحرك بأنه مبادرة تاريخية غير مسبوقة، مشيرًا إلى أن حتى الرئيس الأسبق جيمي كارتر، لم يسافر بنفسه للشرق الأوسط، بل دعا الأطراف إلى كامب ديفيد للتفاوض.
وأضاف أن حضور ترامب شخصيًا لمراسم التوقيع يضع ضغطًا هائلًا على الطرفين، ويمنح الاتفاق ثقلًا دوليًا غير مسبوق، كما أن التحركات الدبلوماسية تكشف أن مصر لعبت دورًا ضروريًا لإنهاء مأساة غزة؛ بتوفير بيئة للتوصل إلى حل استراتيجي طويل الأمد للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
وشدد على ضرورة التضامن الإقليمي، في دفع الجهود الدبلوماسية إلى هذه المرحلة، رغم التحديات الكبرى.
وأوضح أن إدارة ترامب أعادت توازن القوى مع إسرائيل، وأنه أوصل رسالة واضحة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بأنه لن يتم الترهيب أو الحماية من مواجهة الحقائق الاستراتيجية الصعبة.
فيما أشار المفكر الأمريكي جيمس زغبي، رئيس المعهد العربي الأمريكي في واشنطن، إلى أن خطة ترامب ذات النقاط العشرين تمثل بداية لمسار تفاوضي لإنهاء المأساة.
واعتبر زغبي، أن قبول إسرائيل وحماس البدء في تنفيذ الخطة يعد أمرًا ذا أهمية سياسية كبرى، لكن الطريق ما زال طويلًا، لافتًا إلى أن غياب آليات التنفيذ يجعل مستقبل الخطة مرهونًا بشخص ترامب نفسه، وأن أي فتور في اهتمامه أو سماحه لإسرائيل بفرض تفسيرها الخاص قد يحول الاتفاق إلى نسخة جديدة من اتفاقات وقف النار في لبنان وسوريا، حيث تتوقف النار من طرف واحد فقط.
وأوضح أن حضور ترامب لتوقيع الاتفاق في شرم الشيخ التزام حقيقي بالعملية السياسية، مؤكدًا أن مصر تبقى الطرف الإقليمي المحوري والوحيد القادر على جمع الأطراف على طاولة واحدة، وأن نجاح أي اتفاق يتطلب تمثيلًا فلسطينيًا موحدًا وشرعيًا.
وأشار إلى أن أي تقدم نحو تحديد شكل الحكم الفلسطيني أو التفاوض حول الطموحات الوطنية يجب أن تشارك فيه القيادة الفلسطينية والتي تحظى بالشرعية، لافتًا إلى أن التمثيل الفلسطيني هو شرط أساسي لنجاح أي اتفاق.
ويرى المحلل السياسي الدكتور توفيق حميد، أن هناك دلالات كبيرة لحضور ترامب، توقيع الاتفاق ومنها ضمان لتتفيذ الاتفاقية، كما أنه يعطي طمأنينة لجميع الأطراف، وثقل سياسي.
وأشار إلى أن مصر تعيد تشكيل ميزان القوة، موضحًا أن ما حدث ينقل ميزان القوة السياسية لمصر، خاصة في إدارة الملف الفلسطيني للقاهرة بشكل مطلق؛ نظرًا لما تمتلكه من خبرة، إلى جانب أنها تمتلك حدودًا مع طرفي الصراع.
وأوضح أن مصر أخذت وضعًا سياسيًا كبيرًا وعلى مستوى دولي، مؤكدًا أن مصر أقدر دولة تدير الملف الفلسطيني خلال اللحظات الحرجة، متابعًا: «الفترة الماضية تصدر المشهد دول أخرى وكأنهم هم المؤثرون الحقيقيون، إلا أن مصر أثبتت أنها الطرف الفاعل والرئيسي في وقف الحرب في قطاع غزة».
ولفت إلى أن ما حدث في الفترة الماضية غير الكثير من الأمور، وكان مؤشرًا للتغيرات بميزان العلاقة بين الجانب العربي والإسرائيلي، ومستقبل المنطقة، كما أنه يوضح أن مصر يمكن أن تلعب دورًا يليق بحجمها، وتأخذ القيادة.
وأكد أن الرئيس عبدالفتاح السيسي، يشهد له بالحكمة في إدارة المشهد، وبالتالي أصبح من الواضح ثقل الجانب المصري في إدارة الأحداث، ولا توجد دولة يمكن أن تغني عن الدور المصري القادر على إنهاء الأمور بصورة مرضية للجميع، خاصة أن لها علاقات معتدلة مع جميع الأطراف، موضحًًا أن مصر يمكن أن تلعب دورًا أكبر في المرحلة القادمة في إعادة الإعمار أو في الشق السياسي.
ولقد استندت مصر في هذا التحرك إلى رأسمال سياسي متراكم من الخبرة والشرعية والتاريخ، ما يجعلها فاعلًا لا غنى عنه في أي معادلة سواء في الملف الفلسطيني أو الأمن الإقليمي بمنطقة الشرق الأوسط.
وما جعل حضور الرئيس الأمريكي، حدثًا سياسيًا صاخبًا هو إدراك واشنطن أن الشرق الأوسط الجديد لن يُرسم في البيت الأبيض، بل في القاهرة، ولعل ذلك ما يفسر إصرار ترامب على أن يضع بصمته الشخصية على الاتفاق، في مشهد يعكس في الوقت نفسه قوة مصر في تحريك الملفات الصعبة وحماية أمنها القومي.