رسالة السلام فرصة أخيرة للأسر المشتتة

12-10-2025 | 14:45

في 4 أكتوبر، احتفلت كوريا الجنوبية بيوم لم شمل الأسر المشتتة، الموافق ليوم 13 من الشهر الثامن في التقويم القمري الكوري. ومن حسن الطالع أن الاحتفال بالمناسبة هذا العام جاء مع حلول أهم أعياد كوريا، وهو: عيد الحصاد، تشوسوك.

مآسي الأسر الكورية المشتتة نتجت عن تقسيم شبه الجزيرة، حيث تشتت أكثر من مليون شخص، وتفرقوا عن أسرهم -بدون قصد أو تخطيط- عقب حرب أهلية طاحنة، 1950-1953.

والآن، باتت قضية لم الشمل إنسانية وبالغة التعقيد، تشمل نحو 134 ألف شخص، لم يتبق منهم على قيد الحياة سوى 36 ألفًا، وتلوح الآمال لحلها سريعًا، وبعيدًا عن السياسة، في ضوء رسالة الجنوب السلمية الأخيرة.

تشوسوك هو أهم أعياد كوريا، ويُجرى الاحتفال به في الشطرين، وجرت العادة -في السنوات السابقة وحتى عام 2018 - أن تنظم سول وبيونج يانج برامج لـلم شمل العائلات المشتتة بهذه المناسبة، بلغت 21 جولة منذ القمة التاريخية بين زعيمي الكوريتين عام 2000، وجمعت أكثر من 20 ألفًا من الكوريين الذين فرقتهم الحرب.

خلال لقائه الأخير -بموقع مُطِلّ على كوريا الشمالية- مع كبار السن الذين فروا إلى الجنوب في أثناء الحرب، يقول رئيس كوريا الجنوبية، لي جيه-ميونج: "أعتقد أن السماح للأسر المشتتة بالتأكد من أن أقاربها على قيد الحياة، أو على الأقل تبادل الرسائل، هو مسئولية الدوائر السياسية في الكوريتين، وأود أن أبلغ الشمال أنني أرغب في أن يفكروا في ذلك على أسس إنسانية، حتى لو كنا في مواجهة وصراع وتنافس عسكريًا وسياسيًا، فهذه الإجراءات ضرورية جدًا من الناحية الإنسانية".

صرح الرئيس لي بأنه من الأفضل أن يسمح للعائلات الكورية المشتتة بالالتقاء والعيش معًا، واعترف -صراحة- بأن العلاقات الحالية بين الكوريتين هي عدائية للغاية، لدرجة أن إمكانية التقدم -المأمول والمفاجئ- نحو لم الشمل غير مرجح، وقال: "أشعر بالذنب لأن كل هذا بسبب تقصير السياسيين مثلي"، مضيفًا أنه سيبذل قصارى جهده لتسريع اليوم الذي يمكن فيه للعائلات أن تلتقي مرة أخرى.

أول اتصال بين الكوريتين بعد التقسيم جرى في عام 1971. وقتها، اقترح الصليب الأحمر الجنوبي عقد اجتماع مع نظيره الشمالي لحل مشكلة الأسر المشتتة. وفي عام 1972، عقد الجانبان "اتفاقية الرابع من يوليو" التي اتفقا فيها على ثلاثة مبادئ، هي: الاستقلال، والسلام، وتعاون الطرفين. ولكنهما -رغم اتفاقهما على المبادئ- اختلفا حول طريقة تنفيذ رؤيتهما لحل قضية الأسر المشتتة، فلم يتم الأمر.

كانت كوريا الجنوبية تركز -في ذلك الوقت- على ضرورة الإسراع في تنفيذ جولات لم شمل الأسر المشتتة، والتأكد من عناوين المفقودين، وإذا كانوا على قيد الحياة.

أما الجانب الكوري الشمالي، فقد كانت نظرته سياسية - تعجيزية، حيث دعا الشطر الجنوبي لإلغاء قوانين الأمن الوطني، وكذلك، إلغاء النظام المُناوئ للشيوعية!!

هكذا انقطع الحوار بين الكوريتين رسميًا بعد عام 1973، ومضى الوقت صعبًا على الأسر الكورية المشتتة، التي كانت تتوق شوقًا إلى لم الشمل، واللقاءات بعد فراق.

المجتمع الكوري الجنوبي، المهموم بقضية لم شمل الأسر المشتتة، وجد ضالته في متابعة أحد البرامج الإعلامية، بعنوان: البحث عن الأسر المشتتة الضائعين، الذي جرى بثه في عام 1983، بمناسبة مرور 30 عامًا على عقد الهدنة بين الكوريتين.

وقت بث البرنامج كانت مظاهر الحياة تتوقف تمامًا في كوريا، ويذهب كل أفراد الأسر لمشاهدة الحلقات، حتى لو لم يكونوا من الأسر المشتتة في الأساس، وتعلو أصوات بكائهم، ويتمنون من أعماق قلوبهم أن تجتمع الأسر المشتتة من جديد.

استمر بث البرنامج لمدة 138 يومًا متتاليًا، ومن بين أكثر من مائة ألف مقدم طلب للبحث عن أفراد أسرته الضائعين، نجح 10 آلاف كوري تقريبًا في لم الشمل بأفراد أسرته. وفي 2015، جرى تسجيل البرنامج ضمن التراث العالمي لليونسكو.

في عام 1985، وبعد مرور 40 عامًا على إعلان الاستقلال وتقسيم شبه الجزيرة الكورية، جرى ترتيب أول جولة لـلم شمل الأسر المشتتة بين الكوريتين، لتصبح نقطة تحول تاريخية، سبقتها تبادلات مهمة لفرق فنية بعاصمتي الجنوب والشمال.

نتيجة للتوتر في العلاقات بين الكوريتين بعد عام 1985، توقفت جولات لم شمل الأسر الكورية المشتتة حتى 1998، حينما قام رئيس شركة هيونداي بقيادة قطيع من الأبقار، وعبر بها نقطة الهدنة الحدودية في بان مون جوم إلى كوريا الشمالية.

في عام 2000، انعقدت أول قمة بين الكوريتين، جمعت الرئيس كيم ديه-جونج والزعيم كيم جونج-إيل، واتفق الجانبان على حل مشكلة الأسر الكورية المشتتة، ضمن التعاون الثنائي الفعلي لإنهاء آثار الحرب الباردة في شبه الجزيرة الكورية.

شهدت السنوات التالية للقمة الأولى بين الكوريتين طفرة في جولات لم شمل الأسر المشتتة، وتوقفت ثانية، بسبب التوتر الناتج عن التجارب النووية والصاروخية الشمالية. وفي شهر أبريل 2018، عادت لقاءات الأسر المشتتة، غير أنها لم تستمر طويلًا، وتوقفت نهائيًا بعد القمة الأمريكية-الكورية الشمالية في هانوي عام 2019.

يوم عيد الحصاد الكوري، تشوسوك، يتحول - في حقيقة الأمر - ليوم مشحون بتقليب مواجع الأسر الكورية المشتتة، وتحديدًا لكبار السن منهم، الذين تتجاوز أعمارهم 80 عامًا فأكثر، ويمثلون نسبة 66.5% من إجمالي أفراد العائلات الكورية المنفصلة، ولم يتبق أمامهم الكثير من الوقت للانتظار، ويخشون أن يموتوا قبل مقابلة ذويهم في الجانب الآخر، أو حتى معرفة ما إذا كانوا على قيد الحياة.

مشكلة لم شمل الأسر الكورية المشتتة تزداد تعقيدًا مع مرور الوقت، ليس فقط بسبب وفاة أفرادها من كبار السن، ولكن - أيضًا - بسبب الزيادة المستمرة في عدد الكوريين الفارين من الشمال للجنوب، ليزيد عدد الأسر المشتتة بين الكوريتين.

منذ توليه منصبه في شهر يونيو الماضي، يسعى الرئيس الجنوبي لي لإصلاح العلاقات المتوترة بين الكوريتين، لكن التوترات لا تزال مرتفعة في شبه الجزيرة الكورية المنقسمة؛ كما أن الزعيم الشمالي كيم جونج-أون استبعد إجراء محادثات مع الجنوب، ووصف العلاقات بين الكوريتين بأنها علاقات بين دولتين متعاديتين!

[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: