أمس ينقضي نصف قرن وعامان على انتصارات أكتوبر، وسنتان على انطلاق طوفان الأقصى.. حدثان في أكتوبر، "السادس من أكتوبر 1973 على أرض مصر وسوريا، والسابع من أكتوبر 2023 في فلسطين المحتلة، فهما من أطاح بـ أساطير القوة وسرديات الغرور الصهيونية الغربية، ليشكّلا بالفعل حقائق على الأرض، واقعًا جديدًا يحدد الشرق الأوسط الجديد، كما تريده وتراه شعوبه وأهله وأصحابه.
دائمًا ما يردد الصهاينة، عقب كل انكسار وهزيمة: هناك فشل استخباراتي، حدث ذلك في حرب أكتوبر على أرض سيناء، وأيضًا عند بداية إعصار الأقصى، "فشل استخباراتي"، عبارة ستظل تلاحق الصهاينة ما داموا يعتدون على حقوق غيرهم وما دام الصراع والمعارك مستمرة..
ستظل الحقائق التي نبتت في أكتوبر لم ولن تتغير، أولها، أن عدونا ما زال هو عدونا، ولن ينال من ذاكرتنا ولن يجرف من وعينا هذا الزيف والتحول والصخب الذي يُنصَب كل يوم للتشويش على ذاكرتنا الوطنية، ولن تنال منه موجات ومهرجانات التطبيع، أو العقائد والديانات الوضعية، فالعدو الأول والثاني والعاشر هو الكيان الصهيوني، ومن يسانده.
ثانيها، أن ملحمة انتصارات أكتوبر التي أطاحت بـ الغرور الإسرائيلي على رمال سيناء، ألهمت المقاومة الفلسطينية بمدى هشاشة العدو، وأن مهما تحققت للعدو انتصارات أو جولات، إلا أنه لم ولن يعرف طعمًا للنصر، وكل يوم تشرق حقائق، حيث نشهد ثباتًا على الحق يشهده العدو قبل الصديق.. وصمودًا لن تأتِ به الأساطير.. مقاومة لم يدركها التاريخ بعد.
هل حققت عملية "طوفان الأقصى" أهدافها بعد عامين من انطلاقها؟ الإجابة على لسان المذيع الأمريكي تاكر كارلسون الذي قال واصفًا الصهاينة: "لا يوجد شيء اسمه شعب الله المختار، الله لا يختار شعبًا يقتل الأطفال، هذه هرطقة وهؤلاء مجرمون ولصوص".
كل يوم يظهر للحق دلائل في صورة فضائح، كما كشفت إحدى الجامعات الأمريكية الشهيرة مؤخرًا، بأن المواطنين في إسرائيل ليسوا ساميين.. هذه الحقيقة الجديدة تنطلق من أحد أشهر الجامعات الأمريكية وهي جامعة "جونز هوبكنز" بولاية ميريلاند، فقد توصلت دراسة علمية أجرتها الجامعة أن اختبار الحمض النووي غير قانوني في إسرائيل، فقد أظهرت الدراسة أن 97.5% من اليهود الذين يعيشون في إسرائيل ليس لديهم الحمض النووي العبري القديم، "ancient Hebrew DNA" على الإطلاق، وبالتالي ليسوا ساميين، وليس لديهم روابط دم قديمة بأرض فلسطين على الإطلاق.
واستكمالًا للحقائق، فقد أفادت دراسة الجامعة أن 80% من سكان فلسطين يحملون الحمض النووي العبري القديم "ancient Hebrew DNA"، وبالتالي فهم ساميون حقيقيون.
الحقائق الأخرى أن الشعوب الأوروبية والآسيوية، لم تشارك في مظاهرات في تاريخها القديم والحديث، ولم تشهد "المسيرات المليونية"، كما تفعل كل يوم، مع فلسطين، وضد الكيان الصهيوني، وهو ما يؤكده رئيس اتحاد الجاليات الفلسطينية في أوروبا، من بون الألمانية، جورج رشماوي، قائلًا: "التحركات على صعيد الجالية الفلسطينية في أوروبا كانت غير مسبوقة تتطور لاحقًا، وينضم إليها طلاب جامعيون شاهدوا ماذا يحدث في غزة"، وقال: "الآن في ألمانيا أو أي بلد أوروبي، يخرج ناس من كافة الأعمار، طلاب مدارس وجامعات، متقاعدون ونساء وغيرهم لمساندة غزة"، ولا زالت سفن وقوارب "أسطول الحرية" تستعد لموجات أخرى تالية لإغاثة الفلسطينيين.
المثير أن حالة التخبط واللاوعي التي تعتري الصهاينة وقادتهم، تجعل كل يفعلونه ينقلب ضدهم، كما حدث في ظاهرة اغتيال الصحفيين الفلسطينيين، فقد بلغ عدد من اغتالهم العدو 265 صحفيًا، بهدف حجب الحقائق عن الناس وطمس كل ما يفعله الصهاينة من جرائم الإبادة والحرق والتجويع ضد الفلسطينيين، حتى لا يراها ويشاهدها الرأي العام العالمي، لكن ما حدث هو أن اغتيال هذا العدد الكبير من الصحفيين الفلسطينيين، أدى إلى تحريض الشباب الفلسطيني والطلاب وغيرهم، إلى الرد على الصهاينة، ليتطوع العديد منهم للعمل مراسلون يكشفون الحقائق التي رغب العدو في طمسها، كل يوم تنطلق شرارة لتظاهرات شعبية وطلابية في مختلف الدول الأوروبية ساهمت في نقل صورة مغايرة حول القضية الفلسطينية، وكأنها نوع من كرة ثلج تدحرجت، لتصبح عامل ضغط على الحكومات الأوروبية، التي بدأت تعترف بالتوالي بـ "دولة فلسطين"، وهذا ما يعتبر تحولًا صارخًا في سياق الصراع العربي الصهيوني عبر التاريخ، فقد أعادت القضية الفلسطينية إلى صدارة الأحداث.
ولا شك أن الحقائق الجديدة تتولد من رحم المشاهد اليومية لأرواح الشهداء وتضحيات الشرفاء في كل مكان، والجديد هو، بعد الاعتراف الدولي بفلسطين، الحقيقة الجديدة، أمام التطرف في أشكال الجرائم التي يرتكبها الصهاينة كل يوم ضد أطفال ونساء وشيوخ، يقابلها إصرار جديد وهو الذي أوجد حقيقة جديدة باتت تتردد كل حين: لا مكان لحل الدولتين.. الحل هو لدولة واحدة، هي دولة فلسطين من النهر إلى البحر".
وما زالت الوقائع والأحداث التي نبتت وبزغت من رحم أكتوبر، تتوالى وتشرق بالحقائق الجديدة.. "أليس الصبح بقريب"..
[email protected]