شراكة إستراتيجية بين مصر وكوريا

6-10-2025 | 15:44

العلاقات بين مصر وكوريا في أقوى حالاتها منذ عقود. لقد ظلت مصر منذ استقلالها تبحث عن شركاء يُعينونها على تعزيز مصالحها الحيوية، سواء في عملية التنمية، أو بناء قدراتها العسكرية، أو قوتها الشاملة، دون تهديدها بمخططات الهيمنة. ولا يتبادر إلى الذهن أفضل من كوريا الجنوبية؛ فبالرغم من مرور ثلاثة عقود على علاقتها مع مصر، إلا أنها واحدة من أبرز شركاء التعاون، وأكثرهم ثباتًا. وبالمقارنة بأهميتها من حيث الإنتاج الاقتصادي، فإنها تُعدّ أيضًا ذات أهمية من حيث الموقع الإستراتيجي، والتبادل الثقافي، والالتزام برؤية التعاون التنموي. وعلى الصعيد الثنائي، يتسم التعاون بأسس راسخة وديناميكية عالية.

لقد برزت كوريا الجنوبية كشريك محوري لمصر، ليس من خلال رغبتها في قيادة الآخرين، بل من خلال رغبتها في التعاون معها. وقد ولّدت قوتها الاقتصادية، وتواضعها الإستراتيجي، وجاذبيتها الثقافية، تقاربًا في الاحترام والطموح المشترك.

وفي حين تُقدم القوى الكبرى الأخرى الحجم أو الأمن، فإن كوريا الجنوبية تُقدم الشيء نفسه: ذكاءً، ومحتوىً، ورؤيةً للتحديث تنسجم مع رؤية مصر للمستقبل. وتتميز شراكة القاهرة وسول بالثقة المتبادلة، والحوار الإستراتيجي، والتعاون في كافة المجالات.

ويرى بارك بوم كي المبعوث الرئاسي الكوري، خلال الاحتفال بثلاثة عقود على علاقات القاهرة وسول، أن مصر ملتقى إستراتيجي يربط بين إفريقيا، والشرق الأوسط، وأوروبا، وبفضل موقعها الاستثنائي، أصبحت محورًا أساسيًا للتجارة الدولية، وبوابة رئيسية للأسواق العربية والإفريقية. وأوضح أن الحكومة الكورية والشركات الكورية تنظر إلى مصر كأرض جديدة للفرص.

ومن جانبه، أوضح وزير المالية أحمد كجوك جهود الحكومة لتوسيع الصادرات، وتوسيع القاعدة الصناعية، وتهيئة بيئة مواتية للمستثمرين الأجانب. وأكد أن كوريا شريك إستراتيجي رئيسي في هذه العملية، وأعرب عن أمله أن يكثف البلدان العمل كشركاء اقتصاديين في السنوات القادمة.

وبينما يحتفل البلدان بثلاثة عقود من العلاقات الدبلوماسية، نرى العلاقة تصل إلى آفاق جديدة، والتقدم ملحوظ في التعاون في البنية التحتية، والطاقة المتجددة، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وتصنيع السيارات، والتعليم. فقد لعبت الشركات الكورية دورًا حيويًا في تحديث البنية التحتية للنقل والخدمات اللوجستية في مصر، بينما تسلط المشاريع المشتركة في مجال الهيدروجين الأخضر والطاقة الشمسية الضوء على التزام القاهرة بالتنمية المستدامة.

وأشار خالد عبدالرحمن سفير مصر لدى كوريا الجنوبية إلى أن التحول الرقمي ومبادرات المدن الذكية أصبحتا مجالات للتعاون، ويدرس البلدان تسيير رحلات جوية مباشرة، وزيادة فرص الاستثمار.

ويتمثل التحدي في الحفاظ على هذه العلاقة وتطويرها في ظل حالة عدم اليقين العالمية. وسوف تحتاج كوريا الجنوبية إلى مواصلة الاستثمار السياسي والاقتصادي في مصر، وذلك بوصفها قلب العالم العربي، وبوابة أفريقيا، وجسرًا إلى أوروبا، وتمتلك أهم الممرات لحركة التجارة العالمية. ويرى رئيس جمعية الصداقة المصرية الكورية علاء فهمي أننا نحتاج النظر إلى كوريا الجنوبية ليس كمستثمر أو مانح، بل كمشارك في تصميم المرونة والابتكار.

وفي عالم يشهد استقطابًا متزايدًا، تُذكّرنا شراكة مصر وكوريا الجنوبية بأنه ليس بالضرورة أن تقوم علاقة التعاون على تبادل المصالح. بل يمكن أن يُرسِي النفوذ على أسس الاستقرار والإبداع والتعاطف.

ومن جانبه، يرى سفير كوريا الجنوبية لدى مصر كيم يونج هيون أن العلاقات بين الشعبين ستظل حجر الأساس لعلاقتنا، وأن برامج التبادل، والسياحة، والدبلوماسية الثقافية، والتعاون التعليمي تبني الثقة والتفاهم المتبادل. وتهيئ هذه الروابط بيئةً خصبةً لإقامة شراكات تجارية طويلة الأمد، ونموٍّ اقتصاديٍّ مستدام، مما يضمن استمرار ازدهار العلاقات المصرية الكورية لعقودٍ قادمة.

ويرى د. أحمد الشرقاوي رئيس مجموعة رامو أن مصر تشجع الاستثمار الكوري في العديد من القطاعات ذات الإمكانات العالية، والتي تشمل الطاقة المتجددة، وخاصة الهيدروجين الأخضر وطاقة الرياح، وتصنيع السيارات، وبناء السفن، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والذكاء الاصطناعي، والبنية التحتية السياحية، والمنطقة الاقتصادية لقناة السويس كمركز استراتيجي للشركات الكورية للوصول إلى الأسواق الأفريقية والعربية والأوروبية.

وأشار إلى أهمية المشاركة مع كوريا في مشاريع المدن الذكية.

وتتوافق رؤية مصر 2030، التي تعطي الأولوية للنمو الصناعي والطاقة النظيفة والتحول الرقمي والخدمات اللوجستية، بشكل وثيق مع نقاط القوة الاقتصادية الكورية.

ويرى المهندس خالد نصير رئيس مجلس الأعمال المصري الكوري أن هذا التوافق يخلق فرصًا لنقل التكنولوجيا وبناء القدرات والاستثمارات واسعة النطاق، وطالب بضرورة إرسال بعثة طرق الأبواب لكوريا لشرح الفرص الموجودة بمصر.

ومن جانبه، قال رئيس شركة "سامسونج مصر" كيم ون كيوم، إن قصة نجاح سامسونج في مصر تعكس قوة الشراكة بين البلدين، وتبعث برسالة إيجابية لكل من يفكر في الاستثمار في السوق المصرية، وأن قرارها بإنشاء مصنعها في مصر جاء بعد دراسة متأنية لعدة دول مرشحة في الشرق الأوسط وإفريقيا، حيث وقع الاختيار على مصر لما تتمتع به من إمكانات نمو قوية وموقع إستراتيجي.

وتوضح العديد من الشراكات التجارية الناجحة بين كوريا ومصر هذا التعاون المتنامي، فقد وسعت سامسونج مؤخرًا مصنعها، ولعبت هيونداي روتيم دورًا محوريًا في تحديث أنظمة السكك الحديدية في مصر. وتساهم الشركات الكورية في تطوير الطاقة المتجددة، إلى جانب برامج التدريب المهني لتعزيز مهارات القوى العاملة. وتعمل الحكومتان على تيسير التجارة، بتقليل العوائق من خلال تبسيط الإجراءات الجمركية، وتسهيل الوصول إلى الأسواق.

ويبقى أن علاقات مصر وكوريا الجنوبية تتطور بصورة كبيرة، ومن المتوقع وفقًا للسفير خالد عبد الرحمن أن تتوصل القاهرة وسول إلى شراكة إستراتيجية شاملة خلال خمس سنوات. ومن جانبه، يؤكد السفير كيم يونج هيون أن مصر تعد شريكًا تجاريًا هامًا لكوريا الجنوبية في إفريقيا، ووجهة استثمارية وتجارية واعدة في الشرق الأوسط، وهناك بنية تحتية جيدة في مصر تحفز الشركات الأجنبية على الاستثمار، وأشاد بالخطوات التي اتخذتها الحكومة المصرية لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة لمصر، مؤكدًا اهتمام الشركات الكورية بضخ استثمارات في مصر خلال الفترة المقبلة باعتبار مصر بوابة للأسواق في إفريقيا والشرق الأوسط.

ومن ناحية أخرى، كشفت مصادر عليمة عن أن مصر تدرس بجدية توسيع دائرة "الشراكات الإستراتيجية" بالنظر إلى حالة الاضطراب في الساحة الدولية، وفي ضوء سياستها الثابتة، والخاصة "بالتوازن الاستراتيجي"، والحياد الإيجابي، فضلًا عن سياسة "الانفتاح الكبير على الشرق الآسيوي". وأشارت المصادر إلى أن من أهم العناصر التي ترتكز عليها مثل هذه النقلة، هو مدى تطور التعاون بين القاهرة والدول محل الدراسة، وسجل الدولة المرشحة كأحد أهم شركاء التنمية لمصر. وكشفت هذه المصادر عن أن تجاوب سول وحدوث نقلة نوعية في التعاون مع القاهرة، ربما يجعل "الشراكة الإستراتيجية الشاملة" أسرع وأقرب من أي تقديرات تتوقعها أي مراكز بحثية، أو وفقًا للتقديرات الغربية.

وفي النهاية، بينما تتعزز شراكة مصر وكوريا الجنوبية، ويُشكلان معًا مستقبلًا عالميًا جديدًا، فإن التزامهما المشترك بالسلام والازدهار، والنمو المُركّز على الإنسان لا يُمكن أن يكون مفيدًا فحسب، بل أساسيًا أيضًا.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: