17-9-2025 | 16:06

التقيت الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، ضمن مجموعة من الزملاء رؤساء تحرير الصحف والمواقع الإلكترونية، لمدة زادت على ثلاث ساعات، اقتطعها من وقته والتزاماته للإنصات إلينا باهتمام بالغ، وتبادل وجهات النظر حول ما يشغل الرأي العام وما ينتظره من حكومته في مختلف الملفات والقطاعات المتصلة بحياته وشئونه اليومية.

ومن مجمل هذا اللقاء المهم استوقفتني عدة نقاط أعتبرها ذات دلالة ومغزى.أستهلها من رمزية اختيار مكان انعقاده، الذي كان في القاعة المخصصة لاجتماعات مجلس الوزراء، حيث تناقش السياسات العامة وتتحدد القرارات المهمة، في إشارة إلى أننا جميعًا شركاء في المسئولية، وفي طليعتنا القائمون على الإعلام الملقى على عاتقهم عبء توعية المواطنين وفتح أبصارهم على ما نمر به من تحديات وصعاب متكاثرة، سواء كانت داخلية أو خارجية.

تحديات وأزمات فرضتها تطورات وتداعيات الأحداث المتلاحقة في المنطقة والإقليم منذ هجمات السابع من أكتوبر، وبدء غارات وهجمات جيش الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، الذي يتعرض لعمليات إبادة للفلسطينيين ومحاولات شيطانية مستمرة لتهجير سكانه قسرًا.

وجاءت تصريحات الدكتور مدبولي لتؤكد ما سبق، وأن العالم من حولنا يمر بمرحلة ضبابية إيذانًا بمخاض جديد قد يسفر عن نظام دولي مغاير لما نعايشه من هيمنة للولايات المتحدة، أو يؤدي إلى مزيد من التردي والاضطراب في النظام القائم حاليًا، وما ينتج عنه من فوضى على الساحة الدولية تقود إلى تفجر بؤر أخرى للصراعات والنزاعات بين القوى العظمى، التي تدفع أثمانها الباهظة شعوب العالم.

النقطة الثانية: لا يستطيع أحد إنكار أن مصر، في التوقيت الراهن، مستهدفة وبشكل واضح لا تخطئه العين الفاحصة، إذ تُحاك ضدها مؤامرات عديدة، وتتعرض لضغوط رهيبة في إطار مساعٍ لإعادة رسم الشرق الأوسط وموازين القوى فيه، إلا أن الدولة المصرية، بأجهزتها المعنية، واعية ومتابعة لما يُدبر في الخفاء، وتقف له بالمرصاد بكل ما أوتيت من قوة وعزيمة، وتعكف على إعداد السيناريوهات والبدائل لمواجهته وإحباطه على طول الخط، حفاظًا على أمنها القومي ومصالحها الحيوية العليا.

وتتجلى الحقيقة الأهم في أن كل هذه التحديات تبقى هينة وقابلة للتغلب عليها ما دام الداخل متماسكًا ويقف كالبنيان المرصوص أمامها، فقوة مصر وصمودها ينبعان من الداخل، وهو ما تشير إليه دائمًا القيادة السياسية وكبار المسئولين في الدولة المصرية.

النقطة الثالثة: يشكل الاستقرار الركيزة الأساسية التي يتمحور حولها كل شيء تقريبًا، فالتنمية الاقتصادية وجذب الاستثمارات الأجنبية يتطلبان عنصر الاستقرار، وهو ما تتمتع به مصر بفضل ما نفذته الدولة من إجراءات وإصلاحات اقتصادية جذرية خلال السنوات الماضية، من القضاء على بؤر الإرهاب والتطرف، وتحديث البنية التحتية، والإصلاح الضريبي، وعلاج التشوهات الموجودة فيه، وغير ذلك الكثير.

النقطة الرابعة: تحمل المواطن المصري العديد من المشاق والصعوبات طوال الأعوام الماضية، ويحق له أن يشعر بعائد ومردود الإصلاحات الاقتصادية. وطبقًا لما قاله الدكتور مدبولي خلال لقائنا، فإن الأحوال الاقتصادية حاليًا أفضل مما كانت عليه، وأن الحكومة تعمل من أجل تحسين جودة حياة المواطنين ولا تدخر جهدًا لتحقيق هذه الغاية على مدار الساعة.

وأشار إلى ما تحقق عمليًا من مشروعات ومبادرات وبرامج للحماية الاجتماعية، مثل حياة كريمة، والقضاء على قوائم الانتظار، وظاهرة المناطق الخطرة والعشوائيات، ونقل المقيمين فيها إلى مساكن لائقة وآدمية تتوافر فيها المتطلبات اللازمة لحياتهم.

النقطة الخامسة: حرص الدكتور مدبولي الشديد على بيان الحقائق كما هي، دون تجميل، وإزالة كثير من الالتباسات، وتصحيح المعلومات المغلوطة التي جرى تداولها في الآونة الأخيرة. وأتوقف عند عناوين رئيسية وعريضة، من بينها حجم مشاركة القطاع الخاص في الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية التي تتجاوز 60%، مؤكدًا أن الدولة لا تزاحمه، بل تسعى لتسيير عمله وتعود إلى دورها الأصيل كمنظم وميسر. وأوضح أن 80% من وارداتنا مواد خام وليست كماليات، كما يشيع بعض الخبثاء والمتربصين.

ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل إن الدولة المصرية أعدت عدتها للمستقبل وما يحمله من مفاجآت، فوضعت رؤية اقتصادية شاملة للسنوات الخمس المقبلة، تتضمن التوسع في مصادر الطاقة البديلة والمتجددة، وزيادة الاستكشافات البترولية لتلبية احتياجاتنا من الطاقة والغاز، وتعزيز مساهمة الصناعة في الناتج المحلي، وزيادة الصادرات، وخفض العجز الكلي، وكل ذلك وفق خطط تنفيذية محددة وواضحة المعالم.

النقطة السادسة: قراراتنا وسياساتنا وطنية خالصة، ولا يتدخل فيها أي طرف أو جهة، وفي مقدمتها صندوق النقد الدولي، وأن مصر لم ولن تفرط في حقوقها المائية، وأنها تمد يدها بالخير للتعاون مع دول حوض النيل، بما يحقق التنمية الاقتصادية ويعم بالفائدة على جميع الأطراف.

النقطة السابعة: أن الدكتور مصطفى مدبولي مستمع جيد، لا يزعجه سماع الانتقادات ولا يتبرم منها، بل يرد عليها ويفندها بأسلوب هادئ وعلمي مدعوم بالأرقام والشواهد. وتلك سمة محمودة تُبرز عنايته الشخصية، وعناية حكومته بالاستماع لكل الأصوات والاقتراحات والشكاوى، طالما أنها تصب في النهاية في المصلحة العامة، وهو ما نتمنى أن يسود لدى كل الهيئات والجهات الحكومية.

كلمات البحث