لم تكن حرب السادس من أكتوبر عام 1973 مجرد معركة عسكرية، بل كانت لحظة حاسمة أعادت تشكيل موازين القوى الإقليمية، وأثبتت أن الشعوب قادرة على قلب المعادلات، حتى عندما يبدو ميزان القوة مختلًا.
لقد صُنعت هذه الانتصارات لا بالسلاح وحده، بل بدماء الشهداء، وبصمود المقاتلين، وبالقرار السياسي الجريء الذي أنهى سنوات الهزيمة واستعاد للوطن كرامته.
وفي الذكرى الثانية والخمسين للنصر، يتجلى الدرس الأهم بوضوح: إرادة الشعب هي التي تصنع المجد.
بين هزيمة يونيو 1967 وحرب أكتوبر، عاش المصريون ست سنوات قاسية، لكن القيادة نجحت في تحويل الهزيمة إلى حافز لبناء جيش قوي والاستعداد الكامل للمعركة. تحمل الشعب التضحيات حتى جاءت لحظة الانفجار الكبرى. وكان قرار القتال إعلانًا بأن الكرامة لا تُستعاد إلا بالقوة التي تضمن السلام.
في ظهيرة السادس من أكتوبر، تحوّلت قناة السويس من حاجز إلى جسر، وتهاوى خط بارليف الذي وُصف يومًا بأنه "لا يُقهر". لم يكن ذلك إنجازًا عسكريًا فحسب، بل هزيمة نفسية لمشروع الاحتلال بأكمله. سقط آلاف الشهداء، ودماؤهم أعادت الثقة بقدرة الأمة على مواجهة أعدائها، وأكدت أن الوحدة الوطنية هي السلاح الأهم في المعركة.
واليوم، بعد أكثر من نصف قرن، تواصل مصر أداء دورها كامتداد طبيعي لروح أكتوبر. فهي تواجه الاحتلال الإسرائيلي بثبات سياسي يعادل صلابتها العسكرية بالأمس، وترسم خطوطًا حمراء واضحة ضد أي مساس بسيادتها، مؤكدة أن أمنها جزء لا يتجزأ من أمن المنطقة بأكملها.
ويتجلى هذا الامتداد في مواقف الرئيس عبدالفتاح السيسي، الذي أكد بوضوح أن الأمن القومي المصري خط أحمر لا يُسمح بتجاوزه. رسائله الحازمة بشأن حماية الحدود والحقوق السيادية تذكّر بالقرار الجريء بعبور الحدود عام 1973.
فمصر اليوم مستعدة لمواجهة أي تهديد، تارة بالسياسة، وتارة بقوة الردع حين تقتضي الظروف. وما تحقق في أكتوبر ليس مجرد ذكرى، بل نهج دائم في إدارة الصراع وحماية الأرض.
وكما وقف المصريون والعرب بالأمس في وجه الغطرسة الإسرائيلية، يواجه الفلسطينيون اليوم الاحتلال بأيديهم العارية.
تراهن إسرائيل على تفوقها العسكري والدعم الأمريكي، لكن الشعب يراهن على إرادته وإيمانه بحقه في الحرية. والدماء التي تُراق في غزة والضفة الغربية ليست سوى امتداد لدماء أبطال العبور، والكرامة التي دافع عنها الجندي المصري بالأمس هي ذاتها التي تدافع عنها مصر اليوم في المحافل الإقليمية والدولية.
إن الاحتفال بأكتوبر ليس شعارات ولا مهرجانات، بل دعوة حقيقية لاستلهام روحه — روح التضحية والوحدة والقدرة على اتخاذ القرار في لحظات المصير. فالاكتفاء الذاتي اليوم ليس فقط خطأً سياسيًا، بل خيانة لدماء الشهداء. فالأوطان لا تُحمى بالشعارات أو العهود، بل بالعزيمة والإرادة التي لا تلين.
ستظل حرب أكتوبر رمزًا للفخر والكرامة، ودليلًا على أن الاحتلال مهما طال فهو إلى زوال. واليوم، ومع تكرار مشاهد الصراع مع إسرائيل، تؤكد القيادة المصرية أن روح أكتوبر ما زالت حيّة: الدفاع عن الأرض، وصون السيادة، ودعم الشعب الفلسطيني.
إنها رسالة إلى الأجيال الجديدة: الكرامة لها ثمن، ومصر التي انتصرت بالأمس قادرة على حماية حاضرها وتحقيق النصر من جديد.