الابتكار.. لغة المستقبل وذاكرة النمو

14-10-2025 | 14:07

في عالمٍ تتبدّل ملامحه كل صباح، لم يعد النمو الاقتصادي يُقاس بما نملك من ثرواتٍ تحت الأرض، بل بما نحمله من أفكارٍ في العقول والقلوب.

إذ أصبح الابتكار لغة المستقبل، ووقود التنمية الذي لا ينضب، والبوصلة التي تهدي الأمم إلى طريق الاستدامة.

ولعل جائزة نوبل للاقتصاد لعام 2025 جاءت لتذكّرنا بهذه الحقيقة حين منحتها الأكاديمية السويدية إلى الأمريكيين جويل موكير وبيتر هيويت، والبريطاني فيليب أجيون، اعترافًا بإسهاماتهم في فكّ لغز العلاقة بين الإبداع والنمو، بين الفكرة والازدهار، ولتذكّر العالم بأن الثروة الحقيقية تكمن في الفكر المبدع لا في الموارد الجامدة.

إنها رسالة عميقة تقول للعالم: الثروة لا تُستخرج من المناجم، بل من الخيال البشري حين يُطلق له العنان.

من التدمير الخلّاق إلى ميلاد الاقتصاد الذكي

يرى الفائزون الثلاثة أن الاقتصادات التي تتبنّى ثقافة الابتكار هي وحدها القادرة على النمو المستدام من دون نفاد مواردها، وأن سرّ استمرار النمو ليس في زيادة الإنتاج وحدها، بل في قدرة الإنسان على التجدد.

إذ حدد موكير، عبر قراءته للتاريخ الاقتصادي،المتطلبات الأساسية للنمو المستدام من خلال التقدم التكنولوجي، وأن كل ثورة صناعية كانت نتيجة جرأة فكرية سبقت الآلة بخطوة.

أما أجيون وهيويت فصاغا نموذجًا رياضيًا لما يُعرف بـ «التدمير الخلّاق»، وهي العملية التي يولد فيها الجديد من رحم القديم، لتتحول الأسواق إلى ساحات تنافس تقودها الأفكار لا الاحتكارات.

في تصوري وضع هؤلاء الخبراء الابتكار في قلب معادلة التطور، لا كترفٍ فكري، بل كشرطٍ للبقاء في عالمٍ لا يعترف بالثبات.

معادلة العقول قبل الأرقام

تُبرز حيثيات لجنة نوبل أن كل ابتكار حقيقي يجب أن يُترجم إلى قيمة مضافة للمجتمع، وأن النمو المستدام لا يتحقق إلا بتكامل البحث العلمي والتعليم والسياسات الاقتصادية.

وأكدت حيثيات لجنة نوبل أن التقدم التكنولوجي خلال القرنين الماضيين رفع الإنتاجية، ووسّع فرص العمل، وأسهم في تقليص معدلات الفقر. كما أشارت إلى أن الذكاء الاصطناعي والطاقة النظيفة يمثلان امتدادًا طبيعيًا لهذا النهج، حيث تصبح المعرفة المورد الأول للاقتصاد العالمي.

رسالة نوبل.. الاقتصاد يبدأ من الإنسان

لا يمكن لأي أمة أن تحقق نموًا مستدامًا ما لم تؤمن بأن الابتكار هو حقٌ إنساني قبل أن يكون أداة إنتاج.

فحين تستثمر الدول في العقول المبدعة، فإنها لا تبني اقتصاداتٍ فحسب، بل تبني مستقبلًا تُنصف فيه الفكرة قبل الثروة، والإنسان قبل المعادلات.

فالنمو المستدام ليس مجرد أرقام في ميزانيات الدول، بل هو رحلة تطور إنساني تُكتب بالإبداع.

ويحمل تتويج موكير وأجيون وهيويت رسالة واضحة: أن المستقبل للأمم التي تحوّل الفكرة إلى نهضة، والمعرفة إلى ازدهار.

فالاقتصاد المعاصر لا يزدهر بالوفرة، بل بجرأة التفكير، وبالإيمان بأن استدامة النمو تبدأ من استدامة الخيال.

إنّ تتويج هؤلاء ليس تكريمًا لثلاثة علماء فقط، بل احتفاءٌ بروح الإنسان الباحث عن معنى وجوده في كل ما يبتكر.

فالاقتصاد، في جوهره، ليس علمًا جامدًا، بل قصة الإنسان وهو يحاول أن يصنع حياةً أكثر عدلًا وجمالًا.

الإبداع والمعرفة ركيزتا النمو 

إن النمو المستدام أصبح نتاج بيئة تُشجّع على البحث والتجريب والمخاطرة المحسوبة.

وحين تدرك الدول أن الاستثمار في الإنسان هو الاستثمار الأجدر، تصبح قادرة على تحويل الابتكار من فكرة في المختبر إلى نهجٍ وطني في الحياة.

بدا واضحًا أن جائزة نوبل هذا العام فتحت صفحة جديدة في الاقتصاد العالمي، صفحة عنوانها الإبداع، ومتنها المعرفة، وروحها الإنسان.

[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة