القاهرة رقم لا غنى عنه في معادلات الشرق الأوسط

13-10-2025 | 17:26

بهدوء وصبر تمكنت مصر من أن تعيد قطار وقف مأساة غزة إلى مساره الصحيح، والتوصل إلى اتفاق حول آليات تنفيذ المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل.

ولعل أبرز ما تحقق للقاهرة هو إجهاض سيناريو التهجير لأهالي غزة، وتقديم مقترح لجنة تكنوقراط لإدارة غزة، وتقديم خطة مفصلة لعملية إعادة إعمار قطاع غزة. ولعل أهم إسهام لمصر هو ترفعها عن كل الاستفزازات والهجوم الذي تعرضت له، وثقتها في وزنها ودورها، وقوة مؤسساتها في إنجاز المهمة، وترحيبها بالتنسيق مع الدول العربية والإسلامية والإدارة الأمريكية لإنهاء هذه الحرب المدمرة، وهو إنجاز جديد يُحسب لمصر وقيادتها السياسية، ومؤسساتها العريقة. وفي هذه اللحظة، فإن تدفق قادة 25 دولة وقدوم ترامب يُثبت أهمية مصر.

وهو ما ظهر للعلن مؤخرًا، فقد أشاد المبعوث الخاص الأمريكي للشرق الأوسط ستيفن ويتكوف بفريق العمل المصري خلال المفاوضات، وقال خلال لقائه الرئيس عبدالفتاح السيسي: "أود الإشارة إلى أن لديكم فريقًا مذهلًا"، "ولولا قيادتكم ومهارات فريقكم الفريدة، لما كنا استطعنا تحقيق الكثير. لقد أثبتوا كفاءة استثنائية في اللحظات الحاسمة".

وأضاف، مشيرًا إلى جهاز المخابرات العامة المصرية، أنه: "ربما لن تسجل كتب التاريخ تفاصيل ما جرى، ولكن بدونكم لم نكن لنصل إلى هذه النتيجة".

ومرة أخرى تفرض القاهرة نفسها بوصفها رقمًا لا غنى عنه في معادلات الشرق الأوسط، وذلك وسط اهتمام المراكز البحثية الغربية بدور مصر، والدور الحيوي للمخابرات العامة المصرية.

ولقد توقفت الكثير من الدوائر الغربية أمام الدور المصري وانعكاسات الحرب في غزة على استقرار الشرق الأوسط. ويمكن القول إن أهم الاستنتاجات الغربية أن مصر بالإضافة لعملها بدافع إنساني، وقيامها بوساطة محايدة، فإن لديها مصالح وطنية واضحة تُشكّل جزءًا من حساباتها تجاه غزة، وأن إستراتيجية مصر تشمل كسب القبول الدولي، وحماية استقرارها، وأمنها الحدودي، وتأثيرها الإقليمي.

وتظهر خلاصة تقييمات مراكز الأبحاث أنها تولي أهمية كبيرة للدور المصري، وتعتبره عاملاً مؤثرًا في ملف غزة، خصوصًا في الوساطة السياسية والأمنية، إضافة إلى دوره الكبير الذي يضع نُصب عينيه مسئولية منع التبعات الأمنية التي يمكن أن تُهدد مصر.

وفي الوقت نفسه، هناك إشادة بقدرة المخابرات المصرية على التنسيق مع دول عدة، والتوسط في المسائل التي تتطلب حساسية كبيرة، مثل التفاوض على الأسرى، وقف إطلاق النار، وتقديم مساعدات إنسانية.

وفي المقابل، تُثير هذه المراكز الصعوبات التي تواجه مصر في التزام الأطراف بما يتم الاتفاق عليه، وصعوبة ضمان تنفيذ التفاهمات على الأرض.

وفي الوقت نفسه، من الطبيعي أن تواجه، وتتأثر الأدوار المصرية بلا شك بالضغوط الدولية والإقليمية، التي تحاول أن تُقيّدها أو تُغيّر من نهجها، خصوصًا إذا ما اشتدت التوترات أو تغيرت أولويات الدول الأخرى.

ويوضح مركز "تشاتم هاوس" البريطاني في دراسة بعنوان "مصر والخليج" أن مصر وقطر تطورت بينهما عملية "تقسيم للأدوار" في إدارة الأزمات في غزة بعد سيطرة حماس على القطاع. ونوّه المركز بـالمخابرات المصرية لأنها تلعب دورًا مزدوجًا على المستوى الأمني والسياسي في التوسط بين إسرائيل وحماس، وأيضًا في مسعى المصالحة الفلسطينية بين حماس وفتح.

وأشار إلى أن الدور المصري يُنظر إليه كعامل استقرار في السياق الإقليمي، وذلك لمنع توسع الأزمات الأمنية، وضبط التأثيرات على الحدود.

ومن ناحية أخرى، نشر "تشاتام هاوس" تحليلًا آخر في 17 سبتمبر 2025، يتناول كيف أن مصر ترى إسرائيل كخطر وشيك، وتأثير ذلك على إستراتيجيتها بما فيها ملف غزة.

وأوضح التقرير أن مصر تُدرك حجم الخطر المحتمل إذا توسّعت الحرب، أو إذا تغيّرت الأوضاع في غزة بشكل يفوق قدرة الضبط.

وذهب تحليل خبراء تشاتم هاوس إلى أن الوساطة المصرية تُستخدم كأداة دفاعية وإستراتيجية لتجنّب التورّط المباشر، وضمان أن المسار السياسي والدبلوماسي يظل مهيمنًا.

ومن ناحية أخرى، في خضم الحرب الدائرة في غزة، فقد برزت المخابرات العامة المصرية كأحد أهم الفاعلين الإقليميين في إدارة الأزمة والتوصل إلى تفاهمات بين الأطراف المتصارعة.

وفي الوقت نفسه، بفضل موقعها الجغرافي وصلاتها التاريخية مع كل من إسرائيل والفصائل الفلسطينية، أصبحت القاهرة، ممثلة بجهاز المخابرات العامة، الوسيط الأكثر قبولًا وثقة في المعادلة المعقدة للحرب. وقد انطلق هذا الدور من إدراك مصري عميق بأن استمرار القتال أو انهيار الأوضاع الإنسانية في القطاع يشكل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي، خاصة في سيناء. ومن ثمّ، عملت المخابرات على إدارة مفاوضات دقيقة لوقف إطلاق النار، وضمان مرور المساعدات الإنسانية، وترتيب صفقات تبادل الأسرى، في تنسيق وثيق مع الولايات المتحدة وإسرائيل والأطراف الفلسطينية. كما تجاوز الدور المصري الطابع الأمني التقليدي، ليأخذ بعدًا سياسيًا وإستراتيجيًا يهدف إلى بلورة رؤية لما بعد الحرب، تشمل إعادة إعمار غزة وإصلاح البنية السياسية الفلسطينية. وبهذا المعنى، أصبحت المخابرات العامة المصرية الركيزة المركزية لأي تسوية ممكنة، تجمع بين أدوات العمل الاستخباراتي والدبلوماسي لتثبيت الاستقرار وحماية المصالح المصرية والإقليمية في آنٍ واحد.

وقبل القمة وخلال جلسات شرم الشيخ برزت أدوار مهمة للمخابرات المصرية، فقد ظهرت قوات مصرية خاصة أحاطت بـخليل الحية، قائد حركة حماس ورئيس وفد الحركة في مفاوضات شرم الشيخ لتوفير الحماية له، خلال مشاهد تليفزيونية، ما أثار انتباه العديد من المصريين.

ويبقى أن بصمة مصر تظهر في المنعطفات الخطرة في تاريخ المنطقة، وهو ما تجلى بترحيب ترامب بالدعوة للمشاركة في الاحتفال التاريخي لتوقيع اتفاق غزة، مشيرًا إلى سعادته بزيارة مصر لأنها دولة يكن لها كل الاعتزاز والتقدير.

وتأكيد ويتكوف أن "ما تحقق سيمهد لمرحلة جديدة في العلاقات بين مصر والولايات المتحدة"، لافتًا إلى "ضرورة الإقرار بالشراكة التي تمت على أرض الواقع، والتي أتاحت لهذه المفاوضات أن تصل إلى خاتمة ناجحة".

وبالرغم من حرص مؤسسات الظل المصرية أن تعمل في صمت، لكن هناك تقدير دولي متزايد لها وللمؤسسات المصرية العريقة.

وفي الوقت نفسه، كشفت الفترة الأخيرة عن أدوار صعبة ومضنية للقيادة المصرية، ساهمت بقوة في ترسيخ حقوق الفلسطينيين، وقدرة هائلة على ضبط النفس، والرقص مع الذئاب، واللعب مع الكبار.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: