اهتز الشرق الأوسط وارتجفت غزة فرحا.
على وقع مشروع الرئيس الأمريكى ترامب، الذى قدم مشروعه الذى دخل تاريخ الصراع العربى - الفلسطينى من باب واسع، بتقديم إحدى وعشرين نقطة تشكل «خريطة طريق»، وإطارا للخروج من حالة الحرب التى أطفأت شمعتها الثانية» فى الأيام الأولى للمبادرة الأمريكية، كانت غزة ترقص على أنغام أن الحرب سوف تتوقف بعد طول معاناة، وبعد تدمير القطاع ومدنه، وجعل غزة مدينة للأشباح والأنقاض، بلا مستشفيات وبلا تعليم وبلا مأوى، وبلغت الخسائر أرقاما قياسية للمجزرة المستمرة التى اهتزت لها الدنيا.
وإذا كان المنظور السياسى الأمريكى جديدا، فقد كان قبول الطرفين المتحاربين «إسرائيل وحماس» رسالة أكثر من خطيرة.
أوضحت أهمية منطقة الشرق الأوسط وحيويتها للعالم وللولايات المتحدة، كما أثبتت قدرة ترامب على التأثير فى مجرى عملية عسكرية، ثبت أنه لا يمكن إنهاؤها بالضربة القاضية، رغم قوة آلة الحرب العسكرية الإسرائيلية، أو بالاستسلام، رغم ضعف حماس وانهيار غزة، ومشتملاتها بتدمير فاق الوصف.
اختلفت صورة المنطقة بالكامل بعد عامين على الحرب الطويلة الأولى فى الشرق الأوسط، بين الإسرائيليين والفلسطينيين، لم يسبق أن استمرت فى الحروب الممتدة حرب بهذه التكلفة أو الخطورة على الطرفين، بحيث انتقلت من مسرح إلى مسارح بل امتدت إلى أكثر من 7 جبهات عسكرية عربية وإقليمية، تمكنت فيها إسرائيل من تحقيق أهداف كثيرة، كان يصعب حصرها فى عامين.
المشروع الأمريكى حدث يعتبر جوهريا فى المنطقة العربية، لأنه فتح الباب إلى تسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ولا يمكن إغفال أن المشروع وضع حدا لكل الأفكار الأمريكية والإسرائيلية التى كانت ترمى إلى إعادة احتلال قطاع غزة والاستيطان.
الإدارة الدولية والعربية للرئيس ترامب، ورئيس الوزراء البريطانى الأسبق تونى بلير، قطعت الطريق أمام المستوطنين بإعادة الاعتراف بفلسطين وغزة، وإنهاء أراض لا يمكن ضمها لإسرائيل، والأهم أنها جزء من الضفة الغربية التى سبق أن تعهد الرئيس الأمريكى بعدم ضمها لإسرائيل، أى إننا لأول مرة، هناك اعتراف أمريكى وتمهيد إسرائيلى بالأراضى الفلسطينية التى هى جزء من الدولة المرتقبة، التى اعترف بها العالم، وأصبحت حقيقة فى الجمعية العامة الثمانين للأمم المتحدة، بل الأهم كذلك تقويض المشروع الإسرائيلى الرامى إلى تهجير الفلسطينيين، خصوصا فى غزة والضفة الغربية، لتخلو كل أراضى فلسطين من الفلسطينيين، وبالتالى تنتهى فرص قيام دولتهم الآن على أرض الواقع، والخروج من الحرب لم يكن سهلا على الإطلاق، وقبول الأطراف المتشددة والمتطرفة التى وجدت ملاذها وطموحاتها فى إشعال الحرب وإبادة الفلسطينيين بلا نهاية، لم يكن تلجيمها سهلا، لكن الإمبراطور ترامب فعلها وفرض خطته، متوعدا الكل بالجحيم، خصوصا حماس وبتأنيب إسرائيل إلى حد التلويح بأزماتها المتعدة.
لكننا لا يمكن أن ننسى أو نتناسى أن كل دول الشرق الأوسط ساعدت فى القبول والتمهيد بإنهاء هذه المرحلة قبل إطفاء شمعة السنة الثانية، وبالقطع كان للدور المصرى والسعودى والإماراتى، سهم بارز فى بدء خطوات إنهاء الحرب فى غزة.
حماس الجديدة مطالبة بمراجعات جذرية لمسارها فى الأعوام الماضية، وأن تتحول إلى فصيل سياسى، يساعد على قيام الدولة الفلسطينية، وأن تندمج فى منظمة التحرير الفلسطينية، وتكون جزءا من المشروع المستقبلى وليس قوة خارجة عليه، أو معوقة أو تقف ضد طموحات وآمال الفلسطينيين فى دولة مرتقبة.
نتوقع معركة قاسية، سياسية ودبلوماسية، لكننا ندعو إلى خطة تستبق المشروع السياسى، لأن 2.5 مليون نسمة يحتاجون لكل شىء، فهم بلا مأوى ومأكل، وحياتهم يشوبها الضياع، بل إن هناك أكثر من 200 ألف طفل، وأكثر من 2500 أسرة حذفت من السجلات المدنية، وسوف نكتشف خلال الأيام المقبلة أن أرقام الضحايا والمصابين أكبر، بل أضعاف ما استطاعت السجلات المدنية الفلسطينية تسجيلها بمناسبة عامين على الحرب، وهى فى حد ذاتها مفجعة، وجعلت العالم كله يقف مشدوها أمام الجنون والإبادة والتحطيم الذى شمل غزة فى الحرب الأخيرة 2023 - 2025.
نحن أمام صورة لم يستطع أى إنسان أن يراها إلا وشعر بأن من فعلوها، خرجوا عن نطاق إنسانيتهم وبشريتهم، وانضموا إلى عالم الغاب والحيوانات والافتراس، بل تفوقوا على النازية والفاشية.