يعاني كثيرون من الشعور المزعج بحرقة المعدة أو ما يُعرف بـالحموضة، وهي من أكثر المشكلات الهضمية شيوعًا بعد تناول وجبة دسمة أو مشروبات منبّهة. وغالبًا ما تُعتبر عرضًا عابرًا يمكن السيطرة عليه ببعض التغييرات الغذائية أو الأدوية البسيطة، لكن ما لا يدركه البعض أن تكرار الحموضة أو استمرارها لفترات طويلة قد يكون مؤشرًا على أمراض خطيرة مثل ارتجاع المريء أو التهابات المعدة أو حتى مشكلات أعمق في الجهاز الهضمي.
موضوعات مقترحة
في هذا التقرير، نرصد متى تصبح الحموضة إنذارًا لا يجب تجاهله، وما العلامات التي تستدعي زيارة الطبيب فورًا.
الحموضة المعوية
أكد الدكتور محمد فتح الله، استشاري أمراض الجهاز الهضمي والمناظير، أن الحموضة المعوية التي يعاني منها كثيرون بشكل عرضي قد تتحول إلى "مرض خطير يهدد الحياة" إذا تم إهمالها، مشدداً على ضرورة الانتباه لعدد من العلامات التحذيرية التي تستدعي التدخل الطبي الفوري لتجنب المضاعفات الجسيمة التي قد تصل إلى الإصابة بسرطان المريء.
الارتجاع المستمر هو نقطة التحول والتشخيص
وقال الدكتور فتح الله، إن نقطة التحول الرئيسية من الحموضة العرضية إلى المرض المزمن تتمثل في "تكرار الشعور بحرقة المعدة لأكثر من مرتين أسبوعياً لمدة عدة أسابيع"، موضحاً أن هذا التكرار يعني في الغالب الإصابة بمرض الارتجاع المعدي المريئي (GERD). وأضاف أن الارتجاع يحدث نتيجة لضعف العضلة العاصرة السفلية للمريء، وهي صمام عضلي مهم، مما يسمح للأحماض بالتسرب والصعود بشكل متكرر إلى المريء، وهو العضو غير المهيأ لتحمل الحمض القوي للمعدة.
العلامات الحمراء التي لا يمكن التهاون بها
وأشار إلى أن هناك علامات يطلق عليها الأطباء "العلامات الحمراء" لا يمكن التهاون بها، وتستوجب زيارة الطبيب على الفور، لأنها تدل على وصول الحموضة لمرحلة متقدمة وتسببها في تلف هيكلي داخل المريء. وأوضح أن هذه العلامات تشمل " صعوبة في البلع (عسر البلع)؛ حيث تعد هذه إشارة خطيرة قد تدل على تضيُّق المريء (نتيجة تكون أنسجة ندبية) أو التهاب شديد، ما يعيق مرور الطعام"، مضيفا فقدان الوزن المفاجئ وغير المبرر، ويحدث ذلك غالباً بسبب ضعف الشهية أو تجنب الطعام خوفاً من تفاقم الألم أو وجود مشكلة أعمق.
حموضة المعدة
وتابع أن القيء الدموي أو البراز الأسود (القطراني)، وهي علامات واضحة لحدوث نزيف في الجهاز الهضمي نتيجة تقرحات المريء أو المعدة، وتستلزم تدخلاً طبياً عاجلاً، موضحا ، ألم الصدر الشديد المصحوب بأعراض أخرى رغم أن حرقة المعدة نفسها تسبب ألماً في الصدر، إلا أن الألم الشديد المصحوب بضيق التنفس أو امتداد الألم للذراع أو الفك يجب التعامل معه فوراً كاحتمالية لنوبة قلبية.
وأضاف أن السعال المزمن أو بحة الصوت المستمرة ناتجة عن وصول الحمض إلى الحلق والأحبال الصوتية، وقد تتفاقم إلى مشاكل تنفسية كالربو المتكرر.
اقرأ أيضًا:
أطعمة لمكافحة ارتجاع المريء وأخرى سبب له
طبيبة تقدم نصائح لتجنب تكوين حصوات بالكلى وكيفية التخلص من القديمة
المضاعفات الجسيمة من القرحة إلى "مريء باريت"
واستكمل الاستشاري حديثه محذراً من المضاعفات التي تنتج عن إهمال الارتجاع المزمن، والتي تبدأ بالتهاب المريء. وأفاد بأن التعرض المستمر للحمض يعمل على تآكل بطانة المريء، مما يؤدي إلى التهاب وتقرحات المريء، والتي قد تتطور إلى نزيف داخلي. وتضيُّق المريء، بفعل النسيج الندبي الذي يتكون كآلية دفاعية، مما يجعل البلع صعباً ومؤلماً.
وأضاف استشاري الجهاز الهضمي، أن أخطر المضاعفات هي حالة "مريء باريت". وشرح هذه الحالة بأنها تغيير في نوع الخلايا المبطنة للجزء السفلي من المريء، حيث تتحول الخلايا الطبيعية إلى خلايا تشبه بطانة الأمعاء الدقيقة، نتيجة محاولة الجسم التأقلم مع الحمض المتكرر. وأكد أن هذه التغييرات تُعتبر "حالة سابقة للتسرطن (Precancerous Condition)"، وتزيد من خطر الإصابة بسرطان المريء بشكل كبير.
حموضة المعدة
طرق العلاج تبدأ من المطبخ وتصل إلى الجراحة
وفيما يتعلق بالعلاج، أشار استشاري الجهاز الهضمي، إلى أن خطة العلاج تتدرج وتبدأ بتعديلات نمط الحياة. ودعا المرضى إلى إنقاص الوزن، حيث إن السمنة تزيد الضغط داخل البطن وتفاقم الارتجاع، منوهًا بضرورة تجنب الوجبات الدسمة مع الحرص على تناول الطعام قبل النوم، يجب الانتظار 2-3 ساعات على الأقل بعد الأكل قبل الاستلقاء. كذلك تجنب المحفزات، مثل الأطعمة الحارة، المقلية، الشوكولاتة، النعناع، الكافيين والكحول.
حموضة المعدة
مضادات الحموضة لتقليل الحمض
وأوضح أن العلاج الدوائي يشمل مضادات الحموضة لتقليل الحمض، وحاصرات مستقبلات H2، لكن العلاج الأكثر فعالية هو مثبطات مضخة البروتون (PPIs)، التي تعمل على تقليل إنتاج الحمض بشكل قوي. واستطرد بالقول إنه في حالة فشل العلاج الدوائي أو وجود مضاعفات خطيرة كالفتق الحجابي الواضح، قد يلجأ الأطباء إلى التدخل الجراحي لتقوية الصمام العضلي في المريء (مثل عملية تثنية القاع).
حموضة المعدة
واختتم الدكتور محمد فتح الله، داعياً إلى اعتبار الحموضة المزمنة ليست مجرد إزعاج، بل "جرس إنذار حقيقي" يطلقه الجسم. وشدد على أن التشخيص المبكر لحالة الارتجاع وعلاجها الصحيح هو المفتاح لتجنب التطورات الخطيرة كـ "مريء باريت" وسرطان المريء، مؤكداً أن "الصحة تبدأ من الانتباه لرسائل الجسم".
موضوعات قد تهمك:
عادات يومية تدمر الكبد في صمت.. تجنبها فورًا
فاكهة تسعد القلب والدماغ.. هل تعلم ماذا يحدث لجسمك عند تناول موزة يوميًا؟