د.محمد عثمان: الاتفاق حطم أوهام إسرائيل الكبرى وأسقط مخطط التهجير القسري
موضوعات مقترحة
د.إسماعيل تركي: كشف فشل إسرائيل في الحرب وأسقط مشروعها التوسعي
يمثل اتفاق شرم الشيخ للسلام نقطة تحول فارقة في مسار الصراع العربي الإسرائيلي، إذ لم يكن مجرد خطوة لوقف إطلاق النار في غزة، بل إعلانا صريحا بانتهاء مرحلة من الغطرسة الإسرائيلية وبداية مرحلة جديدة عنوانها التوازن والواقعية السياسية. فبعد شهور من العدوان الإسرائيلي الواسع على القطاع، وما خلفه من دمار إنساني واقتصادي، جاءت قمة شرم الشيخ لتعيد صياغة المعادلة من جديد، وتُسقط ما يُعرف في الأدبيات الصهيونية بمفهوم «إسرائيل الكبرى» — الحلم الذي سعت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لتحقيقه عبر التوسع والضم والسيطرة على الأرض والإنسان.
لقد أدركت تل أبيب، من خلال تفاصيل هذا الاتفاق، أن مشروعها القائم على القوة العسكرية لم يعد قابلا للحياة في ظل رفض عالمي متنام، ودور مصري محوري أعاد التوازن إلى الطاولة السياسية، فمصر لم تكتف بالتوسط لوقف النار، بل وضعت الأسس لإطار شامل يضمن حقوق الشعب الفلسطيني ويحد من الانفلات الإسرائيلي، وجاءت بنود الاتفاق واضحة في كل مراحلها: من وقف إطلاق النار الشامل، وفتح المعابر بإشراف دولي، وإدخال المساعدات الإنسانية، وصولا إلى بدء عملية إعادة الإعمار تحت رقابة دولية، بما ينزع من إسرائيل قدرتها على التحكم في مصير غزة كما كانت تفعل سابقا.
إن أهم ما في اتفاق شرم الشيخ أنه أعاد للقضية الفلسطينية مركزيتها على الأجندة الدولية، بعد سنوات من محاولات التهميش، وأعاد لمصر دورها التاريخي كضامنٍ للسلام العادل، وقائد لمحور الاعتدال القادر على فرض التوازن بين أطراف النزاع، وبهذا يمكن القول إن هذا الاتفاق لم يجهض فقط أوهام «إسرائيل الكبرى»، بل وضع نهاية عملية لفكرة الأمن الإسرائيلي المطلق على حساب الحقوق الفلسطينية، مؤكدا أن زمن القوة المنفردة انتهى، وأن مستقبل المنطقة سيتشكل على أساس حل الدولتين، والاعتراف الكامل بحق الفلسطينيين في دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
صخرة شرم الشيخ
في البداية، قال الدكتور محمد عثمان، الباحث في العلاقات الدولية، إن المشروع الإسرائيلي تحطم على صخرة شرم الشيخ، حيث تبددت أحلام التهجير والتصفية، وسقطت أوهام «إسرائيل الكبرى» التي روجت لها تل أبيب لسنوات، وأضاف أن التحول الأبرز تمثل في الموقف الأمريكي الذي انتقل من الدعم الأعمى للمخططات الإسرائيلية إلى موقف أكثر اتزانا يسعى إلى مراعاة بعض الحقوق الفلسطينية، وكذلك المخاوف والمتطلبات العربية عموما، والمصرية على وجه الخصوص.
وأوضح عثمان أن هذا التحول تجسد في فرض خطة تسوية على الإسرائيليين، لا تتضمن أي إجراءات للتصفية أو التهجير، بل نصت بوضوح على حظر التهجير القسري للشعب الفلسطيني من قطاع غزة، مشيرا إلى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كان قد طرح في بداية ولايته الثانية مخططا قويا للتهجير ضمن ما عُرف آنذاك بـ"صفقة التهجير الكبرى".
وأشار الباحث إلى أن الموقف المصري الصلب الرافض لمخطط التهجير منذ اللحظة الأولى، والذي اعتبره الرئيس عبد الفتاح السيسي خطًا أحمر لا يجوز تجاوزه، شكل نقطة التحول في مسار الأحداث، وقال إن هذا الموقف اصطدم مباشرة بمخططات واشنطن وتل أبيب، ومع ذلك تمسكت القاهرة برؤيتها دون أي تراجع، مدعومة بالصمود الفلسطيني على الأرض وتمسك سكان غزة بالبقاء داخل أراضيهم رغم العدوان والحصار.
وأضاف عثمان أن التمسك المصري والمقاومة الفلسطينية قادا في النهاية إلى تراجع الموقف الأمريكي وإعادة النظر في رؤيتها لحل أزمة غزة، حيث طرحت واشنطن لاحقًا خطة بديلة تضمن بقاء الفلسطينيين في قطاع غزة، وتؤسس لمرحلة جديدة تتضمن إعادة الإعمار، وانسحاب الجيش الإسرائيلي، ووقفًا شاملًا لإطلاق النار، مقابل تخلي حركة حماس عن الحكم ونزع سلاح الفصائل.
وبين أن المرحلة الثانية من الخطة، والمتعلقة بإدارة غزة بعد الحرب ونزع سلاح حماس، لا تزال محل خلافات حادة وتباينات في وجهات النظر بين الأطراف المختلفة، إلا أن استمرار الأجواء الإيجابية والمرونة الأمريكية في التعامل مع المقترحات المصرية والوساطة الدولية، قد يؤديان في نهاية المطاف إلى بلورة صيغة توافقية تراعي مصالح جميع الأطراف.
وحذر الدكتور محمد عثمان من أن اتفاق شرم الشيخ ما زال مهددا بسبب النوايا الإسرائيلية الخبيثة، موضحا أن إسرائيل فشلت في تحقيق أهدافها العسكرية، سواء بتهجير الفلسطينيين أو بإجبار حماس على الاستسلام أو استعادة جميع الرهائن بالقوة، مما يجعلها تسعى لإيجاد مبررات للعودة إلى الحرب أو التنصل من التزاماتها.
واختتم عثمان تصريحاته مؤكدًا أن الضغط الأمريكي المستمر على إسرائيل سيبقى عنصرا حاسمًا في ضمان تنفيذ الاتفاق، داعيًا في الوقت ذاته الأطراف الفلسطينية إلى التحلي بالواقعية السياسية وتقديم المصلحة الوطنية العليا على أي اعتبارات فصائلية، حتى لا تضيع الفرصة التاريخية التي وفّرها اتفاق شرم الشيخ لاستعادة التوازن وتحقيق السلام العادل.
حرب باردة
من جانبه، أكد الدكتور إسماعيل تركي، أستاذ العلوم السياسية، إن اتفاق شرم الشيخ لوقف إطلاق النار في غزة، المبني على خطة ترامب للسلام، لا يمكن اعتباره مجرد هدنة إنسانية، بل هو تحول سياسي عميق وإجهاض فعلي لأوهام “إسرائيل الكبرى” التي سعت تل أبيب لتحقيقها على مدار عقود. وأوضح أن الاتفاق جاء بعد حرب إبادة وتطهير عرقي استمرت عامين كاملين، كاشفًا فشل إسرائيل في تحقيق أهدافها المعلنة، وهي: القضاء على حركة حماس، وتهجير سكان قطاع غزة، وتصفية القضية الفلسطينية.
وأضاف تركي أن تفاصيل الاتفاق ومراحله المتعددة تعكس تغيرًا في موازين القوى بفعل الإرادة الدولية والإقليمية الجديدة، مشيرًا إلى أن الاتفاق أنهى مشروع السيطرة الجغرافية والسياسية الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية والعربية، وأجهض فكرة «إسرائيل الكبرى» التي كانت تهدف إلى فرض السيطرة الأمنية الكاملة وضم المزيد من الأراضي.
وأكد أستاذ العلوم السياسية أن إسرائيل اضطرت إلى توقيع اتفاق غير مباشر مع حركة حماس، بعد فشلها في القضاء عليها عسكريًا، وهو ما يمثل، على حد وصفه، سقوطًا مدويًا للرواية الإسرائيلية التي كانت تصف المقاومة بالإرهاب، إذ باتت حماس طرفًا معترفًا به على طاولة المفاوضات الدولية، وتحت مظلة وساطة إقليمية ودولية ضمت مصر وقطر وتركيا والولايات المتحدة. وأضاف أن هذا الاعتراف، حتى وإن تبعته ترتيبات لتخلي حماس عن الحكم في غزة، يُعيد الاعتبار للمقاومة كقوة سياسية لا يمكن تجاوزها في أي تسوية مستقبلية.
وأوضح تركي أن الاتفاق يضع حدًا لأي مخطط إسرائيلي أحادي للسيطرة على القطاع أو إعادة رسم خارطته السياسية والأمنية، إذ نصت بنوده على انسحاب تدريجي للقوات الإسرائيلية من عمق غزة إلى الخط الفاصل المتفق عليه خلال فترة زمنية قصيرة، وهو ما اعتبره تنازلًا جوهريًا يتناقض مع أهداف تل أبيب في فرض «واقع أمني دائم» أو إقامة مناطق عازلة داخل القطاع.
وفي تحليله لمضمون الاتفاق، شدد تركي على أن أهم مكاسبه هو إفشال مشروع التهجير القسري الذي كان هدفًا غير معلن للحرب الإسرائيلية، قائلاً: "كانت الخطة تهدف إلى دفع سكان غزة جنوبًا أو إلى الحدود المصرية لتفريغ القطاع، لكن الاتفاق نص بوضوح على عودة النازحين إلى مدنهم فور دخوله حيز التنفيذ". وأشار إلى أن مشاهد عودة مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى شمال القطاع ومدنهم المدمرة تمثل — حسب وصفه — "طوفانًا بشريًا أسطوريًا يعكس تمسك الشعب الفلسطيني بأرضه، وإسقاطًا كاملاً لفكرة التهجير القسري التي كانت حجر الزاوية في مشروع إسرائيل الكبرى".
وفيما يتعلق بتفاصيل الاتفاق، أوضح تركي أن المرحلة الأولى تضمنت تبادلًا للأسرى ووقفًا شاملًا لإطلاق النار، حيث أفرجت حماس عن 20 أسيرًا إسرائيليًا أحياء و28 جثمانًا، مقابل إفراج إسرائيل عن 250 أسيرًا من أصحاب المؤبدات و1700 معتقل من غزة، وهو ما وصفه بأنه "نسبة تفاوضية غير مسبوقة تعكس فشل إسرائيل في تحرير أسراها عسكريًا، واعترافًا ضمنيًا بإخفاقها في الحرب".
وأضاف أن المرحلة الثانية والثالثة من الاتفاق نصتا على إعادة إعمار القطاع بإشراف أممي وإقليمي تشارك فيه مصر وقطر وتركيا وأوروبا، وهو ما يعني — وفق قوله — تجريد إسرائيل من السيطرة على مستقبل غزة سياسيًا وميدانيًا، مع مطالبة القاهرة بغطاء من مجلس الأمن يمنح الشرعية للجنة الدولية المشرفة على إعادة الإعمار.
وتابع تركي أن تأجيل ملف نزع سلاح المقاومة إلى مراحل تفاوضية لاحقة، بدلاً من جعله شرطًا مسبقًا لوقف الحرب، يمثل دليلًا على فشل إسرائيل في تحقيق هذا الهدف بالقوة العسكرية، وتحوله إلى ملف سياسي تفاوضي متكافئ بين الأطراف، ما يحدّ من قدرة تل أبيب على فرض شروطها.
وأشار إلى أن الدور المصري المحوري في التوصل إلى الاتفاق مثّل عاملًا حاسمًا في إعادة التوازن إلى المشهد السياسي، حيث احتضنت القاهرة قمة السلام ونجحت في توحيد المواقف الدولية والإقليمية خلف رؤية واقعية للتهدئة وإعادة الإعمار، بما أفقد إسرائيل زمام المبادرة في رسم مستقبل غزة.
واختتم الدكتور إسماعيل تركي تصريحاته بالتأكيد على أن اتفاق شرم الشيخ يمثل هزيمة ساحقة للمشروع الإسرائيلي التوسعي، وانتصارًا للإرادة السياسية المصرية، التي واجهت منذ اللحظة الأولى مخططات الاحتلال لتصفية القضية الفلسطينية وتهجير شعبها. وأضاف أن موقف مصر الصلب والدعم الدولي المتزايد، إلى جانب التحول في الموقف الأمريكي نحو دعم مسار السلام، أجبر إسرائيل على القبول باتفاق لا يخدم رؤيتها التوسعية ولا أهدافها العسكرية.
وأكد أن الاتفاق يشكل نقطة تحول في إعادة ترتيب موازين القوى، ورسالة واضحة بأن السلام الدائم لن يتحقق إلا عبر المفاوضات والاعتراف بحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم وبناء دولتهم المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.