شهدت صناعة الحُلي في الحضارة الإسلامية ازدهاراً ملحوظاً، حيث تطورت التقنيات الفنية وزادت الزخارف المستوحاة من الفن الفارسي والعربي.
موضوعات مقترحة
وتميزت الحُلي الفاطمية بالترصيع بالأحجار الكريمة وتقنيات التشكيل بالتشبيك، بينما اشتهرت الحُلي العثمانية بدقة المشغولات الذهبية ووفرة الزخارف، خاصة الهلال، مع استخدام مكثف للأحجار الكريمة.
وقد ساهمت هجرة الصناع المهرة ونقل الخبرات بين المدن مثل بغداد ودمشق وحلب في تقدم هذه الصناعة عبر العصور.
أولاً- عوامل ازدهار صناعة الحًلي في الحضارة الاسلامية:
1-العوامل الاقتصادية:
- توفر المواد الخام من المعادن النفيسة كالذهب والفضة، والأحجار الكريمة وشبه الكريمة، عنصراً جوهرياً لازدهار الصناعة، مما سمح بصنع قطع فخمة ومتينة.
- شهدت الصناعة تطوراً في التقنيات، من الأساليب الأولية كالمطرقة والسندان، إلى تقنيات متقدمة مثل الصهر باستخدام النار في أوعية خاصة، والحفر، والتقطيع، والترصيع بالأحجار الكريمة، مما ساهم في تنوع الأساليب ودقتها.
- الاستفادة من الخبرات والمهارات ولعبت مهارة الصاغة المهرة، وخصوصاً الأيدي الصغيرة الدقيقة للصغار والأقزام، دوراً مهماً في تحقيق الدقة في تصميم القطع الفنية الدقيقة، والتي لا تزال حتى اليوم تعتمد على الأيادي الرقيقة في بعض مراحلها.
2-العوامل الاجتماعية والثقافية:
- كانت الرغبة في الزينة والتجمل دافعاً قوياً، خاصة لدى النساء، لارتداء الحلي بأشكالها المختلفة كـ العقود والأساور والقلائد، مما جعل صناعتها عنصراً أساسياً في الحياة اليومية.
ـ المكانة الاجتماعية والتباهي: كانت الحُلي وسيلة لإظهار المكانة الاجتماعية والتباهي بها، سواء في المناسبات الاجتماعية أو الدينية، أو كهدايا بين الملوك والأفراد الأغنياء؛ مما زاد من الطلب على إنتاجها.
- ساهم الاستقرار السياسي والاقتصادي في المجتمعات القديمة في خلق بيئة ملائمة للإبداع والإنتاج الحرفي، حيث سمح الازدهار الاقتصادي بإنتاج كميات كبيرة من الحُلي.
- ساهمت التفاعلات بين الحضارات المختلفة، مثل تقليد الإغريق للزخارف الشرقية وتطوير أساليبهم الخاصة، في إثراء صناعة الحُلي وانتشارها.
ثانياً - صناعة الحُلي عبر العصور الإسلامية:
- صناعة الحُلي في عهد الدولة الأموية:
لم تتخذ صناعة الحُلي الأموي طابعاً مميزاً جداً عن الفترات الإسلامية السابقة، لكنها استمرت في الابتكار والتنوع، حيث استمر استخدام الزخارف التقليدية والتقنيات المعروفة مثل التخريم، والحفر، والترصيع بالمينا، وشهدت فترة الحكم الأموي في العصور الإسلامية استمرارًا لبعض الموروثات الزخرفية المتأثرة بالحضارات السابقة، مع اهتمام خاص بالجواهر والأحجار الكريمة في مجالات التصنيع المختلفة.
- صناعة الحُلي في عهد الدولة العباسية:
وقد صنع العباسيّون الحُلي بطرق كثيرة مثل الحز والحفر والتخريم، وعُرف في عهدهم الترصيع بالمينا السوداء منها والزرقاء أو الحفر. كما تمت زخرفة الحلي في عهدهم بالمينا التي عُرفت بميناء الفصوص، أو المينا التي كانت تُصهر وتُصب في قطع الحلي.
وقد وُجدت بعض الحُلي في العصر العباسي المتأخر تحتوي على رسوم بهيئة حيوانات أو طيور أو رسوم آدمية متأثرة بالزخارف الساسانية والبيزنطية.
وتجدر الإشارة إلى أن العباسيّين كان قوام زخارف حُليِّهم نقوشاً نباتية وأشكالاً هندسية وكتابات خطية.
- صناعة الحُلي في الأندلس:
ازدهرت صناعة الحلي في الأندلس بفضل غنى البلاد بالمعادن خاصة الذهب، واستمرت بتأثيرات شرقية وفنية متطورة، وشملت تقنيات متنوعة مثل التحبيب، والتشكيل، والترصيع بالأحجار الكريمة، والنقش، والتلون بالمينا، مع تميز خاص ببعض قطع الحُلي مثل القلادات والأقراط، واستمرت هذه الصناعة بتأثيرات من حضارات الأخرى مثل الفارسية و العباسية الفاطمية، واستفادت من هجرة الصناع المهرة من مناطق أخرى و أيضا تشجيع الحكام إلي هذه مثل عبدالرحمن الناصر.
- صناعة الحلي في الدولة الفاطمية:
وفي العصر الفاطمي ازدهرت صناعة الحُلي في كل من مصر وسوريا على نحو كبير، وقد أشار المؤرخون والرحالة وكل من زار مصر وسوريا في تلك الفترة إلى أن القصور الفاطمية وخزائن خلفائهم كانت تزخر بقطع الحلي والجواهر، كما شهدوا أن كثيراً من نساء العصر الفاطمي أُغرِمن بجمع قطع الحُلي.
وقد حفظت متون الكتب أن سيدات اشتهرن في البلاط الفاطمي انصبّ جُلّ اهتمامهن على جمع قطع الحُلي، ومن أشهرهن رشيدة وعبدة ابنتا الخليفة الفاطمي المعز بالله، كما اشتهرت ستّ الملك ابنة الخليفة العزيز بالله باقتنائها أنفس الحلي وأغلاها من الياقوت والزبرجد، وقد ورد أن مخصصاتها كانت تبلغ نحو خمسمئة ألف دينار.
ويعد المقريزي من أكثر المؤرخين الذين وصفوا كنوز القصور الفاطمية وما كانت تحويه من روائع تحف الحلي المختلفة، وقد شاعت في العصر الفاطمي عدة طرق وأساليب لصناعة الحلي وزخرفتها، حيث عرفوا طريقة الحز والحفر، وكثر عندهم الترصيع بالأحجار الكريمة والتنزيل بالمينا؛ سواء مينا الفصوص أم الإنزال على قطع الحُلي بطريقة مينا الصب على الزخارف المحفورة.
وشاع أيضاً عند الفاطميين طريقة أخرى عُرفت باسم التشبيك، وهي إعداد أسلاك دقيقة من الذهب أو الفضة، تُشَكّل فيها أشكال متعددة، يربط بينها لحام خاص قد يثبت فوق صفائح دقيقة من المعدن لتقوية قطعة الحُلي، وقد تترك الزخارف مفرغة بلا تصفيح.
وتعد القطع الفاطمية التي وصلتنا في حكم النادرة نسبياً إذا ما قورنت بغيرها من قطع الحلي عبر العصور الإسلامية؛ فقد صاغ الفنان الفاطمي قطع الحُلي واستمد زخارفها من بعض العناصر الزخرفية المستوحاة من الفن الفارسي، وكان قوام هذه الزخارف نقوشاً نباتية وهندسية وأشكال طيور وكتابات بالخط الكوفي، وصورت بعض هذه النقوش رسوماً آدمية ومناظر لمجالس الطرب.
صناعة الحُلي في الدولة المملوكية
استمرت تقاليد صناعة الحُلي من العصور السابقة، وتميزت بأشكال الهلال والنقوش الحيوانية والنصوص الكتابية والأدعية، واستمر الصُنّاع في استخدام تقنيات مثل الحز والحفر والترصيع والتكفيت، بالإضافة إلى استخدام الزخارف النباتية والهندسية والكتابات.
وكان لهذا الفن دفعة قوية بفضل هجرة الصُناع المهرة من بغداد إلى الشام ثم مصر بسبب هجوم التتار، بالإضافة إلى استخدام المعادن كالذهب والفضة والنحاس، والاعتماد على أحجار كريمة.
صناعة الحلي في الدولة العثمانية:
تميزت صناعة الحُلي في الدولة العثمانية بمهارة فائقة ودقة في المشغولات الذهبية، مع كثرة في الزخارف واستخدام مكثف للأحجار الكريمة مثل الزمرد والياقوت والألماس واللؤلؤ والمرجان.
وتأثرت هذه الصناعة بأساليب بلاد الهند وفارس، وشملت زينة القصور والسلاطين مثل "السورغوتش" المصنوع من الريش، وارتدى النساء عمومًا تيجان الرأس المجوهرة.
ثالثاً - المراكز صناعة الحُلي في الحضارة الإسلامية:
- مصر: شهدت ازدهاراً كبيراً في في صناعة الحُلي في مدينة الفسطاط والقاهرة والإسكندرية ، حيث كان الحكام يحبون اقتناء الذهب والجواهر كدليل على الثراء، حتى أنهم شيدوا قصر الذهب وقاعة الذهب. وتميزت صناعه الحُلي في هذه المدن الأساليب الفنية المتنوعة مثل التفريغ والنقوش الحيوانية والنباتية والخط الكوفي.
- الشام : تطورت صناعة المعادن والحًلي في دمشق وحلب بشكل كبير في العصر الأيوبي، خاصة بعد أن شجع الحكام هذه الصناعات.
لعب هجرة الصناع المهرة من بغداد إلى الشام في العصر المملوكي دوراً هاماً في تقدم هذه الصناعة، مما أدى لزيادة دقة المشغولات الذهبية وتوفر الزخارف الكثيفة.
- بلاد فارس: تعددت مراكز صناعة الحُلي في بلاد فارس مثل نيسابور تشتهر بإنتاج الفيروز ذي الألوان الزاهية والأنماط المصفوفية المميزة.
وهناك مشهد تقع بالقرب من نيسابور وتزخر برواسب الفيروز، مما يجعلها مساهماً مهماً في إنتاج الفيروز الإيراني، وكذلك شيراز تمثل مركزاً للصناعات اليدوية والفنون مثل النقش المعدني وصناعة المجوهرات والخواتم.
- بلاد الأندلس: شتهرت مدن مثل قرطبة وطليطلة في الأندلس بصناعة الحُلي، حيث كانت قرطبة مركزًا رئيسيًا لهذه الصناعة، وأهم المراكز الثقافية والحرفية في الأندلس، واشتهرت بصناعة الحُلي الذهبية والفضية، بالإضافة إلى تفوقها في صناعة الورق والمعادن .
كما كانت طليطلة مركزًا بارزًا للصناعات المعدنية، وشمل ذلك صناعة الحُلي التي اتسمت بالجودة والفن الرفيع، كما اشتهرت بالورق في وقت لاحق.
رابعاً - تقنيات الصناعة والفنون الزخرفية:
تم استخدام عدة تقنيات صناعية وزخرفية لتشكيل الحُلي خلال العصور الإسلامية، ومنها:
- الحفر والتخريم: تقنية استخدمها العباسيون والفاطميون لنقش الزخارف على الحُلي.
- التشبيك: تقنية فاطمية تعتمد على تشكيل أسلاك دقيقة من المعدن لتكوين أشكال متعددة، مع استخدام لحام خاص لتثبيتها.
- الترصيع: استخدام الأحجار الكريمة وشبه الكريمة في قطع الحُلي، وهو ما اشتهر في العصر الفاطمي، حسب ما ذكره المقريزي.
- المينا: استخدمت المينا السوداء والزرقاء في العصر العباسي، وتطورت طرق الصب والتنزيل على قطع الحُلي.
- التزيين بالزخارف الإسلامية: واستُخدمت الزخارف النباتية والهندسية وأشكال الطيور، بالإضافة إلى الخط الكوفي، في تزيين الحلي في العصر الفاطمي، متأثرة بالفن الفارسي.
وقد ورد في بعض المصادر استخدام الخزف كبديل للأحجار الكريمة، واستخدام الزخارف الإسلامية في استحداث حُلي خزفية.
خامساً - المعادن المستخدمة في صناعة الحُلي:
- الذهب والفضة كانا هما المعدنين الأكثر شيوعًا واستخدامًا في صناعة الحلي، وتميزت بتنوع تقنيات الصياغة مثل التقطيع، التخريم، التسليك، النقش، الحفر، والطلاء.
استخدمت بشكل خاص في العصر المملوكي، وتميزت بزخارفها الدقيقة واستخدامها المكثف للأحجار في أعمالها الزخرفية.
- الأحجار الكريمة وشبه الكريمة استخدمت أحجار مثل العقيق والجزع والزمرد في ترصيع الحُلي.
- الزجاج والخزف تم استخدامهما في صناعة الخرز والتماثيل في العصر الروماني، ثم استمرت تقنيات الزجاج في الحضارة الإسلامية لتقليد الأحجار.
- المينا كانت تُستخدم في تزيين الصدريات والدلايات والأساور بتثبيت رقائق من الذهب عليها وتطعيمها بأحجار أو زجاج ملون.
سادساً - العناصر الزخرفية والفنية:
لم يقم صُناع الحُلي من المسلمين بالحفاظ على نمط ثابت خلال اختيارهم للعناصر الزخرفية والفنية خلال تشكيل الحُلي، ومن تلك النماذج...
- الهلال: ظهر هذا الشكل بشكل مميز في الحُلي في العصر الفاطمي والعثماني، وخاصة في الحُلي الفضية.
- النقوش الإسلامية و الزخارف المستوحاة من الفن الفارسي، وتضمنت نقوشًا نباتية وهندسية وأشكال طيور وكتابات بالخط الكوفي.
1-أنواع النقوش: تميزت النقوش الهندسية بالأنماط الهندسية المتداخلة والمستوحاة من العمارة الإسلامية.
- النقوش النباتية: استُخدمت أشكال النباتات وفروعها بأسلوب فني بديع، كما حدث في زخارف الحلي الفاطمية.
- الخط العربي نُقش الخط العربي بأشكال متنوعة على الحُلي، مما أضفى طابعاً روحياً وجمالياً مميزاً.
- صور الحيوانات والطيور كما في الفن الإسلامي عموماً، ظهرت صور الطيور والحيوانات على الحُلي، خاصة في العصرين الطولوني والفاطمي.
2-أنواع الزخارف المستخدمة في صناعة الحلي :
- الزخارف الهندسية عبارة عن أشكال معقدة من الأنماط الهندسية، تُعد من سمات الفن الإسلامي البارزة التي وظفت بكثرة في الحلي.
- الزخارف النباتية (الأرابيسك) تصميمات معقدة ومفصلة مستوحاة من أغصان النباتات وأوراقها، وتُعرف بفن التوريق.
- الزخارف الكتابية (الخط العربي) استخدام الخط العربي كعنصر زخرفي أساسي، بتحوير الحروف والكلمات إلى أشكال فنية مميزة.
- الزخارف الحيوانية والآدمية تشمل تصوير حيوانات مثل الأسود والطيور، مع تحوير أشكالها لتصبح ذات طابع فني زخرفي.
- التصويرات الخرافية تحويل الكائنات الخرافية كالجريفون والتنين إلى زخارف مُميزة في الحُلي.
د. سليمان عباس البياضي
عضو اتحاد المؤرخين العرب
د. سليمان عباس البياضي