في خطابه أمام الأمم المتحدة يوم 23 سبتمبر الماضي، دعا رئيس كوريا الجنوبية، لي جيه-ميونج، إلى طي آخر صفحات الحرب الباردة، وطرح مبادرة جريئة باسم "إنهاء"، لتصبح بمثابة خارطة طريق، لإحلال السلام في شبه الجزيرة الكورية.
مبادرة إنهاء (END) تدعو إلى: استئناف التبادلات بين الكوريتين (E)، تطبيع العلاقات (N)، ونزع السلاح النووي من الشطر الشمالي (D)، وترتبط المبادرة بالخطة الثلاثية للرئيس لي، وهي: تعليق البرامج النووية، ثم تقليصها، وتفكيكها.
مبادرة "إنهاء" للحوار تستهدف -في الأساس- إنهاء المواجهة، وفتح عصر جديد من السلام، وأبرزتها صحيفة "جوسون إلبو" الصادرة في سول يوم 25 سبتمبر، موضحة أنها -أي المبادرة- تثير جدلًا حول حل الدولتين في شبه الجزيرة الكورية.
وزير التوحيد الجنوبي، جونج دونج-يونج، تعرض لانتقادات بسبب ما تردد عن تخليه عن فكرة التوحيد، ودعوته الأخيرة لنظرية "الدولتين السلميتين"، باعتبار الدعوة وكأنها استجابة لنظرية "الدولتين المتعاديتين"، التي يتبناها الشمال.
يقول الوزير جونج: "إن الكوريتين منفصلتان بشكل واقعي وفعلي، ومن منظور القانون الدولي، وما لا يقل عن 50-60% من الجنوبيين يرون أن كوريا الشمالية دولة أخرى، والاعتراف بطبيعة دولة الشمال هذه، لا يعني القبول بالتقسيم الدائم".
أضاف الوزير: "تشير التقديرات إلى أن الشمال يمتلك نحو 2000 كيلو جرام من اليورانيوم عالي التخصيب بنسبة 90% فأكثر، وأن كمية 10-12 كيلو جرام تكفي لإنتاج قنبلة نووية واحدة، وأن استئناف المحادثات بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة يمكن أن تشكل انطلاقة في الجهود المتعثرة لنزع السلاح النووي".
مستشار الأمن الجنوبي، وي سونج-لاك، صرح بأنه سيتم تفعيل "مبادرة إنهاء للتبادل والتطبيع ونزع السلاح النووي" للرئيس لي، باعتبارها هيكلًا متبادل التعزيز، حيث يساعد التقدم في أحد المجالات على دفع المجالات الأخرى قدمًا.
شرح المستشار وي الرؤية التي قدمها لي خلال خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، ووصفها بأنها نهج متكامل لإنهاء الأعمال العدائية في شبه الجزيرة الكورية، وسط -ما أسماه- رفض بيونج يانج لمبادرات السلام التي قدمتها سول.
أضاف: "هدف لي هو حل قضية شبه الجزيرة الكورية من خلال نهج شامل"، موضحًا أنه لا يوجد ترتيب أو تسلسل بين العناصر الثلاثة، التي كان قد تم التأكيد عليها -أيضًا- في الاتفاقيات السابقة بين الكوريتين، وفي إعلان سنغافورة 2018 الذي اعتمده الرئيس الأمريكي ترامب، والزعيم الكوري الشمالي كيم جونج-أون.
مع اقتراب الزيارة المرتقبة لكل من ترامب، والرئيس الصيني شي جين بينج لكوريا الجنوبية، لحضور تجمع دولي متعدد الأطراف يومي 31 أكتوبر والأول من نوفمبر، تثور تساؤلات في سول من عينة: هل تمهد قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ (أبيك) الطريق لكوريا الجنوبية، للمضي قدمًا في مبادرتها للسلام مع الشمال، وإحياء الحوار النووي المتعثر بين ترامب وكيم؟
في وقت سابق، أعرب كيم عن انفتاحه على استئناف المحادثات مع واشنطن، إذا تخلت عن مطلبها بنزع السلاح النووي. في الوقت نفسه، استبعد إجراء محادثات مع الجنوب، ووصف العلاقات بين الكوريتين بأنها علاقات بين دولتين متعاديتين.
حول إمكانية استئناف ترامب للحوار، وما إذا كان منفتحًا لإجراء محادثات مع كيم، بدون أي إشارة للقضية النووية، خلال زيارته المرتقبة لكوريا، صرح مسئول في البيت الأبيض بـ "أن ترامب عقد -في ولايته الأولى- ثلاث قمم تاريخية مع كيم، ساهمت في استقرار شبه الجزيرة الكورية، وسياسة الولايات المتحدة تجاه كوريا الشمالية لم تتغير ولا يزال ترامب منفتحًا للتحدث مع كيم بدون أي شروط مسبقة".
تلك هي المرة الأولى التي تعلن فيها إدارة ترامب أنها لا تضع أي شروط مسبقة لاستئناف الحوار، ولم يذكر المسئول الأمريكي هدف نزع السلاح النووي تحديدًا.
خلال قمة البيت الأبيض مع الرئيس الكوري لي جيه-ميونج في أغسطس، أعرب ترامب عن أمله في لقاء كيم خلال العام الحالي. وتتجه الأنظار إلى إمكانية عقد لقاء آخر بين الزعيمين خلال قمة أبيك المرتقبة. وفي أثناء ولاية ترامب الأولى، أفضت دبلوماسيته إلى عقد 3 قمم مع كيم: في سنغافورة - يونيو 2018، هانوي - فبراير 2019، وفي قرية بانمونجوم الحدودية بين الكوريتين، في يونيو 2019.
الزعيم كيم أكد موقف بلاده الثابت بشأن ضمان الأمن من خلال قواتها النووية، مسلطًا الضوء على الاستعدادات المستمرة لردها النووي باعتبارها مهمة أساسية ذات أولوية قصوى.
وخلال اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، صرح نائب وزير خارجية كوريا الشمالية، كيم سون-جيونج، بأن بيونج يانج لن تتخلى أبدًا عن برنامجها النووي، مؤكدًا أنها نصت في قانونها على أن ترسانتها النووية مقدسة ومطلقة، ولا يجوز المساس بها، وأن فرض نزع السلاح النووي على الشمال يعني مطالبة بيونج يانج بالتنازل عن سيادتها، وحقها في الوجود، وانتهاكًا لدستورها.
أعود إلى تصريحات بالغة الأهمية أعلنها الرئيس الكوري الجنوبي بخصوص خطته ثلاثية المراحل لتعزيز السلام الدائم في شبه الجزيرة الكورية، حيث أكد -مجددًا- أن حكومته تحترم النظام الحالي لكوريا الشمالية، ولن تسعى إلى التوحيد عن طريق الدمج، كما ستمتنع عن الأعمال العدائية، متعهدًا باستعادة الثقة بين الكوريتين.
وقال الرئيس لي: "يبدو أن كوريا الشمالية قد حصلت على ما يكفي من الأسلحة النووية اللازمة للحفاظ على نظامها، ولم يتبقَّ لها سوى تقنية إعادة الدخول إلى الغلاف الجوي، لتتمكن من إكمال تطوير صواريخ باليستية عابرة للقارات مزودة برؤوس نووية، قادرة على الوصول إلى البر الأمريكي، وإذا لم تكبح جماح بيونج يانج، فإنها ستضيف 15-20 قنبلة نووية إلى ترسانتها النووية سنويًا، والمقلق هو وجود احتمال كبير بأن تصدر كوريا الشمالية صواريخ وأسلحة إلى دول أخرى".
أشار إلى أن قوة بلاده العسكرية -بعيدًا عن دعم القوات الأمريكية المتمركزة بكوريا والبالغ عددها 28.5 ألف جندي- تصنف ضمن أقوى خمس قوى عسكرية في العالم، كما أن الإنفاق الدفاعي للجنوب يتجاوز الناتج المحلي الإجمالي السنوي للشمال.
تبقى الإشارة إلى أن حزب قوة الشعب الكوري المعارض وجه انتقادات عنيفة للرئيس لي، مشيرًا إلى أن سياسته تروج لسلام زائف، من شأنه أن يجعل الجنوب تحت رحمة ترسانة الشمال، ووصف الحزب المبادرات التصالحية تجاه الشمال بأنها أفكار غير ناضجة، وغير واقعية، وستمنح بيونج يانج المزيد من الوقت لتطوير برنامجها النووي، مما سيؤدي -حتْمًا- إلى تدمير شبه الجزيرة الكورية!
[email protected]