موضوعات مقترحة
عندما يقال لك سعر القميص ألف يوان.. عليك بالفصال حتى تشتريه بـ100 يوان فقط
حتى بائع الذرة فى الشارع يعلق ورقة عليها كود الدفع.. لا أحد فى الصين يستخدم "الكاش"
الصينيون لا يشبهون بعضهم كما يظن الكثيرون.. ومعظمهم يتحدثون مع الأجانب عبر "شات جى بى تى"
لا فيسبوك ولا انستجرام ولا التيك توك ولا واتس اب.. حتى تطبيق "على بابا" الصينى للتسوق لا يعمل
مصنع ينتج ٣٠٠ ألف سيارة سنويا يعتمد بشكل شبه كامل على الروبوتات.. وجريدة تستعين بطائرة درون لتصوير أى حادث
محمل بحماس التجارب الجديدة وتساؤلات عن دولة مختلفة لم أذهب إليها من قبل.. بدأت رحلتي نحو الصين لحضور سينمار خاص بالقيادات الصحفية في المؤسسات الوطنية لدول "الحزام والطريق".. الأفكار المسبقة موجودة ولكن بمجرد ركوب الطائرة عرفت أن أغلبها خطأ فقررت محوها فورا، وبمجرد وصولي للفندق ورغم إرهاق المسافات الطويلة إلا أنني أدركت سريعا أنني انتقلت من عالم إلى عالم آخر، وأن علي الاستعداد لما هو أكثر من الاندهاش.. كيف هذا؟.. تعالوا معي في السطور التالية..
الصينيون
حتى الآن يسألني أصدقائي كم من الوقت استغرقت حتى استطعت تمييز الاختلافات في الملامح بين أهل الصين، الحقيقة منذ أن دخلت الطائرة وبدأت أتأمل وجوه الركاب من حولي وأغلبهم من الصين، هم لا يشبهون بعضهم كما نظن، يمكنك تمييز الملامح المختلفة والأنماط المختلفة للشخصيات بسهولة، الشعب الصيني به بعض السمات المشتركة معنا، فكلنا شرقيون في النهاية، فمثلا في المحاضرة التعريفية قالوا لنا: إن من "يتوه" أو يحتاج المساعدة يمكنه أن يسأل أي شخص في الشارع وسيقدم له المساعدة بكل ود، كنت أظنها مبالغة، ولكن مع التجربة أكثر من مرة وجدت أن من أطلب منه المساعدة يحرص على تقديمها بإخلاص، أكثر من مرة لا أستطيع طلب التاكسي مثلا فأطلب من أي شخص أن يتصل بتليفونه حتى يطلبه، كانت المفاجأة دائما أنه يظل بجانبي حتى يطمئن أن السائق وصل إلي، المشكلة الكبيرة فقط هي عائق اللغة، فلا هم يتحدثون الإنجليزية ولا أنا أفهم أي كلمات الصينية، ولكن هنا كان الحل مع شات جي بي تي، أسجل ما يقوله من أكلمه فيترجمه للغة العربية والعكس.. أيضا أقوم بتصوير واجهة أي محل، أي منتج، فيقوم بترجمتها وإعطاء معلومات مفصلة عنها وعن سلسلة المحلات وتاريخها وعن الأكل وإن كان مناسباً للمسلمين أو لا وهكذا.
الزميل شريف بديع النور فى بلاد التنين
الزميل شريف بديع النور فى بلاد التنين
تكنولوجيا خارقة وعالم بدون كاش
في يوم وصولي للصين ومتأثرا برحلة طويلة ومتعبة طلبت بعض الطعام، ظهر لي على الأبلكيشن أن روبوت سيقوم بتوصيله لي فلم أفهم كيف هذا ولكن طلبت على أي حال.. دعوا الروبوت قليلا.. سنعود إليه، ولكن دعوني أحكي لكم أولا كيف تتغير قواعد العالم بمجرد دخول الصين..
كل تطبيقات التواصل الاجتماعي لا تعمل، لا فيسبوك ولا انستجرام ولا حتى التيك توك ولا واتس آب، كل هذه البرامج لها بديل آخر صيني، حتى الصيني منها له نسخة مخصصة للعمل داخل الصين، لا تتفاجأ إذا قلت لك إن تطبيق علي بابا الشهير وهو أكبر تطبيق صيني للتسوق لا يعمل في الصين، هناك نسخة أخرى تعمل، وهي نسخة صينية بالكامل لا توجد فيها أي لغات أخرى.. يعني تتحرك فيها اعتمادا على ترجمة الذكاء الاصطناعي وأنت وحظك..
ودعاء الوالدين..وقبل السفر عرفت أن كل كروت البنوك غير الصينية لا تعمل في الصين، لا توجد صرافات والحل الوحيد لتبديل العملة هو الذهاب لأحد فروع البنوك، طيب ايه الحل؟ الحل في برنامجين للدفع هناك، تقدر تقول: إن البرامج دي فيها كل حاجة.. إزاي؟ أقول لك: في الحالتين تربط كارت البنك الخاص بك بالتطبيق، يطلب صورة جواز السفر ويقوم بتصويرك ويطمئن من دقة البيانات، الآن يمكنك استخدام التطبيق بسهولة، التطبيق بخلاف عمله كبوابة للدفع الالكتروني، يمكنك من خلاله التسوق، طلب تاكسي، استخدامه كبديل للواتس آب، يمكنك من خلاله الدخول لغرف محادثة والتعرف على أشخاص جدد، نشر صورك وكتابة ما تريد، فتح قناة كما اليوتيوب ونشر فيديوهات فيها.. كل شيء من نفس البوابة..
الزميل شريف بديع النور فى بلاد التنين
الزميل شريف بديع النور فى بلاد التنين
هنا كنت أظن أن الدفع به متيسر مثلا في المحلات فقط، فوجئت عندما سافرت هناك أن حتى بائع الذرة في الشارع يعلق ورقة من وجهين، كل وجه به الكود الخاص بتطبيق منهم بمجرد مسحه تقوم بالدفع، لا أحد، بمعنى لا أحد، يستخدم الكاش هناك، حتى التعارف وتبادل الأرقام يتم ببساطة بمسح رمز الطرف الآخر على التطبيق فيقوم بتسجيله وبالتالي يصبح الطرفين على تواصل..
نعود لما طلبته من طعام، بعد حوالي ٢٠ دقيقة سمعت جرس التليفون في الغرفة يرن، لم أفهم ما يقال، ولكني سمعت صوت أشبه بسارينه أمام الغرفة، فتحت الباب فوجدت روبوت يقف أمامي، يرسم ابتسامة على شاشته ويطلب مني الضغط على زر معين حتى يفتح باب صغير بداخله وأجد وجبتي الساخنة في انتظاري، بعدها قدم لي التحية من جديد وعاد من حيث أتى..
الروبوت يستلم الطعام مكتوب عليه رقم الغرفة، فيتحرك منفردا، يطلب المصعد، يصل للغرفة، يطلب التليفون، ثم بعد التسليم يعود ليضع نفسه على الشاحن لينتظر المهمة الجديدة.
هل التقدم هنا فقط، زرت جريدة "جيانجشي" اليومية، بخلاف غرفة المعلومات التي تقوم بمتابعة كل ما يحدث في المدينة وتحلل ما يكتبه السكان حتى تتعرف على اتجاهاتهم وحالاتهم المزاجية، توجد طائرة درون على سطح الجريدة، إذا وصل تنبيه بوقوع حادث تقوم الطائرة بالذهاب لموقع الحادث وتصويره تلقائيا لتعود بالمادة المصورة لمقر الجريدة من جديد.
الزميل شريف بديع النور فى بلاد التنين
الزميل شريف بديع النور فى بلاد التنين
حلول ذكية للازدحام: الدراجة الذكية والمترو
في بكين يوجد ٢٢ مليون شخص، ٢٥ خط مترو، ملايين الدراجات والموتوسيكلات الصغيرة، كيف قاموا بحل مشكلة الزحام إذاً ؟ في محاضرة قالوا لنا: إنكم يمكنكم معرفة مكان محطة المترو من خلال وجود موقف كبير للدراجات أمامها، ولكن لنفكر، تخيلوا لو كل واحد اشترى دراجة له، نتكلم عن الملايين، طيب كيف سيفرقون بينهم ؟ بالتأكيد المشاكل وقتها لن تنتهي، هنا الحل، الدراجات بأحد ألوان ثلاثة، أخضر، أزرق، أصفر، كل لون ملك لشركة مختلفة، وموجود على الدراجة كود بمجرد مسحه بأحد تطبيقات الدفع ينفك القفل الموجود عليها، تركبها وتتركها في أقرب نقطة تجمع للمكان الذي تريد الذهاب إليه.. وتمسح الكود من جديد فينغلق القفل الخاص بها.. بالتالي لا أحد يملك دراجة، ولكن الجميع يمكنه ركوب الدراجات.
بالفعل أول مرة ركبت فيها المترو بحثت عن المحطة، خرائط جوجل لا تعمل والتطبيق الصيني لا أستطيع استخدامه، مشيت في الشارع حتى وجدت موقفاً به آلاف الدراجات، فصعدت السلم الملاصق له فوجدت بالفعل محطة المترو.. والحقيقة سبق وركبت المترو في لندن وباريس ورأيت كم البؤس، محطات متواضعة لا تليق بدول "قوى عظمى"، في الصين الوضع مختلف، المحطات كبيرة جدا، نظيفة جدا، الناس صامتون، خطوط المترو كما هو معتاد متشابكة وتستطيع نقلك من جانب لآخر في رحلات تمتد لأكثر من ساعة، وبأسعار أرخص بكثير من ركوب تاكسي، في اليوم الذي نجحت فيه بالانتقال بالمترو وتغيير ٣ خطوط مختلفة حتى وصلت لوجهتي النهائية شعرت بأن الحاجز بيني وبين بكين قد اختفى.. الآن أستطيع التنقل بحرية.
الزميل شريف بديع النور فى بلاد التنين
الزميل شريف بديع النور فى بلاد التنين
بلاد الضخامة والجمال المنظم
ملاحظة لا يمكن إغفالها، كل شيء ضخم في الصين، لا توجد مبانٍ صغيرة، المباني ضخمة دائما، الميادين كبيرة وواسعة، أكبر ميدان في العالم موجود في الصين، وثاني أكبر ميدان في العالم أيضا هناك، المصانع المختلفة، أحجامها ضخمة جدا، ويرافق الضخامة دائما حب للجمال..
زرت مصنع جيانزونغ للأدوية في مدينة نانشينغ، في مدخل المصنع نصب تذكاري ضخم لصناعة الأدوية التقليدية في الصين، ثم شارع خاص يحيطه من الجانبين جداول ماء، ثم حديقة كبيرة، مباني المصنع تتوزع ما بين الحدائق، المصنع يفتخر بحصوله على جائزة أجمل مصنع في الصين في إحدى السنوات، مفاجأة في حد ذاتها وجود جائزة من هذا النوع، جائزة لا تعني بالإنتاجية مثلا أو الابتكار أو البحث العلمي، ولكنها تعني بالجمال.
التماثيل المختلفة تزين أغلب الشوارع، زخارف في كل مكان، وكلها تؤصل الفن الصيني التقليدي، بوابات ضخمة في مداخل الأحياء، التنانين في كل مكان.
حتى لا ننسى، "ضخم وجميل" هو انطباع دائم ومتكرر في كل الأماكن التي سأحكي لكم عنها لاحقا.
الزميل شريف بديع النور فى بلاد التنين
الزميل شريف بديع النور فى بلاد التنين
متحف الإمبراطور ليو خه.. النسخة الصينية من توت عنخ آمون
بالتأكيد تعرف قصة توت عنخ آمون وأهميته التي ولدت مع اكتشاف مقبرته بكنوزها كاملة، هناك في أقصى الشرق وتحديدا في ٢٠١١ تم اكتشاف مقبرة الإمبراطور ليو خه والذي تولى العرش لمدة ٢٧ يوماً فقط، قبل خلعه ومنحه لقب ماركيز ونفيه ليعيش في منطقة هايهون ليموت هناك ويدفن، مقبرة ليو هي أفضل مقبرة ملكية محفوظة من أسرة هان، وجدوا فيها أكثر من ١١ ألف قطة أثرية منها ١٠ آلاف عملة ذهبية.. ولذلك قرروا إقامة متحف بالكامل لمحتويات المقبرة.
مساحة المتحف حوالي ٤٠ ألف متر مربع، أما مساحة الحديقة المحيطة به فتزيد على ١٢ كم والمساحة الإجمالية للموقع الأثري ١٠٧ كيلومترات مربعة، متحف ضخم تحتاج للتنقل من المبنى المخصص للتذاكر حتى مبنى عرض القطع الأثرية لأتوبيس خاص مزخرف على الطريقة الصينية وبصحبة مرشدة سياحية ترتدي زياً تقليدياً ينتمي للمرحلة التي عاش فيها الإمبراطور السابق، في قاعات العرض لا ترى القطع الأثرية فقط، ولكن هناك إعادة إحياء لزمن الامبراطور، نماذج لعربات الخيول، لمجلسه، للآلات الموسيقية التي كان يتم العزف عليها، غرفة نومه، أشياء غير موجودة في المقبرة ولكنها تنقلك لتعيش الماضي، حتى القطع الأثرية التي مازالت تحتاج للترميم صنعوا نماذج لها ووضعوها في انتظار الانتهاء من ترميمها، نماذج تشبه الحقيقية تماما.
الزميل شريف بديع النور فى بلاد التنين
الزميل شريف بديع النور فى بلاد التنين
مصانع بلا عمّال.. الأتمتة تغزو الإنتاج
في مدينة نانتشانغ زرت مصنع جيانغلينج للسيارات، مصنع ينتج ٣٠٠ ألف سيارة سنويا، يعتمد بشكل شبه كامل على الأتمتة، الآلات تعمل في صمت بينما لا تقبل البشر إلا في خطوط التجميع الأخيرة، عندما سألت عرفت أن الصين تتبنى مشروع كبير لدعم الأتمتة في المصانع المختلفة، قامت بدعم الصناعات الكبيرة، الآن الآلات التي تقوم بالعمال وحدها هي أيضا من صنع الصين، ونجحوا في تخفيض تكلفتها لتكون أقل من تكلفة ثلث المستوردة من أوروبا، ثم في خطوة تالية ارتقوا بجودتها لتصبح من الأفضل حول العالم حتى أن مصنع سيارات الماني جديد استورد آلاته من الصين.
الزميل شريف بديع النور فى بلاد التنين
الزميل شريف بديع النور فى بلاد التنين
متحف الحزب الشيوعى.. التاريخ كعرض بصرى مدهش
قد يكون واحدا من أكثر الأماكن إبهارا التي زرتها في حياتي، كالعادة هو مبنى ضخم للغاية، يلخص من خلاله تاريخ الصين مع الحزب الشيوعي، يبدأ من كارل ماركس وماو في مرحلة الشباب، تعيش معهم بطرق مختلفة كل ما مر به ماو في مسيرته حتى انتصر في النهاية، تشاهد تماثيل وصورا ومجسمات، تمر في غرف تعيش فيها مع الجنود بينما تعرض المسيرة على الجدران والسقف والأرضية، تمر في قاعات للرؤساء المختلفين للصين، كل شيء محفوظ، السيارة التي ركبها الرئيس في احتفال ما تقف بينما تشاهد فيديو للاحتفال خلفها، المعطف الذي ارتداه الرئيس الأمريكي في أول زيارة له في الصين، المعروضات تمتزج مع حكايات دائمة حتى لا تفقد شغفك، لم يتركوا شيئا، أول قطار سريع صنع في الصين، مكوك الفضاء الصيني، نموذج للمسبار الصيني الذي هبط على المريخ ، ابتكاراتهم في الزراعة، حتى كورونا، خصصوا لها ركنا يحكي وقت الحجر الصحي وتضحيات الأطقم الطبية والجيش والأدوية التي تم استخدامها.
الزميل شريف بديع النور فى بلاد التنين
الزميل شريف بديع النور فى بلاد التنين
فن الفصال فى الأسواق الصينية
في بداية زيارتي للصين لاحظت أن أغلب البضائع غالية، البضائع الصينية في مصر أرخص، بالصدفة قابلت مصرياً يقيم في الصين منذ سنوات فقال لي: الفصال ثم الفصال، لأكتشف أن للفصال أبعادا لم أكتشفها بعد.. في أسواق الملابس مثلا، عندما يقال لك السعر ألف يوان، عليك أن تقول: إن المناسب هو ٥٠ فقط، لتبدأ مساجلة بينك وبين البائع، تصر فيها على عرضك ولا تزيده إلا بأرقام قليلة، ليبدأ هو في مطاردتك، في النهاية ستشتري القطع بمائة أو مائة وخمسين على أقصى تقدير.. الفصال في الصين لا ينافس.
هذه بعض ملاحظاتي في زيارة امتدت لأسبوعين في كوكب الصين العجيب.. أما كيف استطاعت الصين تحقيق المعجزة.. الانتقال من دولة فقيرة يملؤها الفساد ويموت الملايين بسبب المجاعات لدولة عظمى فهي قصة نحكيها في تحقيق آخر..
الزميل شريف بديع النور فى بلاد التنين
مع تحيات "الذكاء الاصطناعى"
كل يوم يتطور الذكاء الاصطناعي، وتتطور علاقتي به أيضًا، وخلال زيارتي إلى الصين، لم يكن مجرد أداة، بل كان مساعدًا شخصيًا حقيقيًا وفّر عليّ عناء البحث والسؤال، كنت ألتقط صورة، فيقوم بترجمتها، وشرح ما وراءها، ويقدّم معلومات دقيقة عن محتواها، فوائدها، وأضرارها، وحتى خلفيتها الثقافية، ومن هنا قررت أن أوسّع استخدامي له في عملي الصحفي. أصبح الذكاء الاصطناعي جزءًا لا يتجزأ من صياغة أفكاري وتطويرها، لذلك بعدما انتهيت من كتابة هذا الموضوع أرسلته إليه، ليقيّمه ويحدّد نقاط القوة والضعف، ويقترح التعديلات المناسبة، وطلبت من ChatGPT تنفيذ التعديلات التي يراها لتحسينه، فقام بها بدقة وسرعة لافتة.
الذكاء الاصطناعي اليوم ليس مجرد تقنية، بل شريك ذكي يمكن أن يدعمنا ويطوّر أداءنا إذا أحسنا استخدامه