في سماء السادس من أكتوبر 1973، كانت اللحظات تكتب التاريخ.. ومن بين أبطال نسور الجو، يروي اللواء حسين مسعود – وزير الطيران المدني الأسبق – تفاصيل اللحظة التي انطلقت فيها الشرارة الأولى لنصر أعاد لمصر كرامتها، مؤكداً أن الضربة الجوية كانت مفتاح النصر، والطلقة الأولى في معركة العبور.
موضوعات مقترحة
السماء تشتعل.. والكرامة تولد من جديد
يقول اللواء مسعود: "في تمام الثانية ظهرًا، انطلقت الطائرات المصرية على ارتفاعات منخفضة تخترق خطوط العدو لتضرب مواقعه وقواعده العسكرية في عمق سيناء. كان صوت المحركات يدوي كالأناشيد، وكنت أشعر أن السماء نفسها تهتف لمصر”.
ويروي أنه كان ضمن التشكيلات التي كُلفت بقصف مواقع القيادة والسيطرة ومراكز الرادار شرق القناة، مؤكداً أن جميع الطائرات عادت سالمة إلى قواعدها "عدا واحدة فقط"،وهي النسبة التي جعلت الخبر يدون في التاريخ كأدق وأجرأ عملية جوية في الحروب الحديثة.
قبل ذلك النصر، كانت سنوات طويلة من الصبر والإعداد.
يسترجع اللواء مسعود أجواء ما بعد نكسة 1967 قائلاً: لم نعرف اليأس، خضنا مشاعر حزن وصدمة ، لكن بدأنا فورًا إعادة تنظيم صفوف القوات الجوية، وإعادة بناء القواعد والمطارات التي قصفت بالكامل ، وانطلقت خطة تدريب الطيارين على أحدث التكتيكات الجوية، حتى استعدنا الثقة في أنفسنا وفي سماء بلادنا.
ويضيف أن حرب الاستنزاف كانت المعمل الحقيقي لاختبار قدرة الطيار المصري، حيث خاضت القوات الجوية خلالها مئات الاشتباكات مع طائرات العدو:"كانت كل طلعة تدريبًا حقيقيًا لمعركة قادمة، وكل اشتباك اختبارًا للإرادة قبل أن يكون اختبارًا للسلاح.”
مواجهة في قلب النار
ويكشف بطل القوات الجوية عن واقعة شخصية كادت تودي بحياته أثناء تنفيذ إحدى الطلعات في حرب أكتوبر:"كنت أقود طائرتي الهليكوبتر في مهمة استطلاع على ارتفاع منخفض عندما رصدتني طائرة فانتوم إسرائيلية. بدأ المطاردة، وأطلقت عليّ صاروخين متتاليين. استخدمت كل مهارات المناورة التي تعلمناها خلال سنوات الاستنزاف، ونجوت بأعجوبة بعدما أفلت الصاروخ الثاني بمتر واحد فقط.”
كانت مهمة السرب نقل كتيبة صاعقة من منطقة وادي حجول إلى الضفة الشرقية لقناة السويس لمنع القوات الإسرائيلية من العبور للضفة الأخرى من القناة، وأثناء تنفيذ المهمة تم استهداف العديد من طائرات الهليكوبتر ومن ضمنها الطائرة التي اقودها فيها حيث تم استهدافها في الذيل من قبل العدو.
وتابع: نزلت الطائرة في الضفة الشرقية لقناة السويس، وقد نجوت ومعي أفراد من الصاعقة، وظللت في سيناء ، حتى نجحت في العودة مرة أخرى للضفة الشرقية لقناة السويس بمساعدة أهالي سيناء وقبل قرار وقف إطلاق النار في 22 أكتوبر
ويضيف بابتسامة هادئة:"لم يكن في رأسي سوى أن أعود سريعًا إلى قواعدنا وأبلغ بما رصدته. كنت أعلم أن كل معلومة قد تنقذ كتيبة كاملة تعبر القناة في تلك اللحظات.”
يتحدث اللواء حسين مسعود عن ما وصفه بـ"الروح الذهبية" التي سادت صفوف الطيارين آنذاك، قائلاً:كنا نعيش شعورًا واحدًا: إما النصر أو الشهادة. لم يكن بيننا من يفكر في العودة إلا بعد تنفيذ المهمة بنجاح. كنا ندرك أن الأرض تنتظر من يمهد لها الطريق من السماء.
ويؤكد أن الضربة الجوية لم تكن مجرد عملية عسكرية، بل إعلانًا لاستعادة الثقة، ونقطة تحول في التاريخ العسكري المصري الحديث:حين دوّت المحركات فوق القناة في الثانية ظهرًا، لم يكن ذلك مجرد صوت طائرات، بل كان صوت مصر وهي تعود للحياة.
اليوم، وبعد مرور أكثر من نصف قرن، لا يزال اللواء حسين مسعود يؤمن أن النصر لا يصنعه السلاح وحده، بل يصنعه الإيمان والإرادة.
ويضيف:ما تحقق في السادس من أكتوبر لم يكن مجرد انتصار عسكري، بل ولادة جديدة لوطن أدرك أن قوته في وحدته، وأن السماء حين تفتح ذراعيها لأبنائها، فإن الأرض لا تُهزم أبدًا.”
اللواء حسين مسعود احد ابطال نصر اكتوبر ووزير الطيران الأسبق