ماذا قد يتمنى المرء أن يُكتب عنه بعد وفاته؟ أقصد في النعي، إن كان محظوظًا وكُتبَ له نعيًا!
لا شك أن الأمر سوف يختلف تمامًا حسب الشخص الذي يتولى الكتابة. هناك من سوف يكتب على مضض لهذا البائس الراحل "كلمتين وبس"، معروفون، ولا لوم عليهم؛ لأن هناك من لو أعطيته فوق عمرك ألف عمر، فلن تجد منه تقديرًا ولا عرفانًا. وهناك من سوف يقتله الحزن وتباعد الدموع بينه وبين الكلمات، أعلمهم أيضًا ولا أتمنى أن يكتبوا شيئًا؛ فلا أريد لهم مزيدًا من الدموع حزنًا على فراقي.
إذن، من سوف يكتب النعي؟ يا الله... أين ذهبت الأسماء!
حسنًا، سوف أحاول أن أنعى نفسي بنفسي، وأوصي من سوف يكتب أن يستعين بكلماتي؛ فقد تكون هي الأقرب إلى قلبي.
أتذكر أن اسم "أيوب" قد التصق بي فترة ليست قصيرة من بعض الزملاء الذين رأوني صابرًا أمام المحن، أو هكذا كانوا يقولون، ولطالما أحببت هذا الوصف. لكن كيف نكتب ذلك في النعي؟ هل نقول: توفي إلى رحمة الله الدكتور الصبور؟ أم الدكتور "أيوب"؟ أم من كان رمزًا للصبر في المحن؟ لا أدري.
وجدتها... الكثيرون تعجبهم ابتسامتي وتعاملي مع الأمور ببساطة، حتى عند تناولي للمادة العلمية في محاضراتي. بل هناك من يبحث عني إذا مَرِضَ لأجالسه وأخفف عنه. إذن، فلتكتبوا: مات خفيف الظل، أو مات أبو ضحكة حلوة...
ما هذا؟ ماذا أقول؟ هل جُنِنت؟ لم نرَ نعيًا بهذا الشكل من قبل. لكنني هذا الشخص بالفعل! أنا كل ما سبق... إذا لم نكتب تلك الحقائق المرتبطة بي، فماذا نكتب؟
حسنًا، اكتبوا ما يلي: مات من لم يتنازل عن مبدئه وتمسك به، وعانى في سبيله المرار الطافح. اكتبوا: بالورقة والقلم ضربته الدنيا مائة قلم. هذا كلام أشهد الله على صحته؛ لم يتنازل في يوم عن مبدأ، ليس في العمل فقط، لكن حتى وهو يلعب الطاولة مع زملائه، إذا تحدث أحدهم: "إلعب كذا أو كذا"، كان يفعل العكس حتى لو خسر؛ لأنه لا يقبل أن يكسب بالغش أو بجهد آخرين. لكن كيف نكتبها هي الأخرى في النعي؟ ما أصعب نعيك يا إمام!
اكتبوا: مات حسام، مات من كانت لا تفارقه الابتسامة أينما ذهب، حتى ظنه الكثيرون يحيا بلا هموم. مات من كان يبتسم كل من يراه، وينتظرون منه أن يرسم على وجوههم الابتسامة، لدرجة أنه اعتبر ذلك مسؤولية، ما ذنب الآخرين في همومه ومشكلاته؟ هم اعتادوا رؤيته مبتسمًا طول الوقت، وهو لم يجد سبيلًا للتغلب على هموم الحياة سوى بالابتسامة، فكان يشعر بالموت يقترب منه كلما فارقته ابتسامته. ولقناعته أنها بالفعل مسئولية، درَّب نفسه على الفصل بين مشكلاته الخاصة وبين لقاء الآخرين وتطلعهم الدائم لابتسامته... لدرجة أبهرتهم.
مات، مات من لم ينظر إلى ما في يد غيره ولو مرة واحدة في حياته، عاش راضيًا ومات راضيًا، والحمد لله. وقد جزاه الله خيرًا على ذلك، لم يعطه كل شيء، لكن كتب له حظًا مقبولًا من كل شيء.
مات وهو ينظر إلى السماء حامدًا الله على نعمته، مات وهو يشعر أنه قد نال أكثر مما يستحق. لذلك كان لسانه دومًا ينطق بـ "الحمد لله". لم يكن للمال قيمة عنده، قليل أو كثير، فقد اعتاد أن يمد يده ليأخذ على قدر حاجته فقط مهما كثر المال بين يديه. كان أبوه يقول له دائمًا: "اللي في جيبك مش لك".
مات من خاف من الزواج حتى لا يكون زوجًا أو أبًا سيئًا، ولما تزوج حرص دومًا أن يكون زوجًا مخلصًا، معتبرًا الإخلاص هو قمة الاحترام والحب والتقدير لشريكة عمره. حاول أن يكون أبًا صديقًا لأبنائه، مرشدًا ودليلًا لهم دون إفراط أو تفريط. حاول أن يكون الأخ الكبير وألا يُفرط في الأمانة التي تركها له والديه. كانت تلك الأمور تؤرقه كثيرًا ويتمنى دومًا ألا يفارق الحياة إلا وقد بذل كل ما يستطيع في سبيل تحقيقها، وأشهد الله أنه قد فعل، أو حاول قدر استطاعته أن يفعل.
مات حسام، أراح واستراح...
شكر الله سعيكم...