انتصار أكتوبر .. "اللي عملها مرة يعملها كل مرة"

5-10-2025 | 14:30

شهر أكتوبر عند المصريين ليس مثل كل الشهور؛ فهو شهر الانتصار العظيم الذي حققه جيشنا الباسل يوم أن أوقع بالعدو الإسرائيلي هزيمة ساحقة في السادس من أكتوبر عام ٧٣، ومنذ ذلك اليوم، بات أكتوبر عند كل مصري أيام عزة وفخار، نستحضر منها روح الإرادة والعزيمة والانتصار.

وستبقى تلك الذكرى الوطنية راسخة في وجدان كل المصريين، ومحفورة في ذاكرة الأمة، تتداولها وتتدارسها الأجيال جيلًا بعد جيل، ويرويها الأجداد للأحفاد؛ قصة جيش عظيم خاض هذه الحرب من أجل تحرير الأرض واستعادة كامل تراب الوطن، فحقق نصرًا عزيزًا كان محل تقدير وإبهار من جميع دول العالم ومراكز الأبحاث العسكرية التي راحت تبحث وتدرس ما قام به جيش مصر العظيم في هذه الحرب من إنجاز عبقري في التخطيط والتنفيذ، وتستلهم منه التجارب وتستنبط الدروس وتستخلص العبر.

لقد أدركت مصر أن بناء جيش قوي وقادر هو وحده الكفيل بتحقيق الردع وضمان الاستقرار وجلب السلام، ومنذ انتصار أكتوبر قبل ٥٢ عامًا، حافظت مصر على قوة جيشها العظيم، وبالتوازي تحقيق القدرة الشاملة للدولة، وهو ما كان له بالغ الأثر في توفير قوة ردع للدولة المصرية في مواجهة طموحات وأطماع العدو الإسرائيلي ومشروعاته التوسعية في المنطقة. 

ولعل موقف مصر الذي أجهض مشروع تهجير الفلسطينيين الذي كان يعتزم الكيان الإسرائيلي تنفيذه في غزة بدعم من أمريكا، لم يكن لينجح إلا بوجود قوة وقدرة الجيش المصري الذي يقف بالمرصاد ضد كل من تسول له نفسه المساس بالحدود المصرية.

وهنا تحضرني كلمة للرئيس السيسي في إحدى احتفاليات ذكرى نصر أكتوبر حين قال: "الجيش اللي قدر يعملها مرة فهو قادر يعملها كل مرة". وهي في تقديري ليست مجرد رسالة، بل عقيدة عسكرية راسخة في وجدان كل جندي مصري، بل وكل مصري.

ولعل ما ذكره وزير الخارجية الأمريكي السابق هنري كيسنجر، والذي كان وقت الحرب، في مذكراته يعرض جانبًا من جسارة وقوة الجيش المصري الذي كانت له اليد الطولى منذ بدء الهجوم، إذ قال: "إن صورة المعركة كانت مختلفة تمامًا عن تلك التي رسمها الخبراء الأمريكيون في مخيلتهم عندما نشر خبر الهجوم المصري. فقد دارت كل المناقشات حول الحرب على افتراض أن التفوق العسكري كان لصالح إسرائيل. ولكن تبين أن المصريين نجحوا في ضرب خط بارليف والدفع بأكثر من 100 ألف جندي ونحو 400 دبابة ووحدات كوماندوز إلى سيناء، وبناء عدة جسور فوق القناة. وفي الأيام الأولى من الحرب فقدت إسرائيل يوميًا ما يقرب من 200 مقاتل. وأُسر الكثير من جنود الخط الأول الإسرائيلي على أيدي الجيش المصري. ولم يكن لدى سلاح الجو الإسرائيلي رد حقيقي على أنظمة الصواريخ المصرية. وانضم الطيارون الإسرائيليون الذين أصيبوا، وتمكنوا من الهروب بواسطة مقاعد النجاة إلى رفاقهم في الأسر".

وقال كيسنجر أيضًا: "تعرضت طوابير المدرعات الإسرائيلية التي كانت في سيناء وسط حالة من الفوضى، إلى هجوم جوي مصري شديد. وفي الأيام الثلاثة الأولى من الحرب، خسر سلاح الجو الإسرائيلي 49 طائرة مقاتلة، وتضررت 500 دبابة إسرائيلية في سيناء، وكان هناك نقص في ذخيرة المدفعية الإسرائيلية بمستودعات الطوارئ، وتم اكتشاف معدات قتالية صدئة جزئيًا وغير صالحة للاستعمال".

هكذا حقق الجيش المصري العظيم النصر، وهكذا يستطيع أن يحققه مرات ومرات، لكن إذا كانت مصر قد اتخذت السلام كخيار إستراتيجي، إلا أن هذا السلام لا بد أن تحميه القوة. فقد كشفت التطورات الجيوسياسية التي تعصف بالمنطقة منذ عامين حصافة وحنكة القيادة السياسية المصرية وحسن تقديرها وقراءتها للمستقبل.

كما أجابت عن تساؤلات أصحاب الرؤى المحدودة الذين كانوا يسألون بدون علم أو يتساءلون بجهل عن أسباب اهتمام مصر بالتسليح وبناء قدرات الجيش وتزويده بأحدث الأسلحة رغم أننا في سلام.

بل ذهب البعض عن جهل إلى القول: "لماذا لا يتم توجيه تلك المخصصات لمشروعات تنموية؟!!" فليتخيل هؤلاء أن مصر لم تكن لديها القدرات العسكرية الرادعة في ظل تلك التطورات التي كشفت فيها إسرائيل عن أطماع توسعية، إلى حد قول الفريق الحاكم في إسرائيل من المتطرفين أنهم يسعون إلى إقامة إسرائيل الكبرى التي تمتد من النيل للفرات!

إن هذه الدولة المارقة التي نالت هزيمة ساحقة ماحقة على يد الجيش المصري العظيم لا يسعدها أن ترى هذا الجيش يتطور ويزداد قوة على قوته، وتسعى دومًا إلى إضعاف مصر وضرب استقرارها، خصوصًا بعد تفكيك جيوش المنطقة، ولم يتبق سوى الجيش المصري بكامل قوته وقدراته التي تمكنه من تحقيق النصر وإلحاق الهزيمة مرات ومرات بالعدو الإسرائيلي.

ويخطئ من يظن أن إسرائيل، التي تحركها غيبيات تلمودية وتدعمها غطرسة القوة الأمريكية، يمكن في يوم من الأيام أن تقبل بالسلام كخيار إستراتيجي؛ فهي ترى في السلام نهايتها وفي الحرب والتوسع بقاءها واستمرارها. ومن ثم ستبقى روح أكتوبر هي التي تمدنا بقوة الإرادة على المواجهة وصلابة الصمود والتصدي لأي محاولة للنيل من استقرار الوطن.

".. نعم الجيش اللي عملها مرة يعملها كل مرة"

حفظ الله مصر وجيشها العظيم.

[email protected]

كلمات البحث
الأكثر قراءة