أثار فص اللازورد، ذلك الحجر الكريم الذي كان يُزين الأسورة المسروقة بالمتحف المصري التساؤلات؛ وذلك لأهمية الحجر الكريم فى حقل الآثار من جهة، حيث لم يتم حل ألغاز الكتابة المسمارية التى كانت مكتوبة على بعض الأساور التى تم اكتشافها فى تانيس، ومن جهة أخرى فيثير تساؤل آخر عن طريقة جلب المصريين القدماء لهذا الحجر.
موضوعات مقترحة
بدوره يقول الدكتور مجدي شاكر، كبير الأثريين بوزارة السياحة والآثار فى تصريح لـ"بوابة الأهرام"، إن اللازورد حجر مُظلم ذو لون أزرق قاتم، يتخلله أحيانًا بقع أو عروق بيضاء، وأحيانًا تكون فيه نقط صفراء دقيقة، تظهر كأنها ذرات من الذهب، والظاهر أن هذا الحجر لم يُعثر عليه في مصر، غير أن الإدريسي قد ذكر أنه يوجد منه منجم في الواحة الخارجة، وأهم منبع له هي بلاد أفغانستان حيث بلدة بدخشان Badakshan، والظاهر أن هذا هو المنبع الأصلي لهذا المعدن.
ويوضح شاكر، أن اللازورد كان يستعمل في مصر منذ عصر ما قبل الأسرات وما بعده لصنع الخرز والتعاويذ والجعارين، والأشياء الأخرى الصغيرة، وكذلك لتطعيم المجوهرات، وبخاصة في عهد الدولة الوسطى والدولة الحديثة، وقد ذُكر هذا الحجر في النقوش المصرية منذ الأسرة الثانية عشرة وما بعدها.
مكتشف كنوز الملك الفضى ونجله
يعود الفضل في اكتشاف كنوز الفرعون الفضي بسوسنس الأول وابنه آمون أوبى إلى الأثري الفرنسي بيير مونتيه (١٨٨٥-١٩٦٦م)، وهو أثرى ومستكشف شهير وُلد فى مدينة ليون الفرنسية، ودرس فى جامعتها، وكان تلميذًا مباشرًا لعالم المصريات فيكتور لوريه، ثم رحل للقاهرة مع أثرى آخر هو جول بارتو سنة ١٩١١م للعمل فى الحفريات، لكنه لم يستمر؛ بسبب التحاقه بالجندية فى الحرب العالمية الأولى، وقد حصل على أوسمة عسكرية عن جهوده العسكرية.
بعد الحرب عاد مونتيه إلى عمله الأثرى والأكاديمي كأستاذ فى كلية باريس، وكان محور عمله بالكامل يتعلق بالحفريات الإنجيلية فى محاولة لإثبات قصص الكتاب المقدس أركيولوجيا، وكانت أغلب حفرياته فى منطقة جبيل اللبنانية في الفترة ما بين عامي ١٩٢٠و١٩٢٤م، وأيضا فى سوريا.
أثناء هذه الحفريات، اكتشف مونتيه ذكر متكرر لأسماء ملوك مصر فوق الأدوات التى اكتشفها هذا الرابط، فأيقظ لديه حلم اكتشاف مقبرة النبى يوسف ـ عليه السلام ـ، وتتبع آثار أبطال العهد القديم فى مصر؛ لذلك سعى بقوة للتنقيب، لكن ليس فى طيبة والصعيد المكان المفضل للمنقبين، لكن فى الدلتا بالتحديد فى الشرق حيث تانيس وأواريس وبر رمسيس المكان الذى يتصور فى عقليته التوراتية أن اليهود أقاموا فيه عند هجرتهم لمصر لوجود تماثيل ضخمة لرمسيس فى المحيط.
ويوضح شاكر، أن المكتشف الأثري الفرنسي مونتيه اكتشف فيما بعد أن التماثيل نقلها ملوك الأسرة الحادية والعشرين لتانيس، حيث قام مونتيه بحفائره من بر رمسيس على بعد ثلاثين كيلومتر.
تانيس
فى تانيس بدأ مونتيه حفائره عام ١٩٢٨م، لكن اكتشافه الأهم حدث فى موسم عام ١٩٣٩، حيث كانت طبول الحرب العالمية الثانية تدق، لكن هذا لم يوقف حلمه رغم وجود جبهة فى شمال إفريقيا وتوقف أغلب أعمال التنقيب، وغارات الطائرات الألمانية وغياب الحراسة.
استمر مونتيه فى التنقيب بإصرار داخل معبد آمون فى تانيس، وداخل المعبد وجد ممر سقفى من الحجر الجيرى فراغاته محشوة بالجص، أزال البلاطات ليجد خلفها غرفة منهوبة تمثل قبر الملك أوسركون تاكلوت الثانى، حيث كان لايزال بها بعض الأدوات والكتابات، بعدها اكتشف أن الغرفة بها أبواب سحرية تفضى لغرفة أخرى، كُتب على جدرانها أنها مدفن الملك بسوسنس الأول، وبها تابوت من الفضة لا يخص بسوسنس، بل يخص ملك آخر هو ششانق الثانى، الذى يُقال أنه ذُكر فى الكتاب المقدس بعد انتصاراته على بنى إسرائيل، وذلك بعد أشهر من غزو هتلر لبولندا، حيث تم اكتشاف المقبرة فى ١٥ فبراير عام ١٩٤٠م.
داخل المقبرة، عُثر على تابوت من الجرانيت الوردى داخله تابوت من الجرانيت الأسود بداخله تابوت من الفضة برأس آدمية على شكل وجه الملك خارقة الجمال، كانت حالته سيئة إلى حد ما بسبب تسرب المياه الجوفية، فيما بعد تم ترميمه كانت المومياء مغطاة بكسوة من الذهب، واحتوت على كم هائل من التمائم، إضافة لتغطية الأصابع الذهبية، وصندل ذهبى، وعشرات الأساور فى الذراعين وقلائد وثلاثين خاتم.
مع تزايد كمية الذهب والفضة التى كان يُعثر عليها، كانت مخاوفه تزداد، وكان يتحرى السرية ورأى أن اكتشافه كان أهم من اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون، فالفضة لم تكن شائعة الاستخدام فى مصر القديمة، وكمية اللازورد المستخدمة فى الحًُلى كانت ضخمة، ولاشك أن الحجر كات يُجلب من أصقاع بعيدة فى أفغانستان الآن، وهو دليل على علاقات جيدة بين مصر وهذه البلاد.
عُر على عقدين للملك بسوسنس، صُنعا من حجر لا مثيل لهما، والعقد الأصغر يوجد على خرزة منه ثلاثة صفوف محفورة بنقوش مسمارية لم يتم تفسيرها، فضلا عن الأساور والخواتم وأساور الركبة وسواري القدم، تم تطعيم الفضة بالذهب فى التابوت وصياغة الأوانى الفضية كان مُعجزًا للغاية، إضافة لهذه الحُلي احتوت المقبرة على أثاث جنائزى مُحلى بالذهب، وتماثيل جنائزية وأسلحة وسيوف وأواني وأقداح من الذهب والفضة.
ورغم كل محاولاته لتحرى السرية فوجئ مونتيه يومًا بوجود الملك فاروق الأول بموقع الحفائر، كان ذلك قبل فتح الحجرة التى تلى بسوسنس، حاول الأثرى إقناع الملك بالتأنى فى الفتح والدعاية؛ بسبب مخاوفه، لكن الملك أصر على مشاهدة الكشف الأخير وكان له ما أراد، وفُتحت حجرة الملك آمون أوبى ابن بسوسنس.
وضع كل ما تم العثور عليه فى المتحف المصرى، وتوقفت الحفائر لظروف الحرب خمسة أعوام كاملة، انتظرها مونتيه ليستكمل حفائره، ويكشف مصير باقى ملوك وملكات وقادة الأسرة الحادية والعشرين والثانية والعشرين، وحكاية عاصمة مصر فى شرق الدلتا فتح الباب لألغاز أكثر من الألغاز التى تم حلها، وترك فى المتحف المصرى أكثر من ٢٣٠٠ قطعة مميزة لا نظير لها.
لم يحظى مونتيه بشهرة كارتر، كما لم يحظى فرعونه الفضى بشهرة الملك توت، واستمر فى عمله الأكاديمى حتى عام ١٩٥٨م ورحل فى هدوء سنة ١٩٦٦م.
الأسورة المسروقة للملك آمون إم أوبت يزينها فص اللازورد
التابوت الفضي للملك بسوسنس الأول
ألاثري الفرنسي بيير مونتيه
ألاثري الفرنسي بيير مونتيه
ألاثري الفرنسي بيير مونتيه
التابوت الفضي للملك بسوسنس الأول أبرز كنوز تانيس
التابوت الفضي للملك بسوسنس الأول أبرز كنوز تانيس
التابوت الفضي للملك بسوسنس الأول أبرز كنوز تانيس
التابوت الفضي للملك بسوسنس الأول أبرز كنوز تانيس
القناع الذهبي للملك بسوسنس الأول أبرز كنوز تانيس
القناع الذهبي للملك بسوسنس الأول أبرز كنوز تانيس
القناع الذهبي للملك آمون إم أوبت
الملك فاروق الأول خلال التنقيب عن كنوز تانيس بصحبة مونتيه