من يستمع لتصريحات نتنياهو وهو يحاول مستميتًا "تقليد" صورة المنتصر؛ سواء في الابتسامة المصطنعة، أو المبالغة في الظهور بالثقة بالنفس، وكلماته التي لا يمل من تكرارها منذ 7 أكتوبر 2023 أنه سحق المقاومة وأجهز عليها، وأضاف إلى انتصاره المبهر في غزة إنجازاته الهائلة ضد حزب الله، ثم في إيران..
تتزايد مشاهد "غليان" الداخل الإسرائيلي بضراوة ولا يمكن إخفاؤها أو تجاهلها..
زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد كان يضحك قبل الحرب على إيران أثناء قول نتنياهو في خطابه بالكنيست: في حروب إسرائيل لم يحدث أن تحقق هذا العدد من الإنجازات في آن واحد.
ثم ظهر في فيديو وهو يتفقد منزل ابنه الذي تعرض للقصف بصاروخ إيراني، وشكر الله أن ابنه وحفيدته لم يكونا بالمنزل أثناء القصف، وطالب الجميع بالذهاب للملاجئ، وتجاهل أن ٤٠% من الإسرائيليين ليس لديهم ملاجئهم، وبعضهم شكا من رفض الجيران استيعابهم أثناء القصف، وشكا العمال الأجانب من حرمانهم من الملاجئ لأنهم ليسوا إسرائيليين!!
ونشرت صحيفة "يديعوت أحرنوت" نصائح حول كيف تعزز علاقتك مع زوجتك في الملجأ في حال تشاجرت معها!! وطالب طبيب نفسي على قناة إسرائيلية بمنع نشر صور التدمير بسبب صواريخ إيران لحماية الروح المعنوية للصهاينة، والاكتفاء بنشر آثار التدمير في إيران للنيل من العدو "وتحسين" معنويات الإسرائيليين. وتزامن ذلك مع الرقابة المتشددة على نشر صور الدمار، ومداهمة الجيش الإسرائيلي غرف صحفيين في حيفا ومصادرة معداتهم.
وتندر إسرائيليون على وسائل التواصل الاجتماعي على اجتماع الكنيست تحت الأرض وعقد نتنياهو مؤتمرًا صحفيًا في مخبأ، وتم تسجيله وإذاعته، بينما انعقد البرلمان الإيراني في مكانه المعروف. وأظهروا خوفًا وصدمة إسرائيلية من تضامن واسع النطاق مع إيران في الشعوب العربية.
وذكرت صحيفة معاريف أن طلبات الحصول على المساعدة النفسية زادت بنسبة 350% بعد إطلاق إيران عشرات الصواريخ على تل أبيب.
وصرحت إفرات شفروت مديرة جمعية "ناتال" للخدمة الصحية النفسية: تلقينا اتصالات عبر خطوط المساعدة من جميع أنحاء البلاد من مواطنين أبلغوا عن نوبات قلق وتوتر ورعشة وبكاء وزيادة في معدل ضربات القلب، وعدم القدرة على فهم المشاعر أو التعبير عنها.
وتزايدت الصدمة من "استمرار" القصف الإيراني وزيادته بعد تصريح القناة 12 الإسرائيلية عن مسئول أن الجيش دمر 40% من منصات إطلاق الصواريخ الإيرانية وهو سبب انخفاض إطلاقها!! وكتبت وسائل إعلام إسرائيلية: لا يزال الوزير كاتس ينظم الشعر ويكتب التغريدات في غرفته المحصنة جدًا.
ولجأ أفيخاي أدرعي للتوسل ولعب دور "الضحية" بعد طوفان من التطاول وسوء الأدب، وكتب منشورًا مصحوبًا بصورة لشرطية تحمل طفلًا وكتب: من قلب دمار سببته صواريخهم الإجرامية الإرهابية تظهر شرطية تسابق الخطر حاملة طفلها بين ذراعيها في مشهد يختصر الإنسانية في أقسى اللحظات ويختصر إرادة الحياة في وسط عواصف الظلام.. إنه شعبي.. شعب أولاد داوود.
وكتبت صحيفة "هآرتس": إسرائيليون وأجانب يفرون عبر اليخوت إلى قبرص من موانئ هرتسيليا وحيفا وعسقلان مقابل 10 آلاف دولار للشخص والأولوية لمن يدفع أكثر، وسلطة السكان والهجرة الإسرائيلية لم تتمكن بعد من تقدير حجم الظاهرة.
يأتي الخطر "الأهم" الذي يهدد أي كيان في العالم من داخله؛ فأخطار الخارج يتكاتف الداخل لمواجهتها، وقد تتم الاستعانة بالآخرين لمواجهتها؛ كما تفعل إسرائيل باستعانتها بالقوى الكبرى. قالت سيدة إسرائيلية في فيديو: إذا سألتني عن الحرب فليس لدي إجابة أنا أشعر بالحزن والتعب والألم، إذا لم أعترف بذلك؛ فأنا أكذب على نفسي وعلى الجميع وأنني أعد قبري بيدي.
ويتزايد التأثير السلبي للحرب على الحياة اليومية للإسرائيليين الذين لم يعتادوا على القصف وما بعده ويرون إمكانية الرحيل.. فإسرائيل قامت على أساس توفير الأمن والرفاهية، وقد تناقص نصيب الصهاينة منهما بعد 7 أكتوبر وتضاعفت الشكاوى من فقدان الأمان ومن الغلاء المتزايد ومن زيادة البطالة بعد إغلاق شركات كثيرة أبوابها وكثير من المشاكل الاقتصادية.
وحاول الصهاينة تحسين الروح المعنوية المتردية بتنظيم جولات سياسية للأطفال والمراهقين لرؤية الدمار الهائل في غزة لإشباع الرغبة في الانتقام "والغل" الصهيوني المتنامي، ولم يتوقعوا رؤية بعض من الدمار والترويع في بيوتهم.
ولأول مرة يتم انتقاد قرار الحرب "علنًا" على الفضائيات بعد أيام من بدئها مع نداءات لتدخل أمريكا في الحرب قبل إيقافها ثم السخرية الزائدة من نتنياهو "وسرديته" عن انتصاره.
ولأول مرة منذ قيام إسرائيل نرى إسرائيليين يبحثون بين الركام عما تبقى من ممتلكاتهم، ونشاهد فيديوهات فزع وصراخ وبيوت مهدمة، وانتقال البعض من وسط إسرائيل ذات الثقل الإستراتيجي إلى أماكن أخرى أقل استهدافًا بالصواريخ الإيرانية.
وأكدت السفارة الأمريكية في القدس الغربية عدم قدرتها على إجلاء مواطنيها أو مساعدتهم مباشرة في مغادرة إسرائيل، وقال السفير الأمريكي في إسرائيل إنه يذهب إلى الملاجئ كثيرًا وأحيانًا أثناء اجتماع في الموساد، فلا أحد مستثنى، وهذا يتكرر يوميًا وفي ليلة اضطر للذهاب للملجأ 5 مرات بسبب القصف الإيراني.
ثم قال بعد انتهاء الحرب على إيران: اعتقدنا أننا انتهينا من الصواريخ؛ لكن الحوثيين أرسلوا واحدًا فوق رؤوسنا في إسرائيل، ولحسن الحظ نتوجه للملاجئ وننتظر حتى زوال الخطر.
وكشفت صحيفة "هآرتس" العبرية عن معاناة جنود الصهاينة من اضطرابات نفسية ونوبات بكاء وكوابيس، ونقلت عن جندي في لواء "جفعاتي" قوله: أصبحنا نكتب وصايانا على هواتفنا، ونتحدث ليلًا عن كيف ستكون جنائزنا.