من التوعية إلى العمل الفعّال: تسريع الاستجابة لمواجهة سرطان الثدي

8-10-2025 | 22:17
من التوعية إلى العمل الفعّال تسريع الاستجابة لمواجهة سرطان الثديمن التوعية إلى العمل الفعّال تسريع الاستجابة لمواجهة سرطان الثدي

كل خمس دقائق، يفقد العالم امرأة من الشرق الأوسط وأفريقيا بسبب سرطان الثدي. وأمام كل واحدة من بين 124,500 حالة وفاة سنويًا، هناك قصة أم أو أخت أو صديقة تُخلف غيابًا عميق الأثر في محيطها الاجتماعي والأسري. وإذا لم نتكاتف سريعًا وبحزم، فإن عدد الضحايا مرشح للتضاعف بحلول عام 2045، وهو ما يشكل تهديدًا جسيمًا لمنظوماتنا الصحية ويعصف بمستقبل الأجيال المقبلة.

موضوعات مقترحة

وفي شهر التوعية بسرطان الثدي، يجتمع وزراء الصحة من جميع أنحاء الشرق الأوسط في القاهرة لمناقشة أولويات المنطقة الصحية خلال الاجتماع السنوي للمكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط. ولأول مرة، وبفضل قيادة الحكومة المصرية، يتضمن جدول الأعمال جلسة مخصصة لسرطان الثدي، وهي فرصة تاريخية قد لا تتكرر لتغيير مسار المرض في منطقتنا وينبغي اغتنامها بكل السبل الممكنة.

شهد العالم خلال العقود الماضية قفزة نوعية في مجال مكافحة سرطان الثدي؛ فبفضل التقدم العلمي والتقني والتعاون متعدد القطاعات، تحسنت قدراتنا على التشخيص والعلاج بشكل جذري. وقد انعكس هذا النجاح بوضوح في الدول مرتفعة الدخل، حيث انخفضت معدلات الوفيات الناجمة عن المرض[i] بشكل ملحوظ. واليوم، تقع على عاتقنا مسؤولية سد هذه الفجوة ونقل هذه التجربة الناجحة إلى منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، عبر تضافر الجهود لخفض معدلات الوفيات السنوية بنسبة 2.5%، تحقيقاً للأهداف التي وضعتها منظمة الصحة العالمية[ii].

إن تحقيق هذا الهدف هو مسؤولية مشتركة تقع على كافة الأطراف المعنية، بما يشمل صناع القرار ومقدمي الخدمة الصحية والقطاع الخاص والمجتمع المدني. ويَستوجب إدراج سرطان الثدي ضمن أولويات برامج مكافحة السرطان الوطنية، إلى جانب تخصيص الموارد المالية الكافية لضمان التطبيق الفعلي. ومن الضروري أيضًا وضع أهداف زمنية محددة تضمن إنجاز التقييم والتشخيص في غضون ستين يومًا كحد أقصى، بما يتوافق مع معايير منظمة الصحة العالمية، مع العمل على توسيع نطاق إتاحة الفحص المبكر والعلاجات المبتكرة المصممة لكل مريضة. وهنا يأتي دور "نداء القاهرة للعمل من أجل النهوض بالإنصاف والابتكار في مجال رعاية مريضات السرطان"[iii]، الذي أُطلق مؤخراً كثمرة للتعاون بين مصر والمكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية، ليكون بمثابة البوصلة التي توجه هذه الجهود، عبر تقديمه خارطة طريق عملية ترتكز على ثلاث أولويات واضحة.

أولاً، الإرشاد الصحي والكشف المبكر. تعاني أكثر من نصف النساء في جميع أنحاء المنطقة من السمنة، ومعدلات قلة النشاط البدني بينهن هي الأعلى عالميًا. يتطلب التصدي لعوامل الخطر الرئيسية لسرطان الثدي الاستثمار في التثقيف والتوعية الصحية الموجهة والمتوافقة مع الثقافة المحلية. إلى جانب المخاطر الناتجة عن نمط الحياة، لا تزال المفاهيم الخاطئة والخوف من الكشف المبكر تحد من الإقبال على الفحص. من المُحزن العلم بأن مريضات سرطان الثدي يترددن في تلقي العلاج ويختبئن بعد التشخيص بسبب الوصمة الاجتماعية التي لا تزال مرتبطة بالمرض. تُعد التدخلات المجتمعية متعددة القطاعات مثل حملة "مش رحلتك لوحدك" في مصر، وحملة "غيري الحكاية" في الإمارات العربية المتحدة، أمرًا بالغ الأهمية لضمان وصول جميع النساء إلى المعلومات الأساسية وشعورهن بالدعم.

تتمثل الأولوية الأولى في تعزيز الإرشاد الصحي والكشف المبكر. إذ تعاني أكثر من نصف النساء في جميع أنحاء المنطقة من السمنة[iv]، ومعدلات قلة النشاط البدني[v] بينهن هي الأعلى عالميًا. ويتطلب التصدي لعوامل الخطر الرئيسية[vi] لسرطان الثدي الاستثمار في التثقيف والتوعية الصحية الموجهة والمتوافقة مع الثقافة المحلية. وإلى جانب المخاطر الناتجة عن نمط الحياة، لا تزال المفاهيم الخاطئة والخوف تقف عائقاً أمام الإقبال على الفحص المبكر[vii]. ومما يزيد الأمر حزناً، أن الوصمة الاجتماعية التي ما زالت تلاحق هذا المرض تدفع المريضات للتردد في تلقي العلاج والاختباء بعد التشخيص[viii]. وهنا، تبرز أهمية المبادرات المجتمعية الشاملة لمختلف القطاعات، مثل حملة "مش رحلتك لوحدك"[ix] في مصر، وحملة "غيري الحكاية"[x] في الإمارات، ليس فقط لضمان وصول النساء للمعلومات، بل ولخلق بيئة داعمة تشجعهن على طلب الرعاية دون خوف أو تردد.

ثانيًا، يجب أن تتكامل جهود الوقاية مع مساعٍ حثيثة لضمان تشخيص أسرع وفي مراحل مبكرة من المرض. ففي حين أن الكشف المبكر عن سرطان الثدي وعلاجه يحسّن معدلات النجاة بشكل كبير، إلا أن الأدلة تشير إلى أن المريضات في الشرق الأوسط قد ينتظرن ما بين ثلاثة إلى أربعة أشهر قبل التشخيص[xi]، وهو ما يضع منطقتنا في مصاف المناطق الأبطأ تشخيصاً للمرض على مستوى العالم. ولكن، من المثير للتفاؤل أن وجود مبادئ توجيهية واضحة للإحالة أثبت فعاليته في تحسين النتائج في المملكة العربية السعودية[xii] والإمارات العربية المتحدة[xiii]. كما أن التعاون بين القطاعين العام والخاص قادرٌ على إحداث نقلة نوعية في مسارات رعاية المرضى، وخير مثال على ذلك الشراكة التي أُعلن عنها مؤخراً بين M42 وSOPHiA GENETICS وأسترازينيكا في الإمارات[xiv]، والتي تهدف إلى تطوير أساليب تشخيص السرطان، بما في ذلك سرطان الثدي. يعتمد هذا المشروع الواعد على تقنية الخزعة السائلة فائقة التطور، التي تتيح كشفاً أسرع وأكثر دقة للسرطان عبر فحص دم بسيط، ويتمثل الهدف في توسيع نطاق هذه التقنية لتشمل منطقة الشرق الأوسط بأكملها خلال السنوات القادمة.

وأخيرًا، يُمثل الالتزام بالإنصاف في الرعاية الصحية أمرًا أساسيًا، لضمان حصول كل امرأة على الرعاية المثلى لسرطان الثدي، بغض النظر عن ظروفها. وتقدم البرامج متعددة القطاعات، كبرنامج "رعاية مرضى السرطان في إفريقيا[xv]" التابع لشركة أسترازينيكا، نموذجاً عملياً وقابلاً للتطوير لتحويل هذا الالتزام إلى واقع. إذ يعمل هذا البرنامج على تحسين نتائج علاج مرضى السرطان، بما في ذلك سرطان الثدي، من خلال محاور عمل رئيسية هي: تعزيز التعاون بين القطاعات لبناء القدرات الصحية، وتحسين آليات الفحص والتشخيص، وتمكين المرضى، وتسهيل الوصول إلى الأدوية المبتكرة.

لقد شهد العالم في السنوات الأخيرة تقدماً هائلاً في مساعيه لكبح جماح سرطان الثدي وآثاره المدمرة. ويتعين علينا اليوم أن نترجم هذا التقدم العالمي إلى واقعٍ منصفٍ تشهده كل امرأة في ربوع الشرق الأوسط وأفريقيا. وكما قال الدكتور خالد عبد الغفار، نائب رئيس الوزراء ووزير الصحة والسكان المصري4، في وقت سابق من هذا العام: "دعونا نعمل معًا للتصدي لسرطان الثدي من خلال تعزيز سجلات السرطان، وتحسين مسارات الإحالة، والعمل على توفير وإتاحة وتيسير الوصول لخدمات تشخيص وعلاج سرطان الثدي. معًا - يمكننا خلق مستقبل أكثر صحة وكرامة للنساء".

إن الانتصار على سرطان الثدي ليس أُمنية بعيدة المنال؛ فالتحديات واضحة والخبرات متوفرة والبرامج قائمة، وما ينقصنا اليوم سوى تجديد الإرادة السياسية والاستثمار المستدام. ليكن اجتماع القاهرة نقطة تحول حقيقية لترجمة وعودنا إلى إنجازات ملموسة، فمن خلال الشراكات المبتكرة وترسيخ مبدأ الإنصاف، نستطيع رسم مستقبل واعد تتاح فيه لكل امرأة فرصة الشفاء الكامل والحياة الكريمة المنشودة.


من التوعية إلى العمل الفعّال: تسريع الاستجابة لمواجهة سرطان الثديمن التوعية إلى العمل الفعّال: تسريع الاستجابة لمواجهة سرطان الثدي
كلمات البحث
اقرأ أيضًا: