السادس من أكتوبر، عام ألف وتسعمائة وثلاثة وسبعون، يومٌ فارق في تاريخ مصر، بل هو يومٌ فارق في تاريخ الأمة العربية والإسلامية. إنه يوم النصر المبين، يوم الكرامة، يوم استعادة أراضينا التي اغتصبها هؤلاء الغدرة. إنه يوم الشهيد؛ الأبطال الذين روت دماؤهم الطاهرة أرض سيناء الحبيبة.
أتت ساعة الحسم، ساعة الصفر، فبعد أن زاغت أبصار الأبطال وبلغت قلوبهم الحناجر، وضاقوا ذرعًا بأفاعيل وممارسات هذا المحتل الغاشم الذي لا يرقب في مؤمن إلًّا ولا ذمة.
الذي بلغت عداوته للإسلام والمسلمين عداوة المشركين، وهذا ليس قولي وإنما قول الله تعالى في سورة المائدة: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا). فالتقديم والتأخير هنا لعلة، ألا وهي غضب الله ومَقْتُه على هؤلاء جميعًا، لكن غضبه ومَقْتَه على اليهود أكبر وأشد. لماذا؟ لأن هؤلاء يُعَدُّون أهل كتاب، لكنهم حادوا عن الجادة والصواب. أما المشرك فقد يأتيه يوم ويعود إلى رشده وينتهي عن شركه.
وهل يخفى على أحد ما فعلوه مع جنودنا الأبطال في عام ألف وتسعمائة وسبعة وستون؟ وهل يخفى على أحد ما فعلوه مع أطفالنا في مدرسة بحر البقر الابتدائية؟ إن هؤلاء يتنفسون خيانة وغدرًا وكرهًا لكل عربي. العنصرية دأبهم وديدنهم، والنازية شعارهم.
واقعهم الآن يشهد عليهم، ماذا فعلوا في أهل غزة المسالمين؟ بَطْش، تنكيل، تجويع، محاولة تهجير قسري جبري. إن الجميع لفظهم ولفظ تصرفاتهم وضاق ذرعًا بحماقاتهم وبسياسات قادتهم.
عندما يهل علينا هلال شهر أكتوبر، نتذكر الأمجاد والبطولات التي سطرها هذا الشعب البطل، نستمع إلى الأغاني الوطنية التي تلهب الحماسة في قلوبنا وتزيدنا قوة إلى قوتنا، وتزيدنا ثباتًا على مواقفنا من القضية الفلسطينية ومن سيناء، رافضين أيَّما رفض تهجير أهل غزة إليها.
نعم، سيناء الحبيبة خط أحمر، وقد قالها فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي في إحدى خطاباته: (إِللَّي هيَقَرَّبْ مِنْهَا هَاشِيلُه مِنْ عَلَى وِشِّ الْأَرْض). عبارة لخصت كل ما يمكن أن يقال في هذا الشأن؛ مَن سيقترب منها سيحترق. ليست تصريحات عَنْتَرِيَّة، وإنما تصريحات واعية مسئولة من قائد عسكري يعي ما يقول. فمَن يمتلك قوته يتحدث ولا يهمه أحد، قالها أيضًا: "الذي فعلها مرة" (يقصد انتصار أكتوبر) يستطيع أن يفعلها مرات ومرات ومرات.
ومن هنا أدركنا الآن خطورة المخطط الذي يُدبَّر بليل لمصر الحبيبة من أعدائها، خصوصًا عدوها التاريخي اللدود.
فراح الرجل يُعِدُّ عُدَّتَه ويُسلِّح جيشه بأحدث تسليح، وراح يضبط منظوماته الدفاعية ويجهز أساطيله البحرية بأحدث تسليح. كل هذا لماذا؟! إذا فكر العدو أن يقترب من حدودنا سيجد آلافًا من "عبدالودود"، مرابطين على الحدود، متسلحين بالإيمان بالله تعالى، ومتسلحين بحبهم لتراب وطنهم، وحبهم للشهادة في سبيل الله.
إن احتفالنا هذا العام بـنصر أكتوبر مختلف عن كل عام مضى، لماذا؟! لِما تمر به أمتنا العربية والإسلامية من منعطف خطير؛ نكون أو لا نكون.
ومن هذا المنطلق، أدعو كل العرب في كل الشوارع العربية أن يشاركوا مصر احتفالاتها بـأكتوبر المجيد عن طريق استعراض القوة، عن طريق العروض العسكرية التي تُرْهِبُ العدو.
فعدونا جبان، وبيته أوهن من بيت العنكبوت. لا تظنون أنهم جميعًا، أبدًا فهؤلاء قلوبهم شَتَّى، يحسبون كل صيحة عليهم. (هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ).
تحية إعزاز وتقدير لجميع قادة القوات المسلحة في عيد النصر، تحية لـخالد الذكر صاحب قرار العبور العظيم، الزعيم أنور السادات. تحية لكل ضابط وصف ضابط وجندي ضحى بروحه طواعية من أجل وطنه.
تحية لكل أم شهيد تلقت خبر استشهاد وليدها بالزغاريد، تحية لكل والد شهيد سمع نبأ استشهاد نجله مبتسمًا محتسبًا قائلًا: "سأقدم باقي أولادي فداءً للوطن ولرفعة راية الوطن". تحية إعزاز وإجلال إلى قادتنا المعاصرين الذين وظفوا كل طاقاتهم للنهوض ببلدنا الحبيب.
وأخيرًا أختتم مقالتي ناصحًا كل "عبدالودود": إياكم والحدود، إياكم تُفَرِّطُوا في حبة رمل من حدودنا. نصيحتي إلى كل "عبدالودود" (كل في مكانه): "عبدالودود" المهندس، الطبيب، المحامي، المعلم، الحرفي. كلكم "عبدالودود"، رابطوا في أعمالكم وانصروا بلادكم بجدكم واجتهادكم.
أستاذ الفلسفة بآداب حلوان.