أخيرًا، وبعد عامين من المعاناة والحرب الطاحنة، يُفتح باب أمل واسع أمام الفلسطينيين في غزة لينعموا بالسلام والاستقرار والحياة الآمنة، في أعقاب التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في القطاع، إثر مفاوضات ومشاورات جرت في مدينة شرم الشيخ، أرض السلام ومهد الحوار والتقارب.
وبمنتهى التجرد والإنصاف، ما كان لهذا الاتفاق أن يبصر النور لولا الجهود المكثفة والحثيثة من جانب مصر والرئيس السيسي، الذي كان له موقف واضح وثابت منذ اللحظات الأولى لبدء إسرائيل عملياتها العسكرية الغاشمة على غزة، وإعلانه الحاسم والمبكر رفض مصر القاطع والبات لتهجير الفلسطينيين من أرضهم، ومحاولات تل أبيب المستميتة لتصفية القضية الفلسطينية.
لقد كانت مصر وقيادتها السياسية، ولا تزال، سندًا وداعمًا قويًا للقضية الفلسطينية، ولحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولة قابلة للحياة، وأن ينفض عن كاهله إلى الأبد عبء الاحتلال الإسرائيلي الجاثم على صدره.
تلك -يا سادة- هي مصر، قلب العروبة النابض، التي لم تلتفت إلى اتهامات الصغار والموتورين والحاقدين بعدم مساندتها للفلسطينيين في محنتهم منذ هجمات السابع من أكتوبر، أو ادعاء إغلاقها معبر رفح في وجوههم، وهو المعبر الذي لم يُغلق من جهة السلطات المصرية، بل أغلقه الجيش الإسرائيلي، وهو ما أكدته الأحداث واعترف به الإسرائيليون لاحقًا.
فمصر تنتصر على الدوام لحق الشعوب في تقرير مصيرها، وتساند الضعفاء والمظلومين المغلوب على أمرهم، الذين يعانون من أبشع صنوف وألوان الاحتلال، متمثلًا في الاحتلال الإسرائيلي الذي سعى على مدى العامين الماضيين لإبادة شعبٍ كل جريمته مطالبته بحقه العادل والمشروع في التحرر من المحتل، وأن تتوقف آلة القتل الإسرائيلية التي تطارده صباحًا ومساءً، وتسعى لإبادته.
تلك هي مصر التي تنتصر للسلام والاستقرار، لا للحرب وغرور القوة والبطش إلى أقصى مدى، استنادًا إلى مزاعم وحجج واهية، مثلما تفعل إسرائيل التي سيطرت على قياداتها شهوة سفك دماء الأبرياء من الفلسطينيين، وتخريب حياتهم، وتحويل مدنهم إلى كتل من الدمار والخراب غير الصالحة للعيش في ربوعها وجنباتها.
وتركت إسرائيل الحبل على الغارب لليمين المتطرف ليصول ويجول منتهكًا حرمة المسجد الأقصى، ويعتدي ويستولي على ممتلكات الفلسطينيين، ويجاهر بحتمية ووجوب محو غزة من على وجه الأرض، ولا يقر أو يعترف أصلًا بحقهم في الحياة.
إنها مصر، صاحبة التاريخ والحضارة العريقة، التي تنتصر لصوت العقل والرشد والاتزان، لا للاندفاع والعنتريات الجوفاء، وتحسن استخدام أدواتها ومهاراتها الدبلوماسية إلى أبعد الحدود، وهو ما بدا واضحًا وجليًّا في التحركات المصرية مع دول العالم والمنظمات والهيئات الدولية، وكان لها آثارها الإيجابية والسريعة في الحشد الدولي لمناصرة ودعم القضية الفلسطينية، وشاهدنا ذلك خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الماضي، التي أسفرت عن اعتراف العديد من الدول الكبرى بالدولة الفلسطينية.
إنها مصر التي تعرف جيدًا كيف توقف كل مَن يفكر في الاقتراب بأذى من مصالحها العليا وأمنها القومي، ولديها من الوسائل والإمكانات ما يجعلها قادرة على ردعه وتلقينه درسًا لن ينساه أبد الدهر، فهي قوية، وتحدد متى وأين تُظهر مواطن قوتها، ولا تأبه، شعبًا وقيادة، لما تتعرض له من ضغوط لتبديل مواقفها.
إنها مصر التي لا تعرف التلون في مواقفها حيال الأزمات الإقليمية والدولية، وتتعامل بنزاهة وشرف على الساحة العالمية في زمن لا يعترف بهذه الصفات والسمات النبيلة.
إن الكرة الآن في ملعب الولايات المتحدة، التي بادر رئيسها دونالد ترامب بطرح خطة للسلام في غزة، ومعها إسرائيل، لإنهاء مأساة غزة المروعة وإغلاق صفحتها المخضبة بدماء وآلام الآلاف، التي ستظل ذكراها الأليمة والمخيفة ماثلة أمام عيون من عاصرها ومَن سيأتي بعدهم.
فتحية إعزاز وتقدير لمصر وقيادتها السياسية على جهدهم الجبار لإغاثة أهل غزة، والوقوف إلى جوارهم، ووقف نزيف الدم الفلسطيني، وإحلال السلام والاستقرار.
وسنبقى دائمًا وأبدًا نردد: تحيا مصر.