لم أختر أن يكون في حياتي شخص نرجسي... لكنه كان دائمًا هناك، حاضرًا، يفرض وجوده وسيطرته على كل شيء. هو ليس فقط شخصًا صعبًا أو حساسًا... بل شخص يرى نفسه مركز الكون، ويرى الآخرين مجرد أدوات تدور حوله.
منذ طفولتي، كنت أتعلم أن أراقب مزاجه قبل أن أتنفس بحرية. إذا كان غاضبًا، فعليَّ أن أصمت. إذا كان سعيدًا، فعليَّ أن أبتسم حتى لو كنت أبكي من الداخل. تعلمت أن أعيش على إيقاعه، لا على إيقاع نفسي. لم يكن يسمح لي أن أكون كما أنا، بل كما يريد هو أن أكون.
النرجسي لا يرى أحدًا سواه... كل شيء يدور حوله: احتياجاته، مشاعره، كلماته، نجاحه. أما أنا؟ فأنا دائمًا في الظل. إن تحدثت عن وجعي، اتهمني بالمبالغة. إن اعترضت، اتهمني بالعقوق أو قلة التقدير. وإن صمتُّ، استغلّ صمتي ليقول إنني "راضٍ" أو "لا أملك الحق في الكلام".
أصعب ما في التعامل مع شخص نرجسي ليس تصرفاته فقط... بل شعورك المستمر بالذنب حتى وأنت المظلوم. هو يعرف كيف يقلب الطاولة ببراعة. إن جرحك، قال إنك حساس. وإن واجهته، اتهمك بأنك لا تفهمه. وإن حاولت الابتعاد قليلاً لتحمي نفسك، جعل الجميع يراك المخطئ. هو لا يكتفي بتدميرك داخليًا، بل يحاول أن يُقنع العالم أن كل شيء على ما يرام... وأن المشكلة فيك.
لقد عشت سنوات وأنا أحاول أن أرضيه، أن أثبت له أنني لست سيئًا كما يصفني. كنت أتراجع عن أحلامي حتى لا يُغضبه نجاحي. كنت أخفي حزني حتى لا يقول إنني "درامي". كنت أخاف من كل كلمة... من كل نظرة.
تلك الكلمات تعبر عن شعور أي شخص في حياته نرجسي، سواء كان أبًا، أو أمًا، أو زوجًا. فالنرجسي لا يحبك... بل يحب السيطرة عليك. يحب أن يشعر أنه الأقوى، حتى لو كان ذلك على حساب كرامتك. يحب أن يرى نفسه في عيونك عظيماً، ولا يحتمل أن يرى فيك إنسانًا مستقلاً أو قويًا.
أصعب اللحظات هي عندما تشعر أنك تفقد نفسك دون أن تُغادر مكانك. أن تعيش بالقرب من شخص يراك امتدادًا له، لا إنسانًا له كيان مستقل.
هذا الشخص لن يتغير. النرجسي لا يرى خطأه، ولا يشعر بالذنب، ولا يفكر فيك كما تفكر فيه. التغيير الوحيد الممكن هو أن تضع حدودًا. أن تتوقف عن محاولة إصلاح ما لا يُصلَح. أن تختار نفسك، حتى لو كان الثمن القسوة من جانبه.
النجاة من تأثير الشخص النرجسي لا تعني بالضرورة الابتعاد الجسدي فقط، بل الانفصال النفسي والوجداني عنه. أن تتوقف عن البحث عن رضاه... وتبدأ في منح نفسك ما حُرمت منه: التقدير، والاحترام، والحرية.