كشفت البعثة الأثرية المصرية العاملة بموقع تل الخروبة الأثري في منطقة الشيخ زويد بشمال سيناء عن قلعة عسكرية من عصر الدولة الحديثة، تُعد واحدة من أكبر وأهم القلاع المكتشفة على طريق حورس الحربي، وتقع بالقرب من ساحل البحر المتوسط.
يُعد هذا الكشف الأثري إضافة جديدة تؤكد روعة التخطيط العسكري لملوك الدولة الحديثة، الذين شيدوا سلسلة من القلاع والتحصينات الدفاعية لحماية حدود مصر الشرقية وتأمين أهم الطرق الاستراتيجية التي ربطت مصر القديمة بفلسطين، حيث أظهر الكشف روعة التخطيط ومجتمع متكامل للجنود ،خلاف الأحجار البركانية التى نقلت من اليونان.
طريق حورس الحربي
يؤكد الأثريون أن طريق حورس الحربي، وضعه الأجداد لحماية حدود مصر الشرقية، وهو ذات الطريق الذي أستخدمه الجندى والعسكري المصري لتحرير سيناء فى انتصارات أكتوبر المجيدة.
وبدوره يقول الدكتور محمود حامد الحصري، أستاذ الآثار بجامعة الوادي الجديد لـ"بوابة الأهرام"، إنه تمتلك شمال سيناء عدة مواقع أثرية هي: تل القنطرة شرق - تل أبو صيفي - مجموعة تلال حبوة (ثارو) - تل البرج - تل الغابة - تل الكدوة - تل الحير - تل الفرما (بيلوزيوم) - بئر العبد (تل الدراويش) - تل قصراويت - تل الخوينات - تل السويدات - تل الفلوسيات (الفلوسية)- تل الخروبة - تل الشيخ زويد - تل المخزن - منطقة عين القديرات - تل المضبعة - العريش - رفح - تل قبر عمير - طريق حورس الحربي - مواقع أثرية أخرى.
ويضيف الحصري، أن ملوك الأسرة الثامنة عشر قد أدركوا بعد محنة الهكسوس في غزو البلاد، أنه لابد من تأمين حدود مصر، وإشعار الدول المجاورة بأن مصر قادرة على الدفاع عن حدودها، ولم يعد لسيناء مجرد الدور الاقتصادي المتمثل في التجارة عبر أراضيها، أو في استغلال مناجمها ومحاجرها، وإنما أصبح مُحتمًا أن تلعب دورًا عسكريًا يتناسب مع ما يجري على مسرح الأحداث في منطقة الشرق القديم.
ومع زحف الجيوش المصرية لتكوين إمبراطورية مترامية الأطراف، ولهذا ظهر ذلك الطريق الشهير الذي يُعرف بـ"طريق حورس الحربي"، والذي سهّل كثيرًا من تحركات الجيش المصري، وظلت سيناء تلعب دورها كجزء من أرض مصر طوال العصور المتأخرة، وبين الحين والآخر كان الجيش المصري يجتاز سيناء للتعامل مع الدول المجاورة إذا ما فكرت في الاعتداء على مصر.
تاريخيا، تم استيطان سيناء منذ العصر الحجري القديم الأعلى، فضلاً عن شواهد الاستيطان في العصر الحجري الحديث، والعصر الحجري النحاسي والعصر البرونزي، وخلال عهد الدولة القديمة كانت سيناء جزءا لا يتجزأ من المملكة المصرية في وادي النيل والدلتا، حيث لعبت سيناء في ذلك التاريخ دوراً مهما كما يتضح من النقوش الأثرية
ويوضح الحصري، أن أسماء سيناء القديمة، كما أوردت النصوص المصرية القديمة، كالآتي:(تا مفكات)، أي: (أرض الفيروز)، و(ختيو مفكات)، أي: (مدرجات الفيروز) و(ﭽو مفكات)، أي: (جبل الفيروز)، و(خاست مفكات)، أي، (صحراء الفيروز)، كما عرفت باسم (تا شسمت)، أي: (أرض المعدن الأخضر)، أما اسم سيناء فهو مشتق من اسم إله القمر لدى الساميين، الإله (سين)، وقد قامت عدة بعثات هامة بالكشف والتنقيب عن الفيروز في هذه المنطقة.
كشف أثري فريد
وأشار شريف فتحي وزير السياحة والآثار، إلى أن هذا الكشف يُعد تجسيد ملموس لعبقرية المصري القديم في بناء منظومة دفاعية متكاملة لحماية أرض مصر، ويروي فصولًا جديدة من تاريخنا العسكري العريق، ويعزز من مكانة سيناء كأرض تحمل شواهد حضارية فريدة على مر العصور.
وأوضح الدكتور محمد إسماعيل خالد الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، أن الكشف عن هذه القلعة الضخمة يُعد خطوة مهمة في إعادة بناء الصورة الكاملة لشبكة التحصينات المصرية على الحدود الشرقية خلال الدولة الحديثة، مضيفاً أن كل قلعة نكتشفها تضيف لبنة جديدة لفهمنا للتنظيم العسكري والدفاعي لمصر الفرعونية، وتؤكد أن الحضارة المصرية لم تقتصر على المعابد والمقابر فقط، بل كانت دولة مؤسسات قوية قادرة على حماية أرضها وحدودها.
وأضاف أن أعمال الحفائر أسفرت عن الكشف عن جزء من السور الجنوبي للقلعة بطول نحو 105 أمتار وعرض 2.5 متر، يتوسطه مدخل فرعي بعرض 2.20 متر، بالإضافة إلى أحد عشر برجًا دفاعيًا تم الكشف عنهم حتى الآن. كما تم الكشف عن البرج الشمالي الغربي وجزء من السورين الشمالي والغربي، حيث واجهت البعثة تحديات كبيرة بسبب الكثبان الرملية المتحركة التي غطّت أجزاء واسعة من الموقع.
ومن جانبة قال محمد عبد البديع رئيس قطاع الآثار المصرية، أن البعثة كشفت أيضاً عن سور زجزاجي بطول 75 مترًا في الجانب الغربي من القلعة، يقسمها من الشمال إلى الجنوب ويحيط بمنطقة سكنية خُصصت للجنود، وهو تصميم معماري مميز في عصر الدولة الحديثة يعكس قدرة المعماري المصري القديم على التكيف مع البيئة القاسية.
وتم العثور كذلك على كسرات وأوانٍ فخارية متنوعة، بينها ودائع أساس أسفل أحد الأبراج ترجع إلى النصف الأول من عصر الأسرة الثامنة عشرة، بالإضافة إلى يد إناء مختومة باسم الملك تحتمس الأول. كما وُجدت كميات من أحجار بركانية يُرجح أنها نُقلت عبر البحر من براكين جزر اليونان، إلى جانب فرن كبير لإعداد الخبز وبجواره كميات من العجين المتحجر، ما يؤكد أن القلعة كانت مركزًا متكاملًا للحياة اليومية للجنود.
وأوضح الدكتور هشام حسين رئيس إدارة مركزية لاثار الوجه البحري، أن الدراسات الأولية أثبتت أن القلعة شهدت عدة مراحل من الترميم والتعديل عبر العصور، منها تعديل في تصميم المدخل الجنوبي أكثر من مرة، في حين تأمل البعثة استكمال أعمال الحفائر للكشف عن بقية الأسوار والمنشآت المرتبطة بها، ومن المتوقع العثور على الميناء العسكري الذي كان يخدم القلعة في المنطقة القريبة من الساحل.
وأضاف أن مساحة القلعة الجديدة تبلغ نحو 8000 متر مربع، أي ما يعادل ثلاثة أضعاف مساحة القلعة التي تم اكتشافها بالموقع نفسه في ثمانينيات القرن الماضي، والتي تقع على بعد نحو 700 متر جنوب غرب القلعة الحالية. وتُعد هذه القلعة إضافة جديدة لسلسلة من القلاع العسكرية المكتشفة على طريق حورس الحربي، من أبرزها تل حبوة، وتل البرج، والتل الأبيض، وجميعها تعود إلى عصر الدولة الحديثة.
كشف أثري جديد في سيناء
كشف أثري جديد في سيناء
كشف أثري جديد في سيناء
كشف أثري جديد في سيناء
كشف أثري جديد في سيناء
كشف أثري جديد في سيناء
كشف أثري جديد في سيناء
كشف أثري جديد في سيناء
كشف أثري جديد في سيناء