في ذكرى انتصارات أكتوبر المجيدة، تحضر الحكايات من عمق الزمن، لا لتروى فحسب، بل لتدرس للأجيال وتحفظ للتاريخ .
موضوعات مقترحة
بين هؤلاء الرجال الذين صنعوا النصر، يقف اللواء محمد أحمد إبراهيم الجافي، أحد رجال جهاز المخابرات الحربية والاستطلاع، الذي شارك في بطولات ما قبل الحرب وبعدها، من أسر أول جنديين إسرائيليين بعد النكسة، إلى المساهمة في كشف شبكة التجسس الأخطر التي قادها "فاروق الفقي وهبة سليم"، وصولًا إلى دوره في تعمير جنوب سيناء بعد أن وضعت الحرب أوزارها.
قابلته كأحد أهم مستثمرين جنوب سيناء، يشيد به دوماً المحافظ دكتور خالد مبارك ويصر علي تكريمه في احتفالات أكتوبر كأحد أبطال النصر، يتحدث الجميع باسمه بكل تقدير واحترام، يشيدون بدوره أول الرواد من المصريين الذين ساهموا في التعمير عقب اتفاقية السلام، من مخيمات إلى واحد من أكبر المنتجعات السياحية، يعيش بهدوء مع أسرته، رافضاً التواصل مع الإعلام والحديث عن دوره، يعتبر أنه أدى واجبه، لكني ألححت في التواصل ومعرفة التفاصيل، فخراً واعتزازا كما أشار الرئيس السادات في خطاب النصر حين قال : "سوف يجيء يوم نجلس فيه لنقص ونروى ماذا فعل كل منا في موقعه، وكيف حمل كل منا الأمانة وكيف خرج الأبطال من هذا الشعب وهذه الأمة"، وأيضا لأن التاريخ ملك لأجيال قادمة يجب أن تسمع الحقيقة بصوت أصحابها، في زمن زاد فيه الزيف واختلطت الحقائق..
تفاصيل حوار عن الحرب والجاسوسية والتنمية والبناء تحمل تفاصيل حصرية لكن الأهم تحمل صوت سنوات من الخبرة والعطاء وحب الوطن.
البداية.. شاب حلم أن يكون في صفوف الجيش المصري
بدأ اللواء الجافي حديثه قائلاً:
“منذ صغري كان حلمي أن ألتحق بالكلية الحربية، والحمد لله تحقق الحلم. التحقت بقوات المظلات، وهناك وجدت نفسي وسط رجال من طراز فريد، تتلمذت على يد القائد سعد الدين الشاذلي، واللواء سمير الطناوي، واللواء محمود حسن عبد الله وغيرهم من القامات التي صنعت جيلاً كاملاً من المقاتلين.”
في عام 1967 كان الجافي ضابطًا برتبة ملازم أول في كتيبة (مظلات) المتمركزة في بورتوفيق، وهي إحدى نقاط الدفاع على القناة ، ثم يروي بتفاصيل دقيقة:
“في صباح 14 يونيو 1967، رصدت من خلال منظاري لانشًا إسرائيليًا يحمل علمًا ضخمًا لإسرائيل في مياه القناة، في استفزاز واضح لقواتنا. وفي اللحظة نفسها رصدت دبابة تتحرك على لسان بورتوفيق، فقررت التصدي لها بنفسي. كان معي الشاويش الهواري على مدفع ب-10، رفض إطلاق النار لعدم ورود أوامر، فقلت له: (هتضبط التنشين وأنا أتحمل المسئولية)، وضربنا أول قذيفة على الدبابة فاشتعلت النيران فيها.”
تلك اللحظة كانت بداية ملحمة جديدة للمقاتلين المصريين الذين رفضوا الانكسار. يقول الجافي بفخر:
على أثر ذلك و بمبادرة فردية من الملازم أول في ذلك الوقت اللواء / محمد الجافي بالاشتباك و أسر الجنود الإسرائيليين المتواجدين بالقناة.
نجحت العملية و تم ضبط أول اثنين أسرى من الجيش الإسرائيلي بعد حرب 1967 وكان بينهم ضابط والآخر عريف، حيث تم التحفظ عليهم بمقر كتيبة المظلات ثم نقلهم إلى مقر المخابرات الحربية حيث تم استجوابهم ومبادلتهم فيما بعد بالأسرى المصريين.
“كبدنا العدو خسائر كبيرة في الأرواح والمعدات، وأرسل الرئيس جمال عبد الناصر برقية شكر إلى الكتيبة، كانت أول وسام فخر نحمله في صدورنا.”
من ميادين القتال إلى دهاليز المخابرات
مع بداية السبعينيات، انتقل الجافي من الميدان إلى واحدة من أكثر المهام حساسية في تاريخ المخابرات الحربية المصرية.
يقول:
“كنت من تلاميذ اللواء حسن حسين عبد الغني، رئيس جهاز الأمن بإدارة المخابرات الحربية. كُلفت بفحص مجموعة من الخطابات المشبوهة، تحمل معلومات دقيقة عن وحدات القوات المسلحة دون معرفة مرسلها. بعد تتبع دقيق وسفر لمناطق مختلفة، تأكدت أن وراءها المقدم المهندس فاروق الفقي.”
يروي اللواء الجافي تفاصيل القبض على الجاسوس الذي أعلنت قصته في فيلم "السقوط إلي الهاوية" قائلاً:
“تم إعداد خطة محكمة بمعرفة اللواء حسن عبد الغني بالتنسيق مع اللواء نبيل شكري، قائد الصاعقة آنذاك، بعد أن نجحت في كشف خيانته، عقب تعقب استُدعي الفقي إلى مركز القيادة كان برتبة مقدم وقتها، لكنه جاء بسيارته الخاصة بعد أن غيّر خط سيره أكثر من مرة، فقد كان يسعى لرصد المواقع بدقة أثناء تنقله.
عند تفتيش منزله بمدينة نصر وجدنا جهاز إرسال لاسلكي متطور جدًا، و(إيريال) حديث يرسل مباشرة للخارج. اعترف الفقي بكل شيء، وأقر أن الجاسوسة هبة سليم هي من جندته لصالح إسرائيل.”
ويضيف:
“من خلال تنسيق دقيق بين المخابرات الحربية والعامة، تم استدراج هبة سليم من فرنسا إلى ليبيا عبر والدها الذي أقنعها بالعودة لزيارته، وهناك تم القبض عليها وترحيلها إلى القاهرة.”
- حضرت إعدام الخائن وقرار جمهوري بالتكريم:
بصوت يحمل خبرة السنوات يعكس الفخر والتواضع ، يقول اللواء الجافي:
“الرئيس أنور السادات أصدر قرارًا جمهوريًا بمنح نوط حسن أداء الواجب العسكري من الطبقة الأولى، ووسامًا مدنيًا للسفير خيرت الذي ساعد في عملية جلب هبة من ليبيا، كما شمل القرار تكريمي وعددًا من زملائي. لكن الأهم أن القبض عليهما تم قبل حرب أكتوبر، ولو لم يكشف أمرهما لكانت الخسائر فادحة.”
ويكشف الجافي جانبًا مجهولاً من القصة:
“أثناء مفاوضات السادات مع هنري كيسنجر في أسوان، أصدر الرئيس أمرًا بتنفيذ حكم الإعدام في الفقي وهبة في اليوم التالي دون أي تغطية إعلامية. كنت حاضرًا لحظة إعدام الفقي تحسبًا أن يعترف بمعلومات جديدة قبل تنفيذ الحكم.”
من الحرب إلى معركة التعمير
بعد أن خمد صوت المدافع، بدأ فصل جديد في حياة اللواء محمد الجافي.
“خدمت في سيناء منذ عام 1965، وأحببتها عشقًا. بعد الحرب قررت أن أشارك في إعمارها، فاستقريت في شرم الشيخ لأكثر من 40 عامًا لا أغادرها" إلا للشديد القوي "حصلت على قطعة أرض وبدأت في البناء، البداية كانت مخيمات كنت في مقدمة المصريين الذين قرروا الاستثمار في السياحة في جنوب سيناء، درة تاج مصر، انبهرت بجمالها وارتبطت برمالها، تدرجت في المسئوليات عضوًا في جمعية المستثمرين ورئيسًا للغرفة التجارية بالمدينة لمدة عشر سنوات، أساعد وأشجع المستثمرين، نقود حملات ترويج ، بهذه الصورة نحافظ علي أرضنا .
وبصوت عميق عمق تجارب السنوات: "توليت إدارة نادي الرياضات البحرية وطوّرته وفق المعايير الدولية، وساهمت في تنشيط الغوص والسفاري والصيد وسياحة المؤتمرات، واليوم، ما تشهده سيناء من تطوير بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، هو امتداد حقيقي لروح أكتوبر، ما يحدث في سانت كاترين مشروع التجلي الأعظم غير مسبوق ، وأبو رديس فيها من المعادن التي تستحق الاكتشاف والتصنيع، كلها معارك تنمية لا تقل عن معارك الحرب.”
رسالة اللواء الجافي إلى الشباب
في ختام الحوار، يوجّه اللواء الجافي رسالة مؤثرة:
“تعلمت من الجيش أن الوطن لا يخدم بالكلام، بل بالعمل في صمت. لا أملك صفحات على السوشيال ميديا ولا أبحث عن أضواء، يكفيني أن أرى مصر آمنة قوية.
أتمنى من شباب اليوم أن يقرأوا تاريخ بلدهم، وأن يعرفوا أن ما نعيشه الآن هو امتداد لنصر أكتوبر.. فقط بميادين مختلفة.”
اللواء محمد الجافي.. رجل من أبطال الحرب والتنمية، قاتل تحت راية النصر، وخدم تحت راية البناء. تاريخه شاهد على أن البطولة ليست لحظة في معركة، بل مسيرة تكتب بعرق الميدان وصمت الرجال.
اللواء محمد الجافي بطل القبض على فاروق الفقي وهبة سليم
اللواء محمد الجافي مع محررة بوابة الأهرام
صورة من قرار منح اللواء محمد الجافي نوط الواجب العسكري
لجنة إعدام الجاسوس فاروق الفقي
اللواء محمد الجافي بطل القبض على فاروق الفقي وهبة سليم