وُصف بأنه مؤرخ أكاديمي عراقي تخصص في التاريخ الإسلامي والأندلسي، وعُرف بأبحاثه الدقيقة والحيادية، وباهتمامه الشديد بحضارة الأندلس ودورها الحضاري والثقافي في ربط العالم الإسلامي والغربي، وكان شغوفًا بالمسلمين المورسكيين ومصائرهم في الفردوس المفقود.. إنه الرائد الأندلسي الدكتور عبد الرحمن حجي.
موضوعات مقترحة
نشأته وتعليمه
وُلد المؤرخ العراقي الدكتور عبد الرحمن علي الحجي عام 1935م في قضاء المقدادية بمحافظة ديالى شرقي العراق، في عائلة فلاحية بسيطة، لكن الطفل الصغير كان عصاميًا ومكافحًا لأبعد الحدود، حيث عمل في المزارع والحقول خلال صباه وواصل تعليمه في مدارس المقدادية بالعراق.
انتقل عبد الرحمن حجي للدراسة في مصر، وحصل على شهادة الليسانس في اللغة العربية وآدابها والدراسات الإسلامية من كلية دار العلوم بجامعة القاهرة، وتابع دراساته العليا في التاريخ بجامعة كومبلوتنسي بمدريد، حيث تخصص في التاريخ الإسلامي والأندلسي، وتناولت أطروحة الدكتوراه لديه الإنجازات السياسية والعلمية للحكام المسلمين في إسبانيا.
د. عبد الرحمن حجي
مسيرته المهنية والأكاديمية
يعد الدكتور عبد الرحمن حجي من الركائز الأساسية في دراسات التاريخ الأندلسي، وله عشرات المؤلفات في هذا المجال، وكان له دور بارز في التعريف بالتاريخ الأندلسي بصورة حقيقية وحيادية وبكل دقة ووضوح.
لُقب الدكتور عبد الرحمن الحجي بشيخ المؤرخين الأندلسيين؛ لأنه أول من بدأ الدراسات الأندلسية في العراق، شغل مناصب علمية في عدة جامعات، بما في ذلك كونه من مؤسسي جامعة الإمارات العربية المتحدة، وعميدًا لكلية العلوم الإنسانية بها.
سماته الأكاديمية
عُرف الدكتور عبد الرحمن حجي بأبحاثه العميقة في التاريخ الإسلامي خاصة تاريخ الأندلس، حيث كتب عن هذا التاريخ من الفتح إلى السقوط، ويُنظر إليه كأحد الركائز الأساسية في دراسات التاريخ الأندلسي، وكتب بصورة حقيقية وحيادية ودقيقة.
أظهر جرأة ملحوظة في مواجهة الشُبهات التي ألصقت بالتاريخ الإسلامي، مواجهة مسلحة بالدليل العلمي وكانت دراسته للتاريخ والأمم نابعة من رؤية إسلامية تقوم على الاعتبار والتدبر والنظر في مآلات الأحداث.
يُعتبر "شيخ المؤرخين الأندلسيين" في العراق؛ لأنه أول من بدأ الدراسات الأندلسية هناك، وأرسى منهجا يعتمد على الاعتبار في قراءة التاريخ وكان شغوفًا بتاريخ الأندلس ويعتبر سقوطها محطة حضارية كبرى لتحقيق الوعي بأهمية الاعتبار في التاريخ.
ساهم في تأسيس جامعات ووضع المناهج الدراسية في مواد التاريخ والاجتماعيات، ودرّس في عدة جامعات عربية، وفقًا لـ التبراة، ملأ فراغًا كبيرًا في الدراسات الأندلسية، وأصبح كتابه "التاريخ الأندلسي من الفتح الإسلامي حتى سقوط غرناطة" مقررًا دراسيًا هامًا.
د. عبد الرحمن حجي
أسباب حب الحجي لتاريخ الأندلس
1- الأهمية الأندلس الحضارية، حيث اعتبر حجي الأندلس نموذجًا إسلاميًا حضاريًا استوعب العلوم والفنون والآداب ورعى الإنسان والطبيعة.
2- رأى في تاريخ الأندلس محطة كبرى للوعي والاعتبار، مستلهمًا من القرآن الكريم الذي يهدف إلى تدبر قصص الأمم السابقة لأخذ العبر.
3- واجه الحجي الشبهات التي أُثيرت حول تاريخ الأندلس بالأدلة العلمية، مواجهًا جرأة المستشرقين.
4- كان يرى في قضية الأندلس تشابهًا مع قضية فلسطين المعاصرة في أهميتها العاطفية والسياسية.
5- العشق الشخصي للأندلس وزارها لأول مرة للدراسة عام 1959م، واستقر بها في التسعينيات حتى وافته المنية، وتم دفنه في مقابر المسلمين بها.
6- يعد عبد الرحمن الحجي من الركائز الأساسية في دراسات التاريخ الأندلسي، حيث بدأ بكتابة دراسات حقيقية وحيادية عن تاريخ الأندلس من الفتح إلى السقوط، وله مؤلفات عديدة في التاريخ الأندلسي الاجتماعي والسياسي والاقتصادي.
مميزات أسلوب الدكتور عبد الرحمن حجي في الكتابة التاريخية
- الربط بين الحدث التاريخي والسياق الاجتماعي والديني و يربط حجي بين كتاباته التاريخية والسياقات الاجتماعية والدينية، مركزًا على أهمية رحلات الحج وتأثيرها على الثقافة.
- تجسيد الروح الإنسانية في الكتابة و تظهر أعماله اهتمامًا بالأبعاد الإنسانية والاجتماعية، حيث يعكس ذلك في إهداءات كتبه التي تدل على تقديره للآخرين.
- التواصل مع مختلف الأجيال لم يقصر الحجي على الكتابة الأكاديمية بل امتد تواصله ليشمل الأجيال الجديدة من خلال مخاطبتهم بلغاتهم ووسائلهم، مثل الفيديوهات القصيرة التي يتناول فيها قضايا تاريخية وثقافية.
- اهتمامه بتاريخ الأندلس والحضارة الإسلامية كان الحجي شغوفًا بالأندلس وعشق تاريخها وحضارتها، ويظهر ذلك جليًا في كتاباته التي تتناول قضايا الأندلس والحضارة الإسلامية بصفة عامة.
- التوثيق التاريخي ساهم بشكل كبير في توثيق الرحلات الحجازية وما رافقها من تعبيرات وأحداث وأنماط سلوك تعكس ثقافة الحجاج وتفاعلاتهم.
مؤلفات د. عبد الرحمن حجي
فلسفة التاريخ عند الدكتور عبد الرحمن حجي
- تكمن في إيمانه بأهمية دراسة التاريخ لإحياء الأمة ونهضتها، حيث يرى التاريخ وسيلة لبعث روح الحضارة الإسلامية وتعريف الأجيال بتاريخها العريق، وخاصة تاريخ الأندلس، الذي يعتبره جزءاً مهماً من هوية الأمة الإسلامية ومرآة لحضارتها.
- يؤمن حجي بأن دراسة التاريخ لها دور حيوي في إحياء الأمة وإعادة بنائها من جديد، وأنها وسيلة لبعث روح النهوض بالحضارة الإسلامية، .
- يعتبر تاريخ الأندلس جزءاً أساسياً من تاريخ الأمة وحضارتها، ويُعرف في العراق بفردوس الأندلس المفقود.
- سعى حجي جاهداً لإحياء تاريخ الأمة والتعريف بحضارتها المنسية، مؤكداً على أهمية تلك الحقبة كنموذج للحضارة الإنسانية التي أثرت في المشرق والمغرب وأوروبا.
- التأصيل لمنهجية التاريخ من خلال جمع وتحليل المؤلفات التاريخية لتحديد منهجية الكتابة التاريخية ودوافعها لدى المؤرخ، مع التركيز على القضايا الأساسية في تناول التاريخ الأندلسي.
- سعى الحجي في كتاباته إلى تقديم صورة حقيقية وحيادية ودقيقة لتاريخ الأندلس، مع تناول جوانبه الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
مواجهة تشويه التاريخ الإسلامي
واجه الدكتور عبد الرحمن حجى موجات التشويه التي مورست على التاريخ الإسلامي، واعتمد على مصادر تاريخية أصيلة وموثوقة عند مراجعة أعماله، فقدم الأدلة التاريخية التي تدعم وجهة نظره، مع الإشارة إلى الوثائق والنصوص التي تتحدى حججه.
حلل الدكتور عبد الرحمن حجي السياقات التي استند إليها المستشرقون بشكل موضوعي، مع تحديد المفاهيم المغلوطة والتناقضات المحتملة في تفسيراته للتاريخ، وقارن آرائه مع آراء مؤرخين آخرين في التاريخ الإسلامي لفهم أبعاد القضية وتقديم رؤية شاملة.
ركز الدكتور عبد الرحمن حجي على المصادر الأصلية، ودعم تحليلاته بالإشارة إلى المصادر التاريخية الأصلية، واستغل الدراسات الأكاديمية المتخصصة في التاريخ الإسلامي والأندلسي، والتي تقدم تحليلات معمقة للموضوع.
مؤلفات د. عبد الرحمن حجي
إسهاماته العلمية
عُرف الحجي بجهوده الكبيرة في حقل الدراسات التاريخية الأندلسية، فألف وحقق وترجم الكثير من الأعمال التي أصبحت فيما بعد مرجعا هامًا للعديد من الباحثين في الدراسات الأندلسية.
وأضاف الدكتور عبدالرحمن الحجي إلى المكتبة العربية العديد من المؤلفات تشمل علي مجموعة واسعة من الكتب التاريخية المتخصصة في تاريخ الأندلس والأدبية..
1-مؤلفات في التاريخ الأندلسي:
- الحضارة الإسلامية في الأندلس: أسسها، ميادينها، تأثيرها على الحضارة الأوروبية
- هجرة علماء الأندلس لدى سقوط غرناطة (ظروفها وآثارها)
- التاريخ الأندلسي من الفتح الإسلامي حتى سقوط غرناطة:
- جغرافية الأندلس وأوروبا.
ـ العلاقات الدبلوماسية بين الأندلس وبيزنطة.
- مختصر التاريخ الأندلسي.
- ابن زيدون.. السفير الوسيط.
- صعود وسقوط الأندلس.
- العصر الذهبي لقرطبة.
- إسبانيا الإسلامية: مساهمتها في العلوم والثقافة.
2-مؤلفات أدبية ونقدية:
- كشف النقاب عن أخلاق الشباب.
- قصيدة تهذيبية إسلامية.
- شعر العلماء في الأندلس.
- تحقيق شرح بحرق الكبير للامية الأفعال.
- أضواء على الحضارة والتراث
- الإشارات والبشارات النبوية.
أما دُرة ما تركه الدكتور عبد الرحمن حجي من تحقيق للتراث الأندلسي، فهو تحقيقه لكتاب "المقتبس في أخبار بلد الأندلس" لشيخ مؤرخي الأندلس ابن حيان القرطبي، ويُغطي هذا السفر من أسفار كتاب المقتبس، الأعوام ما بين سنتي 360 إلى 364هـ، خلال عصر الخليفة الأموي الحكم المستنصر.
كما قام بتحقيق ودراسة للنص الجغرافي المتعلق بالأندلس وأوروبا من كتاب: "المسالك والممالك"، للجغرافي الأندلسي الكبير أبو عُـبَيْد البكري (عبد الله ابن عبد العزيز406-487هـ)، وظهر هذا النص تحت عنوان: جغرافيـــة الأندلـس وأوروبا.
مؤلفات د. عبد الرحمن حجي
سماته كأستاذ أكاديمي
كان الدكتور عبد الرحمن الحجي يهتم بالمادة والعناية بالطلبة وكان مُحبًا لمادته التدريسية لدى طلبته بفضل حسن أدائه وخلقه الكريم، وقدرته على تطمينهم، وقد قلد الكثيرون طريقته في التدريس والتعامل مع الطلبة.
كان يستقبل الجميع بصدر رحب، ولو لمن لم يكن من طلابه، حسب وصف صديقه نادر بن وثير.
وفاته
توفي الدكتور عبد الرحمن علي الحجي في مدريد بإسبانيا في 18 يناير 2021م، الموافق 5 جمادى الآخرة 1442هـ، بسبب أزمة قلبية عن عمر يناهز 86 عامًا.
د. سليمان عباس البياضي
عضو اتحاد المؤرخين العرب
مؤلفات د. عبد الرحمن حجي
الدكتور سليمان عباس البياضي