الجونة في مهمة إعادة سينما شابة

12-10-2025 | 14:57

منذ أن بدأت المهرجانات السينمائية تضطلع بمهمة دعم المشاريع الفنية، أخذ عدد الأفلام ذات المستوى الرفيع في التزايد. وأعتقد أن ما يقوم به مهرجان الجونة السينمائي من دعم لتلك المشاريع يسهم إلى حد كبير في أن تتضمن عروضه السنوية أفلامًا من هذا النوع.

ويؤكد عمرو منسي، المدير التنفيذي للمهرجان، أن الدورة الثامنة تبني على ما تحقق خلال العامين الأخيرين، وتمثل اختبارًا حقيقيًا لبداية جديدة تعزز حضور المهرجان الدولي كمنصة رئيسية لدعم صناعة السينما العربية، مشيرًا إلى أن المهرجان يحتفي هذا العام بشكل واضح بنتائج جهوده في دعم الصناعة.

فبالإضافة إلى فوز أحد المشاريع المدعومة من "سيني جونة" بجائزة "فاينال كات" في مهرجان فينيسيا، اختير نحو أربعة عشر فيلمًا لصناع مصريين وعرب تلقوا دعمًا من المهرجان في سنوات مختلفة، للمشاركة في كبرى المهرجانات الدولية مثل: برلين، فينيسيا، كان، تورنتو، صندانس، روتردام، كوبنهاجن وغيرها.

ويعكس ذلك ثقة الجهات المانحة والداعمة – من شركات إنتاج، وما بعد الإنتاج، والتوزيع – في أن الدعم الذي يقدمونه يذهب إلى أفلام تمتلك مستقبلًا حقيقيًا، وأن هذا الدعم يمثل إسهامًا فعليًا في خروج هذه الأفلام إلى النور. وقد ظهر هذا التأثير بوضوح خلال العامين الماضيين على وجه الخصوص.

وهنا تكمن أهمية أن يكون المهرجان داعمًا للحراك السينمائي، لا مجرد كرنفال أو سجادة حمراء. فالمهرجان الحقيقي هو الذي يصنع مستقبلًا للسينما؛ فكلما دعم مشروعًا، ظهرت نتائجه في الدورات التالية. فقد كانت مشكلة كثير من المهرجانات المصرية -لا تزال- هي قلة الإنتاج المصري، إلى حد أن بعض المهرجانات تُقام دون وجود أفلام مصرية ضمن مسابقاتها.

ومع تبني فكرة دعم المشاريع، يضمن المهرجان امتلاكه لأفلام حصرية تشكل رصيدًا خاصًا به، تُعرض لاحقًا في مسابقاته، كما هو الحال في المشروعات التي دعمها مهرجان الجونة في دوراته السابقة.

وما أتمناه هو أن يُخصَّص هذا الدعم للشباب وللسينما المستقلة، التي يتقدم أصحابها لنيل الدعم. وهذا ما يؤكده عمرو منسي بقوله: «من أبرز نقاط قوة مهرجان الجونة أننا نعتمد على جيل من الشباب المتحمس، كثير منهم قادم من داخل صناعة السينما نفسها، ولديهم شغف حقيقي بالمجال الذي يعملون فيه. هذه الطاقة والأفكار الجديدة التي يقدمونها تخلق روحًا مختلفة تميزنا عن أي مهرجان آخر. نحن نصغي إليهم ونعطيهم مساحة، وهذا عنصر حيوي في ديناميكية الفريق».

وتكتمل دائرة الاعتماد على الشباب بأن يكون المهرجان داعمًا لتجاربهم؛ لأن دعم المهرجانات في مجال الإنتاج السينمائي يحقق نتائج مبهرة. فقد كان لصناديق الدعم التي سبقت الجونة، وما زالت تعمل مثل مؤسسة الدوحة للأفلام، دورٌ مهم في تعزيز مكانة الفيلم العربي والعالمي في المهرجانات الدولية.

وأظن أن مهرجان الجونة، بما يمتلكه من رؤية واضحة وأفكار مدروسة لدى القائمين عليه، سيكون له خلال السنوات القادمة حضور قوي في المشهد السينمائي العالمي، من خلال دعمه لتجارب خاصة، كما حدث خلال الدورتين السابقتين والدورة الحالية.

ويتضح ذلك من خلال ما أشار إليه المدير التنفيذي من وجود إرادة حقيقية داخل المهرجان لتبنّي خطوة جديدة على صعيد الصناعة، عبر إنشاء نموذج دعم يلبّي تطلعات صنَّاع الأفلام، ويتماشى في الوقت نفسه مع آليات العمل السائدة في المنطقة، القائمة على تنوع فرص الدعم وابتكار أشكال أكثر استدامة، مثل: معمل الأفلام الذي يتابع تطوير مشروعات السينما من الفكرة إلى التوزيع، وصندوق الدعم القادر على المساهمة الفعلية في إنتاج الأفلام من خلال زيادة قيمة الدعم الإنتاجي ومتابعة تطور المشاريع، إلى جانب تنظيم ورش مستمرة طوال العام، واكتشاف مشاريع أفلام جديدة بدل الاكتفاء بدعم المشاريع التي تلقت تمويلًا سابقًا من جهات أخرى.

إن هذه الرؤية هي التي تصنع للمهرجانات قاعدة قوية لبناء مستقبل أفضل للسينما، بعيدًا عن فكرة المهرجانات التي تكتفي بالتباهي بتكريمات وسجادات حمراء وخضراء وصفراء. فالمهرجان الحقيقي هو الذي يُسهم في دعم الصناعة السينمائية وتطويرها، لا ما يكتفي بالمظاهر الاحتفالية.

كلمات البحث
الأكثر قراءة