عندما يفقد الإنسان قدرته على الأمل تتلاشى قوى الحياة في روحة وتتضاءل الرغبة في العيش، تتلاحق الأيام متواترة يطول ليلها سهادًا مخيفًا حد الرعب انتظارًا لنهار قد لا يأتي.
موضوعات مقترحة
شيء من ضعف يسكن الروح تمسك النفس آلياته وتلهو به كيفما تشاء أيا كانت مساحة الوعى وقدر المعرفة بالعقل الذى يعجز فى أحايين كثيرة أمام هوى النفس وتآمرها لهوًا وضعفا ومن ذلك بعض مما وجدتنى أسيرًا له ليس طمعًا فى دنيا ولا رغبة فى مبهجاتها ولكنه خوف كأنه ظلام مطبق، خانق، أعرف نهايته إلا أن الزمن توقف عند ذلك الإحساس المرعب بالانتظار بلا أمل أو رجاء، موت قادم لا يأت او لعله يباغتنى كوحش كاسر، ما علمت أحدا قبلى نجا من سطوته فما أنا فيه مرض هو قاتلى لا محالة، أجمع الأطباء أن الزمن الباقى ليس بعيدا وأخضعونى لبرنامج علاجى هو أقسى من آلامى المبرحة فالآلام تخبو مع المخدر يسرى فى جسدى يجمدها والانتظار تداويا مستحيلا أكثر إيلاما اختلطت معه ملامحى تساقط شعرى وزاغت عيناى، لم أعد أعرفنى فما أنا غير بقايا إنسان كان يوما ملئ العين والحياة .
يعلن النهار عن مقدمه حتى تبدأ سلسلة عذاباتى بجرعات مكثفة من العلاجات المخدرة وقبل ان ينتصف النهار أخضع لجلسات كيماوية تمتص رحيق الحياة من جسدى شيئا فشيئا وهكذا أتلظى بين عذابات نهارى وسهاد الألم يمتد ليلا حتى الصباح وبرغم كل هذا لم يهتز إيمانى ولم أفقد قدرتى على الصبر يقينا واحتسابا ولو طاوعت نفسى الأمارة بالسوء لتزعزع الإيمان فى نفسى ضيقا ويأسا ولقضيت روحى بيدى خلاصا مما أنا فيه.
أكتب لك لا أنتظر حلا فما بى لا خلاص منه علاجا أو حتى أملا ولكنى أنفث لظى نيران تضطرم فى جوفى أحترق بها ليل نهار ولعلى بما أحكى أتخفف بعض الشيء من ثقل الألم والخوف مما هو آت.
ربما كانت حكايتى ترياقا لروح تتألم مثلى مازال الأمل يحلق حولها لم يغادرها بعد وربما أجد من يشفق على حالى ويترحم على إذا انتهى الأجل واسترد الله وديعته.!
ولعلك تصدقنى لو قلت لك أنى ارتحت كثيرا لما أكتب ربما خففت الحروف من آلامى أكثر من المخدر الذى يجمد آلامى وما أنتظر منك غير بعض كلمات أرتاح لها لا تلهينى عما أنا فيه فأنا صابر محتسب ولكن أستند إليها فى عثرتى فأنا أعى أننا كبشر كل منا ميسر للآخر حتى لو كان تواصلنا هذا هو آخر عهدى بالدنيا يكفينى أن تترحم على وتدعو لي.
ولك أن تتذكر يوما ما أنى كنت هنا، أكتب وأتحدث لك والآن ما بقى منى غير تلك الكلمات المتآكلة هي بعض منى قد يكون لها البقاء من بعدى.
م. س
ما كل هذا الألم الذي تحمله على عاتقك وتجعل من الأيام أشواكا تنغرس في ليلك ونهارك تدمى الروح منك وتنال منك أكثر ما تعانى من مرضك.
ترفق بحالك يا أخى ولا تقنط من رحمة الله فلا يقنط من رحمته إلا القوم الكافرون وأحسبك من المؤمنين صابرا على محنتك محتسبا وتعلم أن الله ما امتحنك فى مرضك إلا اختبارا لقدرتك على الصبر ومدى توطن الإيمان فيك ولعل الله يؤخر ثوابك فى الدنيا ليؤجرك فى الآخرة جذاء ما صبرت واحتسبت أما أمر الخوف يسكن قلبك من قدر حتمى آت لا مفر فلك أن تعلم أن كل منا له ساعة لا نستقدهها أو نؤخرها وإنما هى وقت معلوم لا يدركه إلا المولى عز وجل أفإن أتتك ساعتك تحزن للقاء ربك وهو أرحم الراحمين أفى معيته ما يحزنك، ألا ترى فى القرب منه خلاصا من كل عذابات الدنيا وطاقة نور تصحبك إلى نعيم الله وجنته .
تذكر يا أخى قول الله تعالى فى سورة الحديد: (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) سورة الحديد/20.
ومن هنا تدرك ان الحياة بكل مباهجها لا تساوى شيئا وهي عند الله خالقها لا تساوى جناح بعوضة فلا تركن لها ولا تبكى عليها .
يا أخي إن ما أنت فيه محنة شديدة قد لا يقوى عليها أحد ولكن الله معك يعينك ويقويك ولعله يشفيك فهو القادر على كل شيء والأعلم بكل شيء بيده الملك وهو الرزاق الكريم .
اتخذ من آلام محنتك طوق نجاة إلى عالم آخر تتحول فيه المحنة إلى منحة وما أعظمها منحة يفرح فيها القلب بقرب رب العزة جل علاه.
فلتهدأ روحك يا أخى فأنت على ظهر الدنيا تحيا مازالت أنفاسك تتلاحق وقادر على التحدث والتعبير عن ذاتك بل وقادر على عيش ما يتبقى لك في الدنيا فبقدر ما يمنحك الله من أيام عشها في رضا ويقين بالله فهو الشافى والقادر على ما عجز عنه العلم والأطباء وإن كانت إرادته في ذهابك إلى معيته فلتذهب راضي النفس مطمئنا صفحتك بيضاء طامعا في جنة ربك الغفور الرحيم.