حكايات من الواقع: أعيش لحنا حزينا!

13-10-2025 | 15:27
حكايات من الواقع أعيش لحنا حزيناأرشيفية
خالد حسن النقيب

ربما كنت أعيش فى عالم آخر غير الذى أرانى فيه، أو ربما روحى لا تتوافق مع ما يدور حولى من مجريات..

موضوعات مقترحة

كلما كنت أفكر فى حالى أجدنى غريبة الأطوار لا أشبه أحدا من الناس أتعايش الدنيا بما أراه مناسبا لأفكارى و شخصيتى فكل صاحباتى فى الجامعة يرين أنى معقدة ولدت فى زمن سحيق وضللت طريقى إلى عالمهن، يعتقدن أن حبى للفلسفة و دراستى لها بتعمق شديد سيؤدى بى يوما إلى مستشفى الأمراض العقلية من كثرة التعقيدات فى حياتى وكأن عازفا يلعب على أوتار عوده منفردا عن الفرقة الموسيقية فهم يتناغمون فرحة و بهجة وأنا أعيش لحنا حزينا أبكيه ويبكينى وفى الحقيقة لديهن بعض الحق فروحى بالفعل قاتمة وهذا قد يرجع لنشأتى حيث ولدت يتيمة، قبل أن أرى الدنيا مات والدى وأنا فى رحم أمى ولم يكن لى أشقاء غير أن أمى زهدت الحياة من أجلى فكنا شقيقتين أكثر من كونها أمى و أنا ابنتها ومنذ وعيت حياتى تستهوينى القصص والروايات والكتابات الفلسفية حتى أنى أقدمت على دراسة الفلسفة بكلية الآداب و لا أفكر فى الارتباط بشكل تقليدى فالرجل بالنسبة لى لابد أن يشبه والدى رغم أنى لم أره لكننى أحتفظ له بصورة إلى جوار فراشى كما أن أمى لا حديث لها معى إلا عنه و كيف هى تحبه و تراه الرجل الوحيد فى هذا العالم و تجاوزت طفولتى وارتسمت ملامح والدى و شخصيته فى خيالى نموذجا للرجل الذى أريد و ينفتح له قلبى وحتى فى هذا لم يكن تفكيرى مثل كل البنات فى اختيار الشاب الوسيم الثرى من يزلل كل العقبات.

كل ما كان يهمنى هى أحاسيسى تجاهه و بالفعل التقيت هذا الشخص ورأيت أنه يشبه والدى أو أننى من أحسست بذلك ولكنه كان يكبرنى بأكثر من عشرين عاما وكان متزوجا ولديه أطفال من زوجته السابقة و مع هذا أحسست أنه مناسب جدا واتجهت بمشاعرى نحوه ولكن أمى رفضته وثارت على ثورة عارمة فأنا من وجهة نظرها أدفن نفسى بالحياة و أن المستقبل أمامى فاتحا لى ذراعيه وما يجبرنى على الارتباط برجل يكبر فى السن والدى رحمه الله وفشلت أن أقنعها بأنى لا أميل إلى فكرة الارتباط بشاب صغير وأرى أن هذا الرجل الذى تقدم لى ناضج فى فكره ووعيه والأحاسيس والمشاعر عنده لها طابع خاص مفعم بالحنان.

قالت لى إن واحدا من أقربائها شاب متميز ناجح فى عمله وأمامه مستقبل كبير يريدنى وتراه الأنسب لى و لكنى رفضته كما رفضت هى الرجل الذى أحببت وتجمدت العلاقة بيننا وأصبحت قاتمة إلى حد انعكس على حياتها وحياتى باكتئاب نختنق له ويحيط روحينا كالسوار المحكم أو قيد حديدى لا فكاك منه. لست أدرى ماذا أفعل هل أسترضى أمى وأقبل بما تريد وأتزوج زواجا تقليديا تتحول حياتى معه إلى أيام رتيبة مملة ولا أفقد رضاها عنى أم أتمسك بحريتى فى اختيار من أحب والرجل الذى أرتبط به وأرى سعادتى معه ؟

صديقاتى يرين أنى معقدة وأن أمى تحاول ضبط حياتى و أنى أنا من أوقع نفسى فى براثن الاكتئاب وأن من يعزف منفردا كالحيوان الذى يشذ عن القطيع يضل الطريق و لا يهتدى إليه أبدا .

س. ن

ترفقى بروحك يا ابنتى ولا تحمليها ما لا تطيق وانا معك فى حق اختياراتك فى الحياة وأؤمن أن كل فتاة مقبلة على الحياة مكتملة الإرادة ناضجة الوعى من حقها أن تختار لنفسها بكامل حريتها من يشاركها مشاعرها وحياتها المستقبلية ولكن لابد وأن تستند هذه الحرية إلى منطق عاقل تسانده التجارب وخبرة الحياة ويتجسد ذلك فى مسئولية الآباء تجاه أولادهم وكيف يرشدونهم ويمهدون لهم الطريق فى الاختيار الصحيح بلا إجبار أو قسوة.

 

وهنا يا ابنتى لا تغفلى دور أمك فى حياتك فهى لكى ناصحة أمينة لا تبتغى غير سعادتك ومن قال إنك فقدت رضاها ومضطرة لقبول ما لا ترغبين فيه حتى لا تخسريها، يا ابنتى ليس هناك أب أو أم يغلق قلبه على أبنائه مهما صدر منهم فهذه طبيعة الآباء و لكن لك أن تتريثى فى أشياء كثيرة مما تعتقدين وتضفى على حياتك قتامة واكتئابا أنت أصغر من أن تقعى فريسة لهما واعلمى أن معرفة الأسباب تؤدى إلى النتائج فانت مفتقدة دور الأب فى حياتك ويبدو أن أما بمفردها وبكل حبها وحنانها لم تستطع أن تملأ فراغ الأب فى حياتك فما أن تحركت مشاعر الأنثى بداخلك حتى اتجهت بطفولية مازالت تتملكك نحو رجل يحمل مواصفات الأب بديلا عن والدك الذى رحل دون أن تريه وهنا يكمن الوهم الذى تعيشينه حبا فبمجرد أن يتم زواج غير متكافئ كهذا ستعيشين فى تعاسة أبدية وفى يقينى أن أمك تخشى عليك من هذا المصير. لست ضد حريتك ولا ذلك الطابع الخاص الذى اتسمت به شخصيتك واخترتيه لنفسك ولا ضد اختيارك للرجل الذى ترينه مناسبا ولكنى أوجهك للضوابط المفترض تستندى إليها فى قراراتك و لعل اختيار أمك لك أيضا قد لا يكون موفقا فالأزمة ليست مفاضلة بين رجل يكبرك وآخر يصغره ولكنها بداخلك فأزمتك الحقيقية هى تعلقك بصورة أب رحل تريدين إعادة إنتاجها فى صورة زوج يحمل ملامح أب والمفترض باعتبارك دارسة للفلسفة ومحبة لها أن تعى ذلك وتدركى أنك أسيرة لأحاسيس مفتقدة جعلت منك منطوية على نفسك تعيشين فى ماض رحل ولابد أن تنظرى للأمام فالمستقبل بالفعل أمامك وأمر الزواج يا ابنتى وضع الله سبحانه وتعالى له ضوابط قرآنية عدة منها قوله فى سورة البقرة «وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِى أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِى أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235) صدق الله العظيم.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة