.. وكأن القدر أراد أن تكون زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المرتقبة لمصر خلال الساعات القادمة، وحضور قمة للتوقيع على اتفاق شرم الشيخ للسلام بحضور الرئيس السيسي في حد ذاتها تجسيدًا لنصر جديد لمصر في شهر الانتصارات.. وشهادة أمام العالم على قوة الإرادة المصرية التي لم ولن تنكسر أمام أي قوة في العالم.
نعم، هو انتصار مصري بامتياز في معركة تهجير الفلسطينيين من غزة إلى سيناء وتصفية القضية الفلسطينية برمتها، ذلك المخطط الذي تبناه الرئيس الأمريكي منذ دخوله البيت الأبيض في يناير الماضي، ولكن مصر وترابها وحدودها يشهد التاريخ أنها عصية على الغزاة والطامعين منذ كانت الدنيا.
البداية كانت في الخامس من فبراير الماضي، وبعد 21 يومًا فقط من تولي الرئيس ترامب مهام عمله كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية، حيث استقبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالبيت الأبيض، وخلال مؤتمر صحفي مشترك أعلن الرئيس ترامب: أنه وفريقه "يناقشون إمكان إعادة توطين أهل غزة في الأردن ومصر ودول أخرى في المنطقة"، معتبرًا أن غزة لم تعد صالحة للحياة، وستقوم الولايات المتحدة بتحويلها إلى ريفيرا.
ثم تلا ذلك لقاؤه مع الملك عبدالله الثاني ملك الأردن، وتحديدًا يوم الحادي عشر من فبراير، أي بعد نحو أسبوع من لقاء نتنياهو، وجدد الرئيس الأمريكي طرح مخططه قائلًا: سيتم منح الفلسطينيين أرضًا في الأردن ومصر للعيش فيها، بل وذهب إلى التهديد بقطع المساعدات عن مصر والأردن في حال إن رفضتا!! وبالتوازي، تلقف اليمين المتطرف في إسرائيل هذه التصريحات وأصبحت أساسًا للسردية الإسرائيلية في التعامل مع غزة، بل قامت المؤسسة العسكرية ببناء خططها على أساس الاحتلال الكامل للقطاع ودفع السكان للنزوح تجاه سيناء.
في المقابل، كان الخط الأحمر الذي رسمه الرئيس السيسي منذ اليوم الأول لحرب غزة واضحًا حاسمًا، مهما كانت الضغوط أو تضاعفت الإغراءات، بل زاد موقف مصر إلى الحد الذي دفع الرئيس السيسي إلى رفض زيارة الولايات المتحدة، ولم تكتف مصر بذلك، فقامت باتخاذ إجراءات ضد إسرائيل، حتى أن الرئيس السيسي في كلمته أمام القمة العربية الإسلامية بالدوحة حذر من أن استمرار الأوضاع في غزة يهدد اتفاقيات السلام مع إسرائيل، في إشارة إلى معاهدة كامب ديفيد للسلام التي وقعتها مصر مع إسرائيل برعاية أمريكية.
لم تكتف مصر بذلك، بل قادت تحركًا دوليًا واسعًا لحشد كبرى الدول مثل فرنسا وبريطانيا وكندا وأستراليا وغيرها للاعتراف بالدولة الفلسطينية، وهو ما حدث بالفعل، ورفع عدد الدول التي اعترفت إلى 152 دولة، وهو ما أحرج الولايات المتحدة التي فوجئت بتسونامي دولي لدعم القضية الفلسطينية، حتى أن ترامب اعترف بأنه أبلغ نتنياهو أنه لا يستطيع أن يحارب العالم الذي بات يدعم القضية الفلسطينية، ولعل ذلك ما دفع الرئيس ترامب بالإسراع إلى طرح ما سُمي بـ"خطة ترامب لإحلال السلام بالشرق الأوسط" المتضمنة 20 نقطة، وتعترف بحق الفلسطينيين في العيش على أرضهم دون تهجير، وهو الهدف الأسمى الذي دافعت عنه مصر، مع وقف نهائي ودائم للحرب.
والحقيقة أن خطة الرئيس ترامب للسلام هي استنساخ للخطة المصرية التي طرحتها قبل نحو عام لإنهاء النزاع، لكن أطماع إسرائيل ورهانها الخاسر على الانتصار جعلها تفسد الخطة وتذهب للاستمرار في حرب الإبادة التي تقوم بها منذ عامين، وانتهت بعزلة دولية لهذا الكيان المحتل.
الخلاصة أن الرئيس الأمريكي يحل على مصر الأبية اليوم ضيفًا ليوقع اتفاق السلام، وانهارت المخططات التوسعية إلى رمال سيناء التي ارتوت بدماء شهداء أطهار عاهدوا الله على الشهادة من أجل الحفاظ على تراب الوطن.
ليجعل الرئيس الأمريكي اليوم بداية جديدة لإحلال السلام الحقيقي في منطقة الشرق الأوسط، سلام قائم على العدالة وإقرار الحقوق بعيدًا عن الأطماع التوسعية والهيمنة وغطرسة القوة.
الرئيس الأمريكي الذي يتمنى جائزة نوبل للسلام عليه أن يعترف بحق الشعب الفلسطيني في أرضه وإقامة دولته المستقلة، فهو الشعب الذي يرزح تحت الاحتلال والقتل والإبادة منذ 80 عامًا، وعليه أيضًا أن يخاطب الشعب الإسرائيلي عبر الكنيست ويقول لهم الحقيقة أن ما تقوم به حكومتهم هي جرائم ضد الإنسانية، وأنهم دولة محتلة لأرض غيرهم وعليهم الخروج منها، وأن أحلامهم المدفوعة بغيبيات تلمودية وتفسيرات توراتية زائفة لن تجلب لهم السلام على أرض محتلة، وحماس هي تجسيد لفكرة المقاومة التي نصت عليها القوانين والمواثيق الدولية، فإن تفككت حماس اليوم أو غدًا، ففكرة المقاومة لن تتفكك وستخرج أجيال جديدة تقاوم المحتل.
وفي الختام .. "تحيا مصر" وقيادتها التي فرضت السلام وجعلت كلمة مصر في المنطقة هي العليا.
حفظ الله مصر وجيشها العظيم.
[email protected]