هل تجرؤ واشنطن على ضرب بيونج يانج مثلما تجرأت على طهران؟ وما هي مشاعر الزعيم الكوري الشمالي، كيم، بعد ما تردد عن تقاعس الرئيس بوتين عن نجدة حليفته إيران؟ سؤالان طرحتهما الميديا العالمية بعد الإعلان عن وقف إطلاق النار بين إسرائيل – بمساندة الولايات المتحدة – في جانب، وإيران على الجانب الآخر.
كوريا الشمالية هي الضلع الثالث فيما أسماه الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش محور الشر، الذي يضم – بجانب بيونج يانج – كلًا من بغداد وطهران، في إطار السياسة الأمريكية المعلنة – أوائل عام 2002 – لمحاربة الإرهاب والانتشار النووي.
قبل أن تنتهي ولايته، تعامل بوش مع ما تصوره بالضلع الأضعف في المحور، وحدث الغزو الأمريكي المقيت للعراق، والإطاحة بنظام صدام حسين عام 2003، وشهدت بلاد الرافدين بعدها مرحلة انقسامات وحروبًا أهلية، تدفع ثمنها حتى الآن.
لم تغب طهران – أبدًا – عن بؤرة الاهتمام والتخطيط والتربص، فيما تتصوره الإدارات الأمريكية المتعاقبة بالضلع الثاني الأضعف، ضمن سياستها المعلنة لمحاربة ما تسميه بالإرهاب والانتشار النووي، حتى وقعت الحرب الأخيرة ووقف إطلاق النار.
وفيما لا تزال طبول الحرب الأمريكية – الإسرائيلية تقرع في منطقة الشرق الأوسط، بدأت الأنظار تتجه – فجأة – إلى بيونج يانج، حيث الضلع الثالث – والأخير – فيما يسمى بمحور الشر، وانبرت صحيفة نيويورك تايمز لنشر مقال للكاتب ويليام هينجان، بعنوان: "أمريكا لا تستطيع أن تفعل بكوريا الشمالية ما فعلته بإيران".. لماذا؟
الكاتب الأمريكي هينجان يرى أن الضربات الأمريكية على إيران، رغم عدم امتلاكها سلاحًا نوويًا، تؤكد للزعيم الكوري الشمالي، كيم جونج أون، بأن امتلاكه للأسلحة النووية أمر حتمي وحاسم للحفاظ على نظامه، وبقاء كوريا الشمالية على الخريطة.
شكك الكاتب فيما لو كانت واشنطن ستقوم بتوجيه ضربة وقائية ضد طهران لو كانت تملك القدرة على الرد بقنبلة نووية، وقال: "على عكس ما حدث مع إيران، ترامب لا يهدد بشن حرب لنزع السلاح النووي الكوري، وإذا كانت واشنطن قد عجزت عن توجيه ضرر لا يمكن إصلاحه لبرنامج إيران النووي من خلال الضربات الجوية – كما تشير المعلومات الاستخباراتية الأولية – فمن الصعب تخيل حجم الحملة العسكرية المطلوبة لنجاح ضربات وقائية على برامج بيونج يانج النووية الفعلية".
تقديرات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام تشير إلى أن كوريا الشمالية – التي تواجه عزلة وتخضع لعقوبات دولية مشددة نتيجة لتطوير برامجها النووية والصاروخية – أنتجت بالفعل نحو 50 رأسًا نوويًا، ويمكن زيادتها لمائة رأس، بما تمتلكه من مواد انشطارية.
في الوقت نفسه، ترجح التقديرات –كذلك– أنه يمكن للصواريخ الشمالية –عابرة القارات وغيرها– الوصول للمدن الرئيسية بالولايات المتحدة، وتهديد قواعدها العسكرية المنتشرة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
عما أسماه بالتحدي المستعصي الذي تمثله التهديدات النووية والصاروخية الكورية الشمالية، يقول الكاتب ويليام هينجان: "لا توجد مؤشرات واضحة على أن مهمة أمريكية مماثلة لما حدث في إيران قيد الدراسة، ولا ينبغي أن تكون كذلك، فلنفكر في مسار آخر أكثر جدوى بدلًا من ذلك، فالاعتراف بكوريا الشمالية كدولة نووية قرار صعب بلا شك، لكنه ضروري لتحقيق اختراق ومنع حرب غير مرغوب فيها".
بالمناسبة، وحين كتابة هذه السطور، قرأت خبرًا نشرته الميديا الكورية الجنوبية، جاء فيه نصًا: "إذا حضر ترامب قمة التعاون الاقتصادي لآسيا/باسيفيك، المقرر عقدها بكوريا الجنوبية في أواخر شهر أكتوبر المقبل، فمن المتوقع أن يسعى إلى الالتقاء بالزعيم الشمالي كيم، في منطقة بان مون جوم الحدودية بين الكوريتين".
للإجابة عن السؤال الثاني، الذي طرحته في بداية هذا المقال، بخصوص ما يمكن وصفه بمشاعر الزعيم كيم تجاه الرئيس الروسي، وموقف الأخير تجاه دولة تحظى بعلاقات إستراتيجية شاملة مع بلاده، وتعرضت لهجوم عسكري أمريكي – إسرائيلي.
يرى الباحث في مركز كارنجي للسلام، نيكيتا سماجين، أن "امتناع روسيا عن نجدة حلفائها، يترك أثرًا مرتدا على تقييم بيونج يانج لعلاقتها الوثيقة مع موسكو".
حسب تقرير نشرته شبكة سي إن إن الإخبارية الأمريكية يوم الخميس الماضي، قدمت بيونج يانج لموسكو دعمًا غير محدود من قذائف المدفعية والصواريخ، ومن المتوقع أن ترسل بيونج يانج نحو 30 ألف جندي كوري شمالي لموسكو، ليلتحقوا بنحو 11 ألفًا آخرين، يشاركون – بالفعل – في حرب أوكرانيا منذ أكتوبر الماضي، لتعزيز القدرات الروسية، ويتردد مقتل وجرح نحو 4 آلاف من هؤلاء الجنود.
الشراكة الإستراتيجية الشاملة بين روسيا وكوريا الشمالية – الموقعة منذ عام – تتضمن بندًا للدفاع المشترك، بعكس مثيلتها مع إيران الموقعة في يناير الماضي.
بالرغم من عدم النص رسميًا على بند دفاعي في الشراكة الإيرانية – الروسية، تؤكد التقارير أن إيران قدمت دعمًا عسكريًا كبيرًا لروسيا، كانت في غاية الاحتياج له، وتحديدًا في مجالي الصواريخ الباليستية والمسيرات، وعندما نجحت موسكو – فيما يبدو – في توطين وتطوير صناعة الأسلحة الإيرانية، توقفت عن طلبها من طهران.
من هنا بدت الشكوك، بإمكانية استغناء موسكو عن خدمات بيونج يانج من الأسلحة والمعدات والجنود وغيرها، بعد توقف الاحتياج لها في حرب أوكرانيا. هنا، يتساءل الباحث نيكيتا سماجين: "هل يصبح الزعيم كيم هو الشخصية التالية من شركاء روسيا، الذي قد تتخلى عنه موسكو في حالة اندلاع حرب بشبه الجزيرة الكورية"؟
يوضح قائلًا: "الأمر الذي قد يطمئن الزعيم كيم تجاه روسيا هو احتياج موسكو لوقوف بيونج يانج إلى جانبها، بحكم موقعها الجغرافي كمنطقة عازلة جزئيًا في حالة هجوم أمريكي محتمل من الشرق، حيث الخاصرة الضعيفة المحتملة لروسيا".
غير أن البروفيسور بجامعة إيوها الكورية الجنوبية، بارك وون-جون يقول: "إن روسيا وكوريا الشمالية قد تملكان بندًا للدفاع المشترك على الورق، وإذا أعطى بوتين الأولوية لترامب عوضًا عن بيونج يانج، فقد يجد الزعيم كيم نفسه وحيدًا"!
[email protected]