الغناء الشعبي والفنون القولية في إقليم مريوط وصحراء مصر الغربية

19-9-2025 | 11:47
الغناء الشعبي والفنون القولية في إقليم مريوط وصحراء مصر الغربيةصورة تعبيرية

لا شك أن مأثوراتنا الشعبية المصرية – رغم تعدد ثقافاتها وبيئاتها – غنية أيما غنى بالكثير في كل المجالات، وقد حرص الباحث المتخصص على رصد ودراسة وأرشفة كل ما تم جمعه من عناصر التراث شأنه في ذلك شأن الغير متخصص من هواة الحفاظ على التراث الشعبي، ولكل منهما أسبابه ولكن أيا كانت تلك الأسباب فإن ما يعنينا في المقام الأول هو النتيجة المباشرة والبالغة الأهمية لذلك النشاط (نقصد الحفاظ على التراث)، ذلك أن التراث الشعبي هو المُحدد الرئيس لهُوية الإنسان في كل مكان وزمان.

موضوعات مقترحة

وتجدر الاشارة إلى أن الاحتكاك الثقافي هو السبب الرئيسي في تشكيل الأطر العامة للحياة الشعبية في كل بيئة ولا نستثني من ذلك إلا منطقة سيوة، ويظهر تأثير الاحتكاك الثقافي جلياً واضحاً في المناطق الساحلية ذات النشاط التجاري البحري مع دول ما وراء البحار كالإسكندرية على سبيل المثال والتي استقر فيها الكثير من جاليات أوروبا من المغامرين خاصة اليونانيين والإيطاليين (أوالجريج والطليان كما يٌطلق عليهم الشعبيون في الاسكندرية)، وفي ذلك تتتناغم الحياة الشعبية في منطقة إقليم مريوط والساحل الشمالي الغربي لمصر مع جارتها الليبية حتى تكاد تتطابق في كل تفصيلاتها، الأمر الذي يتكرر في جنوب مصر مع جارتها السودانية وشرق مصر مع الأردن وفلسطين.

وعند دراسة الأغنية الشعبية بصفة عامة كنوع من أنواع الممارسات الشعبية والتي عبر بها الإنسان في بيئته عن أفراحه وأتراحه حتى أن الباحث لجأ إلى تصنيف تلك الأغنية إلى أغاني تختلف حسب اختلاف مناسباتها في كل دورة حياته من الميلاد وحتى الوفاة، نقول أن الباحث وضع ملامح واضحة للأغنية الشعبية بأنها مجهولة المؤلف من حيث الكلمات واللحن والمؤدي الأصلي، ويرجع الإصرار على ذلك الشرط إلى التفريق بين الأغنية الشعبية والأغنية الجماهيرية.

ونحن بصدد الحديث عن الأغنية الشعبية البدوية في منطقة إقليم مريوط سنصطدم بحقيقة تبعث على الدهشة، وهي أن الجماعة الشعبية عبرت في مختلف مناسباتها بفنون غنائية بدون آلات موسيقية وقبل أن يُسرع البعض بالقول أن المغني الشعبي استعان بالألة الموسيقية في اغانيه كالسمسمية في أعمال الشيخ صديق بوعبعاب نقول أن أغاني "بوعبعاب" جماهيرية، وليست شعبية فهي معروفة المؤدي والمؤلف والملحن وحتى الآلة الموسيقية مستوردة ودخيلة على البيئة البدوية.


الشيخ صديق بو عبعاب

وبتأمل التعبير الشعبي البدوي في مختلف مناسبات دورة الحياة نجد أن اصطلاح (الفنون القولية) هو الأقرب تطابقا لذلك الفن التعبيري؛ ذلك أن التعبير بالكلمة يتخذ عدة اشكال ومهارات لاعلاقة لها بالألة الموسيقية، ولكنها تحقق تأثيراً قوياً مؤكداً، ويستطيع المؤدي من خلاله توصيل مشاعر الإعجاب أو السرور أو الدهشة أو الحزن وكل ذلك بواسطة قوة الكلمة التي تتخذ من طريقة الأداء قوة التأثير فغناوة العلم لا تتعدى كلماتها السبعة كلمات ولكنها تخبر بما يمكن أن يملأ صفحات والشتاوة يداعب ايقاعها الأسماع معبرة عن حالة وجدانية تلقائية. 

أما المجرودة فهي فن شعري غنائي قصصي أحياناً تأملي يطرح فكراً وأحكاماً أحياناً أخرى يتنوع في التناول بين الفخر والغزل والفروسية والزهد وسوف نشير في مقالات أخرى إلى نماذج من مناسبات الفن الشعبي المتمثل في الكلمة؛ ذلك أن البدوي يعي تماماً أن لكل مقام مقال كما تجدر الإشارة إلى الأشكال العامة لموضوعات الفنون القولية وتأثير البيئة على تكوينها، وهو أمر بالغ الأهمية يوضح ويؤكد الخصوصية الثقافية للجماعة الشعبية القاطنة في صحراء مصر الغربية، والله من وراء القصد...

أ. محمود خليل

باحث في أطلس المأثورات الشعبية وكبير مفتشين في الرقابة على المصنفات الفنية


الأستاذ محمود خليل

 

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: