انفراد.. "الشباب" تحاور البروفيسور أمينة حلمي أشهر عالمة فلك في العالم

6-7-2025 | 16:56
انفراد  الشباب  تحاور البروفيسور أمينة حلمي أشهر عالمة فلك في العالمعالمة الفلك أمينة حلمى
وليد فاروق محمد
الشباب نقلاً عن

الأستاذة في جامعة جرونينجن:  أنا "مواطنة عالمية" لأن والدي مصري وأمي هولندية ولدي أصول إيطالية وولدت في الأرجنتين

موضوعات مقترحة
أبحاثي ستجيب عن السؤال: هل توجد مخلوقات غيرنا في الكون؟
ساهمت في تأسيس علم "الأثار المجرّي".. واكتشفت بقايا مجرة معروفة عالميا باسم "تيارات أمينة حلمي"
زرت مصر مؤخرا لأول مرة واكتشفت أن شعبها ودود وكريم بشكل لا يُصدق
بسبب التغير المناخي.. أشعر بقلق لأن الأطفال قد يكبرون بدون أن يروا السماء الصافية

وكالات الأنباء نشرت مؤخرا تقريرا عن عالمة أرجنتينية تعمل أستاذة في الفلك بجامعة جرونينجن الهولندية باعتبارها واحدة من أشهر علماء الفلك في العالم رغم سنها الصغيرة، وقد كان لها دور كبير في إنجاز تليسكوب الفضاء الأوروبي "جايا" الذي يقيس حركة أكثر من مليار نجم منفرد، كما نجحت في اكتشاف بقايا مجرة كبيرة اندمجت قبل نحو ١٠ مليارات سنة مع مجرة درب التبانة، كما أنها من مؤسسي علم (الآثار المجرّي) بالإضافة إلى جهودها في فهم طبيعة المادة المظلمة وحصولها علي أكبر الجوائز العالمية، حتى هنا والأمر يبدو معتادا، لكن.. المفاجأة أن اسمها أمينة حلمي.. كما أنها مصرية الأصل!.


سألت البروفيسور أمينة في البداية عن طبيعة نشأتها وسط أسرة متنوعة ثقافياً واجتماعياً، سواء من جهة والدها أو والدتها أو حتى مكان الميلاد، تقول: أشعر بأنني "مواطنة عالمية"، والدي مصري ووالدتي من هولندا، ووُلدتُ في الأرجنتين، وحتى والدي جدته كانت إيطالية، وبالطبع فخورة جدًا بهذه الخلفية وأشعر أنها جعلتني أكثر تعاطفا وتسامحا وتفهما، كما أنني نشأتُ في بلد متعدد الثقافات. ومعظم سكان الأرجنتين لديهم أصول مهاجرة، ورغم أنني كنتُ من الجيل الأول فقط مقارنةً بمعظم أصدقائي الذين كانوا من الجيل الثاني أو الثالث، إلا أنني لم أشعر بالغربة، في الواقع، أنا ممتنة جدًا لهذه الخلفية متعددة الثقافات، فقد عشت طفولة سعيدة جدا في الأرجنتين، ولا يزال لديّ العديد من الأصدقاء هناك، وأحاول زيارتها بانتظام، وانتقلت إلى هولندا عندما كان عمري ٢٥ عاما، وأشعر أيضا بارتباط قوي بمصر، فلديّ أعمام وأبناء عمومة يعيشون في القاهرة والإسكندرية، وقد زرتهم مؤخرا في بداية هذا العام، وكان الأمر رائعا! المصريون ودودون وكرماء بشكل لا يُصدق، لا أعتقد أنني أعرف شعبا مثلهم في أي مكان آخر. للأسف، لم أتعلم الكثير من العربية في طفولتي.. أعرف بعض الكلمات ومعظمها يتعلق بالطعام وتعلمتها في المنزل وأنا طفلة في صغري، كان والداي يتحدثان الإنجليزية، بينما كانت أمي تتحدث معي بالهولندية، واضطررت لتعلم الإسبانية لأننا كنا نعيش في الأرجنتين، لذلك رأى والدي أن 3 لغات كافية، والتحقتُ بعدة دورات في اللغة العربية لأتمكن من القراءة  لكن التحدث بها صعبٌ جدًا على الأقل، ولكني أخطط لزيارة مصر بانتظام، لذلك أتمني أن تتحسن لغتي العربية.


والد أمينة كان أستاذا جامعيا، ولذلك تأثرت كثيرا به وكانت تتمني أن تصبح عالمة منذ صغرها، تضيف: والدي كان عالما حقيقيا، وكنت أرافقه إلى مختبره بين الحين والآخر، وكنت في الحادية عشرة من عمري ذهبت لأول مرة إلى القبة السماوية، وانبهرت بجمال صور السماء، وعندما كنت في السنة الأخيرة من المدرسة الابتدائية تعلمنا علم الفلك وأجرينا بعض التجارب على البرتقال والليمون لفهم آلية عمل النظام الشمسي، ولماذا سنرى دائماً نفس وجه القمر، وقد وقعت في غرامه تماما، لذلك كان علم الفلك الخيار الأمثل بالنسبة لي منذ صغري، ودرستُ علم الفلك في جامعة لا بلاتا في الأرجنتين، كانت دراسةً شاقةً للغاية لأنها مادةٌ صعبةٌ نوعا ما وتتضمن الكثير من الفيزياء والرياضيات المتقدمة، لكنني نجحتُ بامتياز، والحمد لله. بعد أن أنهيتُ دراستي، قررتُ الالتحاق ببرنامج الدكتوراه في الخارج، نظرًا لقلة فرص البحث العلمي الجيد في الأرجنتين،  فكرتُ أنه من الأفضل الانتقال إلى هولندا نظرًا لخلفيتي الثقافية، وللتراث العريق لعلم الفلك الهولندي، وكذلك لأن لديّ عائلةً أمي هناك.


البروفيسور أمينة حلمي حصلتَ على درجة الدكتوراه عام ٢٠٠٠ بأطروحةٍ حول تكوّن الهالة المجرّية، ثم أصبحت عضوا في هيئة التدريس بجامعة خرونينجن كما عملت في جامعة لا بلاتا في الأرجنتين، ومعهد ماكس بلانك للفيزياء الفلكية في ألمانيا، وجامعة أوتريخت في هولندا، سألتها: أيّهما يجذبك أكثر.. تدريس الطلاب في الجامعة أم إجراء البحوث الفلكية؟ تقول: أعشقُ البحثَ، كما أحبُّ تعليمَ الطلاب كيفيةَ إجراءِه والعملَ معهم، أجدُ الأمرَ مُجزيًا للغاية عندما يكبرونَ لدرجةِ أنَّهم يُعلِّمونني أشياءً جديدة، وأبحاثي بصفة عامة تركز على دراسة تطور وديناميكيات المجرات، وخاصةً مجرة درب التبانة، باستخدام مواقع النجوم وسرعاتها وأعمارها ووفرتها الكيميائية لفهم عملية تكوين المجرات، و"علم الآثار المجرية" يسعى إلى إعادة بناء تاريخ مجرة درب التبانة بناءً على خصائص نجومها، وقد اتضح أن النجوم تشبه الحفريات (ومن هنا جاء مصطلح "علم الآثار") من حيث أنها "تتذكر" أصلها، وهذه المعلومات المتعلقة بأصلها مُشفرة في مواقعها وحركاتها، وفي أعمارها التي تُشير إلى تاريخ ميلادها، وكذلك في تركيباتها الكيميائية التي تُشير إلى البيئة التي وُلدت فيها، وتحتفظ أغلفة النجوم الجوية بالحمض النووي الكيميائي للسحابة التي وُلدت فيها. وباستخدام كل هذه المعلومات يمكننا أن نحاول إعادة بناء تاريخ المجرة، وهذا هو محور هذا المجال، الذي هو مجال شاب نسبيا وديناميكي للغاية، والذي يشهد ثورة حاليا بفضل مهمة جايا، وهو قمر صناعي من وكالة الفضاء الأوروبية ESA.


البروفيسور أمينة أيضاً من العلماء القلائل حول العالم الذين يدرسون طبيعة المادة المظلمة، وبالطبع ساهم التقدم التكنولوجي والذكاء الاصطناعي في تزويد البشر بإجابات عن أسئلة كان من الصعب الإجابة عليها لولا المحاكاة الحاسوبية، تكمل قائلة: في الواقع، هناك العديد من العلماء حول العالم يحاولون فهم طبيعة المادة المظلمة، بمن فيهم علماء فيزياء وفلك، وأنا شخصيا أحاول فهم طبيعة المادة المظلمة من منظور الفيزياء الفلكية، وباستخدام حركة النجوم في مجرتنا وأقرب جيرانها، أحاول فهم كيفية توزيع الكتلة في هذه الأنظمة، ونحن في علم الفلك نحتاج إلى أحدث التطورات التكنولوجية، وإلى حد ما، علم الفلك هو المحرك الرئيسي لها. على سبيل المثال، كان ظهور أجهزة اقتران الشحنات (CCD) أو اتصالات واي فاي السريعة مدفوعا باحتياجات فلكية، وقد أصبح فهمنا الحالي للكون ممكنا أيضا بفضل أجهزة الكمبيوتر، سواء لتحليل كميات كبيرة من البيانات أو أيضاً لإجراء عمليات المحاكاة الحاسوبية، والتي تعتبر ضرورية بسبب تعقيد العمليات الفيزيائية التي تجري في مجرات مثل مجرة درب التبانة.


وتتضمن أبحاثها كذلك بيانات رصدية من تلسكوب "جايا" الفضائي، وخاصة اكتشافها لبقايا المجرات التي اندمجت مع مجرة درب التبانة، ولكن.. قد يتساءل الشخص العادي: "كيف يمكن لاكتشاف أسرار تشكل المجرة التي نعيش فيها أن يؤثر على مستقبل كوكب الأرض"؟ تقول: هناك مقولة تقول: "الاكتشاف هو رؤية ما رآه الجميع والتفكير فيما لم يفكر فيه أحد"، وهي في الواقع تنطبق تماما على أحد اكتشافاتي الكبيرة (جايا-إنسيلادوس)، ولكنني لست متأكدة من كيفية تأثير اكتشاف كيفية تشكيل مجرتنا درب التبانة على مستقبل كوكب الأرض. لكنني أعتقد أننا جميعا، كبشر، نريد أن نفهم أصولنا، وهذا جزء صغير من هذا اللغز الكبير، وكان لي إسهام عالمي في التوصل لدليل مباشر على أن جزءا كبيرا من العناقيد الكروية في مجرة درب التبانة نشأ من مجرات قزمة تابعة متراكمة، كما اكتشفتَ أن الهالة الداخلية لمجرتنا تُهيمن عليها بقايا نظام تراكمي أكبر بكثير، وقد أطلقتَ عليه اسم " جايا-إنسيلادوس"، ويُشير هذا الاكتشاف إلى أن مجرة درب التبانة شهدت اندماجا كبيرا مع مجرة كبيرة أخرى منذ نحو ١١.٥ مليار سنة، وفي تلك المرحلة، كان عمر الكون ملياري سنة فقط،  قد يبدو هذا كثيرا، لكنه يُعادل فعليا من الناحية الفلكية شباب الكون، إذا فكرنا من منظور السنوات البشرية، فلنفترض أن عمر مجرة درب التبانة اليوم هو 60 عاما، فقد حدث هذا الحدث عندما كان عمرها 16 عاما فقط، وكان اندماجها مع (جايا-إنسيلادوس) آخر اندماج كبير شهدته مجرة درب التبانة، وبعد ذلك نمت بهدوء، لذا، يبدو الأمر كما لو أن شبابها كان جامحا، ثم أصبحت ناضجة بعد ذلك.


أيضاً ضمن الاكتشافات العلمية التي تنسب للبروفيسور أمينة حلمي بقايا مجرة صغيرة امتصتها مجرتنا درب التبانة قبل مليارات السنين. وقد تم إطلاق اسم هذا العنقود النجمي في كل المراجع العلمية علي اسمها.. "تيارات أمينة حلمي"، وهذا الاكتشاف أول تأكيد على فكرة أن مجرتنا درب التبانة تتكون من مجرات أقدم وأصغر، تقول: "تيارات أمينة حلمي" كما تُعرف اليوم، تنبع من مجرة صغيرة ابتلعتها مجرة درب التبانة قبل نحو ٦ مليارات سنة،  في وقت هذا الاكتشاف، كان بالفعل أول دليل على أن التراكم لعب دورا في تاريخ المجرة،  أيضاً توصلت أبحاثي إلي أن هالة المادة المظلمة المحيطة بمجرتنا درب التبانة يجب أن تكون على شكل كرة رجبي، وليست قرصًا طائرًا ممدودًا كما افترضنا سابقًا، لكن بصفة عامة الشكل الدقيق لهالة المجرة لم يُحسم بعد، فمع مجموعات البيانات الجديدة، تظهر ألغاز جديدة، ويكمن التأثير الأهم لهذا الاكتشاف في محاولة فهم طبيعة المادة المظلمة. 

 
البروفيسور أمينة حلمي من ضمن عالمات الفلك القلائل في العالم، ومع ذلك حققتِ نجاحًا باهرًا، وبديهي أن نسألها: هل واجهتِ صعوبات في مسيرتكِ العلمية كامرأة في مجال علمي يهيمن عليه الرجال إلى حد كبير؟ تقول: كما ذكرتُ سابقًا، درستُ علم الفلك في الأرجنتين، وهناك كان عدد الطلاب يساوي عدد الطالبات، لكن عندما انتقلتُ إلى أوروبا، وجدتُ وضعًا مختلفًا تمامًا، حيث كانت أعداد السيدات قليلة، وعلى سبيل المثال، هناك العديد من الدراسات التي تُظهر أن النساء أقل ذكرًا في الأبحاث العلمية، وبما أن الوضع يتطلب تغييرًا، يُطلب مني غالبًا المشاركة في لجان عديدة لتحسين هذا الوضع، ورغم أنني لا أتقاضى أجرا مقابل ذلك، وفي الواقع، تُضيّع هذه الجهود وقتًا من أبحاثي الخاصة، لكنني مع ذلك أواصل جهودي لمصلحة الأجيال القادمة.


البروفيسور أمينة حلمي رغم تقديمها إجاباتٍ عديدة على أسئلةٍ كثيرة خلال مسيرتها العلمية المتميزة، لكنها لاتزال تبحث عن إجابة لسؤال مثير وهو: هل نحن وحدنا في الكون؟ فهي تسعي حاليًا إلى إنتاج أفضل محاكاة حاسوبية على الإطلاق لمجرة درب التبانة لتقديم إجاباتٍ عن هذا السؤال، ويتعلق الأمر أيضًا بمسألة وجود حياة على كواكب أخرى خارج النظام الشمسي، وخلال مسيرتها تم اختيارها كواحدة من الفائزين الأربعة بجائزة سبينوزا، وهي أرفع جائزة في هولندا ويطلقون عليها "نوبل الهولندية" ، كما سبق لك أن حصلت على عضوية الأكاديمية الملكية الهولندية للفنون والعلوم، وحصلت على العديد من الجوائز الأخرى، بما في ذلك جائزة كريستيان هوجنز، وجائزة باستور شميتز، وجائزة العلوم، وجائزة بروير، وفي نهاية حوارنا معها سألناها: التغير المناخي الكبير الذي يشهده العالم منذ سنوات، هل يُمكن لأبحاثها أن تُساعد في التنبؤ بما ينتظر البشرية إذا استمرت درجة حرارة الأرض في الارتفاع بهذا المعدل؟

تقول: بصراحة.. أشعر بقلق بالغ لأن الأطفال الصغار قد يكبرون بدون أن يروا السماء الصافية الجميلة، ويعاني علم الفلك أيضا من قلة السماء المُظلمة والهادئة بسبب مجموعات الأقمار الصناعية التي تُطلق لأغراض الاتصالات، والتي تُعيق رصد السماء الصافية، وتُمثّل هذه مُشكلة خطيرة للغاية لعلم الفلك، وخاصةً في مجال الراديو، وكذلك لبعض التلسكوبات البصرية الكبيرة. ونحن قلقون للغاية حاليًا، إذ يجري بناء أكبر تلسكوب على وجه الأرض في تشيلي، ويوجد بجواره مشروع لبناء منشأة صناعية، وإذا تم تنفيذه، فسيؤدي ذلك إلى تلويث السماء، مما سيجعل بعض العلوم التي بُنيت من أجلها التلسكوبات غير قابلة للتحقيق. هذا أمر محزن للغاية

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: